لم تشأ أسرة البنا أن تمر الذكرى الستون على اغتيال مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها الأول حسن البنا دون أن تضيف إلى الغموض, الذى أحاط بحادث اغتياله مزيدا من الغموض. الأسرة ألمحت فى حواراتها مع «الشروق» إلى تعاون جهاز المخابرات الأمريكية مع تنظيم داخلى بهدف التخلص من الرجل، حيث أرجع أحمد سيف الإسلام الابن الوحيد للبنا اغتيال والده إلى ما وصفه ب«مؤامرة دولية مدعومة من مجموعة فى الداخل»، وهو ما أشار إليه جمال البنا، الذى تحدث عن حلقة مفقودة فى القضية، وقال: «محمد وصفى الضابط المسئول عن أمن السفارات، والذى كان وثيق الصلة بالسفارة الأمريكية انتحر بعدما تم تضييق الخناق عليه لحمله على الاعتراف بالمسئول الأول عن الحادث». ويبرئ البنا الابن الملك فاروق من دم والده، كما ينفى ما تردد عن تورط التنظيم الخاص التابع لجماعة الإخوان فى مقتل مؤسس الجماعة، وقال: «إن التنظيم الخاص هو جزء من الجماعة التى تعشق الوالد»، وهو ما أكد عليه الشقيق الأصغر جمال، الذى قال التنظيم الخاص كان بيعبد البنا. وأشار جمال إلى احتمال تورط المخابرات الأمريكية فى عملية اغتيال أخيه الأميرالاى محمد وصفى مسئول أمن السفارات بالداخلية ذهب إلى مستشفى قصر العينى بعد الحادث للتأكد من وفاة البنا والإجهاز عليه لو قدر له النجاة، مشيرا إلى الدور الذى بدأت المخابرات الأمريكية تقوم به فى هذا الوقت، حيث تدخلت فى إعادة رسم المنطقة، ودعمت بعض الانقلابات فى سوريا وإيران بحسب تعبيره. كلام آل البنا (الشقيق الأصغر والابن) وجه أصابع الاتهام إلى لاعب صاعد بدا وكأنه يخطط فى هذه الأثناء للتخلص من باقى اللاعبين القدامى (الملك النحاس البنا) تمهيدا لصعوده لمنصة التتويج وحيدا، مستفيدا من صعود قوى دولية جديدة (الولاياتالمتحدة). يبدو أحيانا عند ظن الضباط الأحرار أصابع آل البنا تتوجه بالاتهام إلى تنظيم أثيرت شبهات حول علاقته بالمخابرات الأمريكية، وباتصاله بسفارة الولاياتالمتحدة فى القاهرة، باعتباره المستفيد الأول من إزاحة كل اللاعبين الأساسين بحسب وجهة نظرهم. البنا الابن دلل على ذلك بالقول: «لقد حيكت مؤامرة دولية مدعومة من الداخل ضمن مخطط استهدف الإيقاع بالملك والنحاس والبنا». وأضاف: «عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية نجحت الجماعة فى إثبات وجودها بالشارع المصرى، وبرز دور الإخوان فى الحركة الوطنية، ومن هنا أراد أعداء الداخل والخارج اغتيال البنا كوسيلة لعرقلة الجماعة من الوصول إلى هدفها». وتابع: «فى 12 فبراير عام 1953وقف عبدالناصر أمام قبر البنا ومعه مجموعة من قيادات الثورة، فضلا عن عبدالقادر عودة وأنا وألقى خطبة طويلة، عقب الكلمة التى ألقاها محمد نجيب رئيس الجمهورية، وصف خلالها البنا بأنه شخصية مصرية عظيمة «وهو ما تكرر فى نفس اليوم من العام التالى، ولكن بعدها تجاهلت الثورة والأنظمة المتعاقبة إحياء تلك الذكرى، وهو ما اعتبره البنا الابن «اضطهادا لذكرى الوالد». وكشف البنا الابن أنه سيكشف خيوط تلك المؤامرة، التى لم تنته فقط باغتيال والده ولكن كان لها حلقات أخرى فى كتاب يعكف الآن على إعداده. أما الكاتب الصحفى صلاح عيسى الذى اطلع على أوراق القضية بشكل مفصل فيرى أن الترتيب للحادث تم فى القصر الملكى بالتعاون مع وزارة الداخلية وتواطؤ من حكومة السعديين، التى كانت تحكم فى هذه الأثناء، وأن من نفذ العملية هو الأميرالاى محمود عبدالمجيد رئيس المباحث الجنائية بالوزارة، حيث أمر ثلاثة من المخبرين ممن عملوا معه فى مباحث قنا بضرب البنا أمام مبنى جمعية الشبان المسلمين بشارع الملكة نازلى (رمسيس حاليا)، ويروى عيسى الساعات الأخيرة فى حياة البنا، هكذا «ذهب محمد الليثى الموظف بجمعية الشبان المسلمين إلى منزل حسن البنا، وطلب منه الحضور إلى مقر الجمعية الساعة 8 مساء، وذلك للقاء أحمد على باشا ممثل الحكومة فى التفاوض معه، وفى الموعد المحدد توجه بصحبة عبدالكريم منصور المحامى زوج شقيقته فوزية وانتظرا قدوم الباشا، الذى لم يأت فاصطحب منصور وخرجا من الجمعية، وطلب لهما البواب سيارة أجرة، ولاحظ عبدالكريم أن إضاءة الشارع غير عادية ونبه البنا إلا أنه طمأنه، ووقفت السيارة الأجرة، التى حملت أرقام 79799 أمامهم مباشرة، فصعدا فى هذا الوقت تحرك المخبران من أمام نادى الصحافة وبمجرد أن أدار السائق محرك السيارة فتحا الأبواب الخلفية وأطلقا رصاص مسدساتهما على البنا وزوج أخته، وتوجهت السيارة بالبنا ومنصور إلى الإسعاف، ومنها إلى قصر العينى، وهناك لقى البنا ربه فى تمام الحادية عشرة مساء». عيسى يؤكد أن التحقيق فى القضية استمر حتى قيام الثورة، مشيرا إلى محاولات للعبث استمرت حتى قيام الثورة، بعدها تم القبض على الجناة، وصدرت بحقهم أحكام بالمؤبد. واستبعد عيسى تدخل الولاياتالمتحدة فى حادث الاغتيال، لعدم وجود ما يشير إلى هذا الفرض. لكن عيسى يعتقد أن النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين أدى بشكل غير مباشر إلى قتل مؤسس الجماعة، وقال: «الأجهزة العسكرية السرية تشبه الخلايا السرطانية تتوالد ذاتيا، فالجهاز الذى تولى تأسيسه عبدالرحمن السندى، وظل رئيسا له حتى عام 1954 نما بشكل غير عادى، وهو ما أثار غروره فقام بعمليات دون الرجوع للمرشد العام»، ويضيف: «البنا كان خارق الذكاء فأدرك أنه يجب أن تكون جهة أخرى تملك القوة فى الجماعة فأنشأ قسما للعسكريين ضم فى بدايته (عبدالمنعم عبدالرءوف وجمال عبدالناصر وخالد محيى الدين)، وأنشأ مجموعة أخرى اسمها الوحدات بقيادة صلاح شادى ضابط شرطة حتى يحدث التوازن». ويؤكد عيسى أن السندى شق عصا الطاعة على البنا بعد شعوره بلعبة مراكز القوى الجديدة فقام باغتيال الخازندار دون علمه، وبسبب تلك القضية قرر تفجير مبنى محكمة باب الخلق حتى يدمر الأدلة، ثم قرر اغتيال النقراشى ردا على قرار حل الجماعة. كل هذه الحقائق تثبت أن الجهاز استقل عن البنا، وأصبح يمارس العنف لصالح العنف، وصار للجماعة مرشدان، واحد اسمه السندى والثانى البنا، ومن ثم فيمكن القول إن قتل النقراشى أعطى الذريعة للقصر والحكومة لاغتيال البنا، وبالتالى فإن القول بإن النظام الخاص قتل البنا بشكل غير مباشر صحيح حسب صلاح عيسى.