مياه المنوفية تستعرض الاجراءات اللازمة لضمان التداول الآمن للصرف الصحي    رغم تهديده للأمن القومي المصري..احتلال الجيش الصهيوني لمعبر رفح بضوء أخضر من السيسي    مانشستر يونايتد يعود للانتصارات بثلاثية أمام نيوكاسل    استعدادًا لمواجهة بيراميدز| الإسماعيلي يتعادل مع بور فؤاد وديًا    رسمياً.. السد القطري يعلن رحيل بغداد بونجاح بنهاية الموسم    تأجيل محاكمة 4 متهمين في حريق ستوديو الأهرام    هكذا هنأ احمد العوضي ياسمين عبد العزيز بإعلانها الجديد    ماجد خير الله: مقال طارق الشناوي «المال أم النفوذ أم الموهبة» يصلح لنقد تلك الفنانات    وزير التعليم العالي ينعى الدكتور هشام عرفات    «حياة كريمة» تضفي رونقا على قرى مركز ناصر ببني سويف    كيف تلاحق وزارة الكهرباء المخالفين وسارقي التيار بالمحاضر القانونية؟    مجلس عمداء كفر الشيخ يبحث استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الثاني    مرتكب الحادث رجل سبعيني.. تحليل لمحاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا    بعد رحيله.. مسيرة عطاء وزير النقل السابق هشام عرفات    جامعة كفر الشيخ تطلق قافلة طبية وبيطرية بقرى مطوبس    نصائح مهمة يجب اتباعها للتخلص من السوائل المحتبسة بالجسم    مستشفى الكلى والمسالك الجامعى بالمنيا.. صرح مصري بمواصفات عالمية    رئيس "رياضة النواب": نسعى لتحقيق مصالح الشباب حتي لا يكونوا فريسة للمتطرفين    أمين الفتوى يكشف عن طريقة تجد بها ساعة الاستجابة يوم الجمعة    21 ضحية و47 مصابا.. ما الحادث الذي تسبب في استقالة هشام عرفات وزير النقل السابق؟    ضبط عاطل بحوزته كمية من الحشيش في قنا    23 شركة مصرية تعمل بالمشروع.. وزير النقل: القطار الكهربائي يصل لمطروح    أمير عيد يكشف ل«الوطن» تفاصيل بطولته لمسلسل «دواعي السفر» (فيديو)    «أونروا»: نحو 600 ألف شخص فرّوا من رفح جنوبي غزة منذ تكثيف بدء العمليات الإسرائيلية    هل الحج بالتقسيط حلال؟.. «دار الإفتاء» توضح    أمين الفتوى يحسم الجدل حول سفر المرأة للحج بدون محرم    خالد الجندي: ربنا أمرنا بطاعة الوالدين فى كل الأحوال عدا الشرك بالله    المشدد 7 سنوات لمتهم بهتك عرض طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بكفر الشيخ    «جوزي الجديد أهو».. أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على ظهورها بفستان زفاف (تفاصيل)    «الشعب الجمهوري» يهنئ «القاهرة الإخبارية» لفوزها بجائزة التميز الإعلامي العربي    يكفلها الدستور ويضمنها القضاء.. الحقوق القانونية والجنائية لذوي الإعاقة    بتوجيهات الإمام الأكبر ..."رئيس المعاهد الأزهرية" يتفقد بيت شباب 15 مايو    محافظ مطروح: ندعم جهود نقابة الأطباء لتطوير منظومة الصحة    زياد السيسي يكشف كواليس تتويجه بذهبية الجائزة الكبرى لسلاح السيف    الطاهري: القضية الفلسطينية حاضرة في القمة العربية بعدما حصدت زخما بالأمم المتحدة    إصابة 4 مواطنين في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    وزير النقل: تشغيل مترو الخط الثالث بالكامل رسميا أمام الركاب    أحمد موسى: برلمان دول البحر المتوسط يسلم درع جائزة بطل السلام للرئيس السيسي    الزراعة: زيادة المساحات المخصصة لمحصول القطن ل130 ألف فدان    لسة حي.. نجاة طفل سقط من الدور ال11 بالإسكندرية    الحكومة توافق على ترميم مسجدي جوهر اللالا ومسجد قانيباي الرماح بالقاهرة    «تضامن النواب» توافق على موازنة مديريات التضامن الاجتماعي وتصدر 7 توصيات    يلا شوت.. مشاهدة مباراة مانشستر يونايتد ونيوكاسل في الدوري الانجليزي الممتاز 2024 دون تقطيع    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    تحديد نسبة لاستقدام الأطباء الأجانب.. أبرز تعديلات قانون المنشآت الصحية    صور.. كريم قاسم من كواليس تصوير "ولاد رزق 3"    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13238 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    بعد الصين.. بوتين يزور فيتنام قريبا    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    صباحك أوروبي.. كلوب يتمشى وحيداً.. غضب ليفاندوفسكي.. وصدمة لمنتخب إيطاليا    وزارة العمل: 945 فرصة عمل لمدرسين وممرضات فى 13 محافظة    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تُسلِم يديك للكسل!
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 03 - 2013

من المدونات التي أهرب إليها بإنتظام طلبا لنسمات هواء منعشة تساعد على تحمل الخنقة التي نعيشها: مدونة (قراءات) الرائعة التي لا يكف صاحبها الشاعر أحمد شافعي عن إدهاشي وإبهاجي بمختاراته اللئيمة ولغته البديعة، من أجمل ما نشره مؤخرا مقتطفات من كتاب «ذكريات عن تشيكوف» الذي يعد أكبر ترجمة توثيقية للأديب الروسي العظيم أنطون تشيكوف أعدها محرر الكتاب بيتر سيكرين بالإعتماد على مصادر أولية كالرسائل واليوميات والمقالات ومذكرات عائلة تشيخوف وأصحابه ومعاصريه. من شدة إستمتاعي بالمقتطفات تمنيت أن يتحمس ناشر عربي لشراء حقوق ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية، ويوكل مهمة ترجمته إلى أحمد شافعي ليتاح لعشاق تشيكوف الإقتراب أكثر منه إنسانيا وأدبيا، وهي مهمة يمكن أن تتحقق أيضا بقراءة سيرة رائعة لتشيكوف كتبها الناقد الفرنسي هنري ترويا وترجمتها حصة المنيف وأصدرها المجلس الأعلى للثقافة منذ سنوات طويلة ضمن إصدارات المشروع القومي للترجمة.

بسبب ضيق المساحة اخترت ثلاثة حكايات لطيفة عن تشيكوف أو تشيخوف كما يفضل أحمد شافعي ترجمته، الأولى بعنوان (نصائح الكتابة) كتبها الكاتب الروسي إيفان بونين الذي حصل على جائزة نوبل في الأدب سنة 1933 ويقول فيها «عرفت تشيخوف في موسكو في نهاية عام 1895، ولم أزل أتذكر عبارات قليلة قالها لي في ذلك اليوم. سألني «هل تكتب؟ هل تكتب كثيرا؟». قلت له «أنا في واقع الأمر، لا أكتب بكل تلك الكثرة». فتجهم وجهه وقال بصوت حزين غير معهود منه «أمر مؤسف. لا ينبغي أن تسلم يديك للكسل، ينبغي أن تكون دائما في حالة عمل. طوال حياتك». ثم أضاف شيئا ليست له علاقة واضحة بما سبق، قال «يبدو لي أنك عندما تكتب قصة قصيرة، يكون عليك أن تقتطع منها البداية والنهاية، فنحن معشر الكتاب نضع أكثر أكاذيبنا في هذين المكانين. عليك أن تكتب أقصر، أن تصل بكتابتك إلى أقصر مدى ممكن». وكان تشيخوف يقول لي أحيانا عن تولستوي «أنا معجب به إعجابا عظيما. وأكثر ما يعجبني فيه أنه يحتقرنا جميعا، يحتقر كل الكتاب. وربما الوصف الأدق هو أنه يتعامل معنا نحن الكتاب بوصفنا حيزا فارغا تماما. قد تعترض بأنه من حين لآخر يثني على موباسان أو كوبرين أو سيمينوف أو أنا. ولكن لماذا يثني علينا؟ الجواب بسيط: ذلك لأنه ينظر إلينا جميعا باعتبار أننا أطفال. قصصنا القصيرة، أو رواياتنا، كلها بالنسبة لأعماله لعب عيال. ولكن شكسبير ... بالنسبة له، السبب مختلف. شكسبير يثير ضيقه، لأنه كاتب راشد، ولأنه لا يكتب بالطريقة التي يكتب بها تولستوي».

الحكاية الثانية يرويها الروائي والمسرحي والمؤرخ الأدبي بيتر جينديتش الذي عرف الكثير من الكتاب الروس في العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين وترك كتابات كثيرة عنهم، ويقول فيها «كان ليو تولستوي يحب تشيخوف حبا حقيقيا، ولكنه لم يكن يحب مسرحياته. قال مرة لتشيخوف «على الكاتب المسرحي أن يأخذ القارئ من يده ويسير به في الاتجاه الذي ينبغي أن يسير فيه. أما شخصياتك فأين ينبغي أن أتابعها؟ إلى الكنبة الموجودة في غرفة المعيشة طبعا، وذلك لأنك لا تذكر أي مكان آخر لهذه الشخصية». وكان كلاهما أي تولستوي وتشيخوف يضحكان من هذه الكلمات. بعد ذلك قال لي تشيخوف «عندما أكتب مسرحية، وأريد أن تخرج إحدى شخصياتي من خشبة المسرح، أتذكر تلك الكلمات، وأسأل نفسي: إلى أين ستذهب هذه الشخصية؟ وأشعر بالبهجة والغضب». كان عزاء تشيخوف الوحيد هو أن تولستوي لم يكن يحب مسرحيات شكسبير. حكى لي تشيخوف قائلا «عارف، أنا زرت تولستوي مؤخرا في جاسبرا. كان طريح الفراش بسبب المرض. ومن جملة ما تكلم عنه أن تكلم عني وعن أعمالي. وأخيرا، ولما أوشكت أن أحييه وأنصرف، أمسك بيدي وقال «بل حَيِّني بقبلة». ولما انحنيت أقبله همس في أذني بصوت هَرِم وبشيطنة باقية 'عارف، أنا لا أحب مسرحياتك. شكسبير كان كاتبا رديئا، لكنني أرى أن مسرحياتك أنت أردأ من مسرحياته».

الحكاية الثالثة يرويها نيكولاي بانوف وهو رسام روسي، رسم في عام 1903 تخطيطا لبورتريه لتشيخوف، وكتب إنطباعاته عما رسمه وقدم البورتريه هدية لتشيخوف، وحكايته تقول «من فضلك تعال غدا، سأقضي اليوم أفكر في أعمالي القادمة، وأنت يمكنك أن ترسم لي البورتريه» هكذا قال لي. كان يوما حارا خانقا، والنوافذ كلها مفتوحة، وبرغم ذلك لم يتسلل أي أثر لنسمة، بل ولم يكن بالخارج أي أثر لريح. كان تشيخوف جالسا إلى المنضدة التي يكتب عليها، غارقا في أفكاره. شخصت إلى عينيه الأسيانتين المنهكتين محاولا أن أرسم تخطيطا سريعا لرأسه المائلة إلى الجنب. كان عقله مستغرقا في عمله، ولكن وجهه بدا متداعيا، وقسماته كما بدا لي كانت تذوب في الهواء. كانن في عموده الفقري انحناءة ما، وكان مظهره العام يوحي بأنه منهك أشد الإنهاك. كان قد نحف كثيرا، بل لقد كان الهزال قد تمكن منه. كانت جلسته، برأسه المائل، ووجه المنهك، وحركات يديه النحيفتين المتوترة، كانت جميعها توحي بأنه رجل يصغي إلى صوت داخلي، صوت ما لشخص قوي صحيح البدن أن يسمعه، فلقد كان المرض متوغلا فيه. صعب علي كثيرا النظر إلى قسمات شخص بلغ منه المرض ذلك المبلغ، ولكن الأمر كان لا يقدر بالثمن، لي ولروسيا كلها. سألني «هل ترى أي شيء جدير بالرسم؟». نظرت إلى وجهه الحزين وقلت «لا، لا يبدو أن ثمة ما يشبه الذي أريد أن أصوره. أنت تبدو حزينا كل الحزن، ومنهكا تماما». «فلتجعله هكذا إذن. من فضلك لا تُغَير أي شيء. الانطباع الأول دائما هو الأصدق».

ما أحوج عشاق الكتابة في هذه الأيام التي تسدّ النِّفس إلى تذكر نصيحة تشيكوف دائما وأبدا «لا تُسلم يديك للكسل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.