لا يمل منتجو السينما والموسيقى فى مصر من الصراخ مطالبين بمعاقبة لصوص الأغانى والأفلام عبر شبكة الإنترنت والذين تسببوا لهم فى خسائر تقدر بالملايين.. غير أن صراخهم عادة ما كان «يذهب مع الريح» فى ظل غياب آليات واضحة لمعاقبة لصوص الإنترنت.. وخلال الأسبوع الماضى أصدرت محكمة أمريكية حكما تاريخيا بتغريم سيدة 1.9 مليون دولار، بتهمة تحميل 24 أغنية من شبكة الإنترنت بشكل غير قانونى، وهو الحكم الذى اعتبره المنتجون المصريون بمثابة «خارطة طريق» لحماية صناعتهم من الخطر الذى يهددها مطالبين بحكم واحد مماثل فى مصر لردع هؤلاء اللصوص. الحكم الذى أصدرته المحكمة الأمريكية يمثل تهديدا لقراصنة الأغانى على الإنترنت الذين يحمّلون مواد موسيقية وسينمائية، دون سند قانونى، بل ويعد أول حكم فى الولاياتالمتحدة بهذه القسوة، فيما يتعلق بمسألة خرق حقوق الملكية الفكرية. بين الأغنيات التى «نزّلتها» السيدة الأمريكية أغنيات لفريق «نو داوت» و«لينكن بارك» و«جلوريا استيفان» و«شريل كرو»، وقررت المحكمة تغريم المرأة 80 ألف دولار عن كل أغنية، فى حين أن سعر شراء الأغنية لا يتجاوز 99 سنتا!. لا وجود لجرائم التحميل الحكم الأمريكى تزامن مع كشف الإدارة العامة لمباحث المصنفات وحماية الملكية الفكرية فى مصر أنها تمكنت من ضبط 8184 قضية اعتداء على الملكية الفكرية خلال الفترة من يناير وحتى نهاية مايو 2009، غير أنها جميعا لم تقترب من جريمة تحميل أغانى أو أفلام عبر الإنترنت. أشارت الإدارة إلى أنه تم ضبط 54 قضية كاسيت دينى و428 قضية كاسيت فنى فى مجال المصنفات السمعية، كما تم ضبط 11 قضية فى مجال الإخلال بالآداب العامة و124 مقهى عرضت 54 فيلم فيديو مخالفا فى مجال المصنفات السمعية البصرية، فضلا عن ضبط 2199 مقهى دش و1417 إعادة بث للفضائيات. المنتج نصر محروس لم يخف سعادته بالحكم الأمريكى، غير أنه استبعد أن يصدر حكم مماثل فى مصر، وقال: هذا الحكم ننظر اليه على أنه طرفة أو نكتة لأنه من المستحيل أن يصدر حكم مماثل فى مصر وإلا ستجد معظم الناس وأصحاب شركات الإنترنت محبوسين. وأضاف: نحن لا نهتم بمثل هذه الأمور فلدينا مشكلات أكبر بكثير من الملكية الفكرية التى نتعامل معها على أنها ترف، إلى جانب أن المحاكم فى مصر لديها قضايا أهم وأولويات أكثر إلحاحا من الملكية الفكرية. وأشار محروس إلى أن الأولويات يتم ترتيبها حسب المستفيدين ومنتجى الكاسيت فى مصر انقرضوا، وأصبحوا قلة تعد على الأصابع وبالتالى صوتهم لم يعد قادرا على توصيل شكاواهم أو مطالبهم بالالتزام بتطبيق القانون. ورفض نصر تحميل الجمهور المسئولية «لأنه يفتقد الوعى الذى يجعله يقاطع هذه المواقع، بالإضافة إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة تدفع الناس إلى اللجوء إلى المواقع التى تحمل الأغانى مجانا بدلا من شرائها حتى ولو كانت الأغنية متاحة بعشرين قرشا». شعور السعادة بالحكم لم يخفه أيضا الموسيقار حلمى بكر، وقال: لابد أن نستعد لدفع المليارات شئنا أم أبينا وهذا الحكم أعتقد أنه أمر طبيعى وقد تجد حكما مثله قريبا فى مصر لأننا مقبلون على تطبيق اتفاقية الجات وأهم عناصرها حقوق الملكية الفكرية وسندفع الغرامات رغما عنا لأنها قد تخصم من المعونة الأمريكية فى حال امتناعنا عن السداد. وأوضح بكر أن مصر فيها وضع فريد يختلف عن كل دول العالم، وهو أن مواقع الإنترنت تسرق الأغانى والناس تسرق من المواقع وبالتالى الجمهور يسرق من لصوص أيضا، والقانون الذى سيطبق خلال الفترة القادمة ستشرف على تطبيقه جهات وهيئات دولية، ولن نستطيع أن نمتنع عن تطبيقه وإلا سنتعرض للعقوبات. ودعا بكر إلى التعامل مع الحكم الأمريكى على أنه جرس إنذار وأن نبدأ من الآن فى ترتيب أوضاعنا قبل أن تحل علينا الكوارث. أما الموسيقار منير الوسيمى، نقيب الموسيقيين، فرأى فى الحكم تذكيرا بالفوضى التى نعيشها فى مصر وكيف أننا مقبلون على «أيام سوداء»، وقال إن كل ما يحدث فى الوسط الغنائى فيما يتعلق بإتاحة الأغانى على الإنترنت أو تحميلها هو نوع من السرقة وبالطبع هى جريمة مع سبق الإصرار والترصد والسبب الأساسى فيها أننا نفتقد إلى ثقافة احترام الملكية الفكرية رغم أن العالم كله يتجه حاليا إلى تطبيق هذه القوانين بالإجبار وليس بالاختيار. وأضاف، نقيب الموسيقيين،: نحن لا نشعر فى مصر بخطورة الأزمة وبمجرد أن ينتبه أصحاب الحقوق من المنتجين إلى حقوقهم ويلجأون إلى إقامة الدعاوى القضائية سيستفيق الجمهور ولكن للأسف المنتجين أصحاب الحقوق هم الذين يفرطون فى حقوقهم. التعاقد مع شركات عالمية النار التى تحرق منتجى الكاسيت، تكوى أيضا منتجى السينما، فالاثنان فى الخسارة سواء، غير أن بعض منتجى السينما نجحوا فى إيجاد حلول بديلة لملاحقة لصوص الأفلام عبر الإنترنت بالتعاقد مع شركات عالمية بمنحها حق عرض إنتاجهم السينمائى، وبالتالى تقع عليه مهمة ملاحقة لصوص الإنترنت باعتبارها المتضرر الأكبر من تلك القرصنة. عادل أديب المخرج والمدير الفنى بشركة جودنيوز رأى فى الخطوة السابقة حلا مهما لمواجهة القرصنة الإلكترونية التى تمارسها بعض مواقع الإنترنت الأمر الذى يعرض شركات الإنتاج لخسائر كبيرة فى ظل ارتفاع تكلفة الإنتاج والحاجة إلى تحقيق النجاح الجماهيرى الذى يعيد ما تم إنفاقه. يقول أديب إن «جود نيوز» بالفعل تعاقدت مع شركة «I tuons» العالمية ومنحتها حق عرض الإنتاج الفنى لها عبر الإنترنت، وبالتالى فإن الشركة العالمية لها الحق الكامل فى ملاحقة لصوص الإنترنت قضائيا والحصول على التعويض المناسب. أما المنتج والموزع جابى خورى، فأعرب عن سعادته بحكم المحكمة الأمريكية، ولم يخف تطلعه لأن يصدر فى مصر حكم مماثل ليكون بمثابة الإنذار القوى لمن يفكر فى السطو على الإنتاج الفنى، مشيرا إلى أن الحكم الأمريكى قد يحرك المياه الراكدة فى مصر حيث نعانى من عدم الاهتمام بحقوق الملكية الفكرية. وأكد خورى أن سرقة الأفلام وصلت إلى مرحلة غاية فى الخطورة خاصة أن التسريب لم يعد يقع بعد بقاء الفيلم داخل دور العرض بعض الوقت، وإنما باتت الأفلام تتسرب بمجرد نزولها دور السينما وهو ما يمثل كارثة حقيقية على المنتجين والفنانين أيضا. أيام السادات وإذا كان العديد من المنتجين يشكون غياب النصوص القانونية التى تحمى حقوقهم، فضلا عن عدم وجود الآلية الواضحة للتعامل مع لصوص الإنترنت، فإن المستشار محمد الألفى، رئيس محكمة طنطا ورئيس الجمعية المصرية لمكافحة جرائم الإنترنت يفجر مفاجأة كاشفا عن وجود نصوص قانونية قوية بالتشريع المصرى تصل إلى الحبس فى بعض الأحيان، واتهم المنتجين بالتخاذل فى الدفاع عن حقوقهم. وأشار الألفى إلى أن الفنان الراحل أحمد زكى كان له السبق فى التعامل مع مثل تلك القضايا، حيث تقدم ببلاغ ضد العديد من الجهات بعد سرقة فيلم «أيام السادات» من على شبكة الإنترنت وتم عرضه بالكافتيريات والمقاهى بالتزامن مع عرضه فى دور السينما الأمر الذى كان سببا فى خسارة مبالغ طائلة. وأضاف أن زكى نجح بالفعل فى الحصول على تعويض لا أذكر قيمته إزاء الضرر البالغ الذى تعرض له، مشيرا إلى أن ذلك الحكم كان يمكن للمنتجين اعتباره سندا قانونيا والاستشهاد به فى مثل تلك الدعاوى لكن للأسف هذا لا يحدث، حيث ما زلنا نفتقد ثقافة التعامل فى مثل تلك القضايا. وأوضح رئيس الجمعية المصرية لمكافحة جرائم الإنترنت أن المحاكم الاقتصادية التى أنشئت حديثا معنية بالنظر فى مثل تلك القضايا، ومن الممكن للمنتجين الاستفادة منها للحد من سطوة لصوص الأغانى والأفلام.