أعلن طارق الهاشمى نائب رئيس جمهورية العراق التخلى طواعية عن موقعة الحزبى كرئيس ل«الحزب الإسلامى العراقى» الذى يعد القبلة السياسية لغالبية العرب السُّنة فى العراق. وهى خطوة اعتبرها الكثيرون أنها تعبير صريح عن طبيعة المرحلة الراهنة فى «عراق اليوم» الذى يشهد موجة من الحراك السياسى. وتنتظر الساحة العراقية خلال الأشهر المقبلة خطوتين رئيسيتين، الأولى تبدأ بانسحاب القوات الامريكية، والثانية تأتى مع الإعداد لانتخابات ربيع العام المقبل. «الهاشمى» تحدث إلى «الشروق» عن رؤيته لمجمل المشهد العراقى. وبدأ بشرح أسباب استقالته من قيادة «الحزب الإسلامى»، والتى أرجعها إلى وجود أسباب تتعلق باللائحة الداخلية للحزب من جهة، وزيادة أعبائه السياسية من جهة أخرى. ويرى مراقبون أن ما قام به الهاشمى يرجع فى الأساس إلى رغبته فى تعديل واجهته الأيديولوجية قبيل استحقاق انتخابى قادم، وهو أمر قام به غيره من الساسة العراقيين فى الأسابيع الأخيرة. وفى ضوء هذا النوع من تعديل المواقف والمواقع السياسية تشهد الساحة العراقية تساؤلات حول مصير ومستقبل الأحزاب الدينية. وقد أخذت فئات الشعب العراقى بصورة تدريجية تلفظ الانضواء تحت لواء العرق والمذهب فقط دون غيره. لكن الهاشمى يرى أن تلك الأحزاب الدينية لم تستنفد بعد أسباب بقائها حتى وإن كانت فى حاجة لإعادة صياغة سياسية..ويقول: «بداية أنا لا أعلم المعيار الذى بموجبه يصنف هذا الحزب أو ذاك بأنه دينى، ربما كان منهج الحزب، أو برنامجه، أو قائمته الانتخابية ، أما مجرد الاسم الذى يعتمده الحزب فهو وحده لا يكفى، وإلا كان علينا اعتبار الأحزاب الديمقراطية المسيحية فى أوروبا الغربية أنها أحزاب دينية وهى ليست كذلك بالطبع، صحيح أن قائمة جبهة التوافق اعتبرت أنها تمثل العرب السُّنة، وقائمة الائتلاف العراقى الموحد اعتبرت أنها تمثل العرب الشيعة، ولكن هؤلاء فى الواقع هم جمهور الناخبين، ولا ينبغى اعتبارهم بمثابة هوية لهذه القوائم، فمكونات هذه القوائم من الأحزاب والكيانات السياسية لاتزال متقدمة فى انتخابات مجالس المحافظات». ويقول الهاشمى إن حزبه يعد نموذجا للأحزاب التى لها قاعدة دينية لا تستثنى الحراك السياسى. ويدلل على ذلك بالقول إنه باستثناء محافظة نينوى فإن الحزب حصل على ثقة أعداد لا بأس بها من الناخبين. غير أن الهاشمى لا ينفى أن لديه أسبابا عديدة للقلق على مستقبل العراق بل وربما حاضره فى ظل التطورات الساسية الجارية المتمثلة فى تحولات سياسية مقترنة بأجواء من العنف. وقال «إن هناك قلقا حقيقيا على العراق اليوم». وحسب الهاشمى؛ فإن المخرج من المأزق الراهن يكمن فى «تعديل الدستور» بما يسمح بدور أكثر لمؤسسات الدولة المختلفة. ويضيف أن الأمر « لم يعد ترفا وإنما يمثل استجابة لحاجة حقيقية فى تجنيب شعبنا تكرار معاناة الدكتاتورية والتدخل الدولى». وحول أحوال العراق الأمنية مع قرب انسحاب القوات الامريكية، قال الهاشمى إن «الأداء القتالى للقوات المسلحة العراقية تطور، كما أن الجاهزية القتالية تحسنت».. ويضيف أنه: «مازال أمام استكمال المعايير الكمية والنوعية فى أدائنا الأمنى طريق طويل، وآمل فى أن ينتهى العراق من بناء قدراته الدفاعية القتالية واللوجستية قبل نهاية عام 2011 ، حتى لا تكون هناك ذريعة للمطالبة ببقاء القوات الأجنبية على خلفية عدم جاهزية القوات المسلحة العراقية. ويعتبر الهاشمى أن «الفراغ الأمنى الذى سيحدث بسبب انسحاب القوات الامريكية يجب أن تملأه القوات المسلحة الوطنية المدعومة شعبيا». فى الوقت نفسه، يشدد الهاشمى على أن دعم الأمن يتطلب بالضرورة «بلورة مشروع مصالحة متكامل متفق عليه وطنيا، يتجاوز ما نراه اليوم من إجراءات وانشطة وفاعليات لا تفرز نتائج ملموسة ذات مغزى» على مجمل الواقع السياسى فى العراق الذى مازال رهينة لخلافات كبيرة. ويرى الهاشمى أن هناك حاجة لمراجعة شاملة لجهود المصالحة السياسية «ربما من خلال مجلس النواب». ويقول إن «العملية السياسية فى أزمة، والعلاقات بين الأحزاب والكيانات السياسية بحاجة إلى ترشيد وتطوير». وفيما يتعلق بقضية «كركوك» اعتبر الهاشمى أن الخلاف حول مصير المدينة مازال عصيا على الحل. وقال إن هذه المشكلة «ربما تنطوى على مضامين خطيرة»، خاصة فيما يتعلق بدور القوات العراقية، وتلك غير النظامية التى تتبع كيانات سياسية بعينها ليست على وفاق تام مع الحكومة المركزية فى بغداد. فى الوقت نفسه، قلل الهاشمى من شأن الصخب الدائر حول توتر جديد فى العلاقات بين الكويت والعراق، واعتبر أن تبادل الاتهامات الدائر حاليا حول قضية تعويضات يطالب العراق بتخفيضها لصالح الكويت، وأخرى حول رفض الكويت الاعتراف بأن للعراق حقا فى المطالبة بها هو «سحابة صيف لن يؤثر سلبا على العلاقات الثنائية بين بلدين شقيقين جارين تجمعهما مصالح استراتيجية مشتركة». وقال «ما حصل يضر بمصالح البلدين ، ولا بد من تطويق الأزمة وتشكيل لجنة مشتركة لمراجعة الملفات العالقة، والاتفاق على خارطة طريق تحدد المهام والآليات والتوقيتات لمتابعتها بما يحترم المصالح المشتركة». وقال الهاشمى إن هناك حاجة لمراجعة هادئة للعلاقات الثنائية، مشيرا إلى «أن من حق الكويتيين على العراق أن يشعرهم بأنه يتصرف بطريقة تزيل عنهم المخاوف والقلق المشروع، كما أن من حق العراقيين على الكويت أن يجدوه الأحرص عربيا على مساعدتهم فى تخفيف معاناتهم وتحسين ظروف حياتهم، بل وفى استعادة وضعهم الطبيعى، إقليميا ودوليا مع ضرورة التفريق بين الشعب العراقى وسياسات النظام السابق». كما حذر الهاشمى من خطورة التصعيد الإعلامى لقضايا من هذا النوع.