«لا أعتقد أن هناك اختلاف كبير فى الرؤية الاقتصادية لصندوق النقد، فهو على سبيل المثال أظهر فى محادثاته مع مصر بعد الثورة تقبله لفرض ضرائب تصاعدية على الأكثر ثراء، ولكن فى المقابل يلح على تطوير نظام الضرائب على المبيعات، التى يتحمل تكلفتها المستهلك، أى أن ما سيأخذه الفقراء من ضريبة الدخل بأيد ستأخذه الضرائب غير المباشرة منهم باليد الأخرى.. كما يعلق آدم هنية، المحاضر فى سياسات التنمية بجامعة لندن، على المفاوضات المتوقعة بين مصر وصندوق النقد الدولى خلال الشهر القادم، بعد أن تقدمت مصر بطلب رسمى للصندوق الأسبوع الماضى للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار. وكانت راتنا ساهاى، نائب المدير الاقليمى لصندوق النقد الدولى، قد أبدت ترحيبا باتجاه حكومة عصام شرف فى العام الماضى لرفع نسبة ضريبة الدخل إلى 25% على الدخول التى تزيد على 10 ملايين جنيه، واعتبرتها خطوة فى طريق العدالة الاجتماعية، فيما أكد وزير المالية الحالى، ممتاز السعيد، أن اصلاح نظام الضرائب على المبيعات والتحول إلى ضريبة القيمة المضافة، الذى سيوسع شرائح الخدمات الخاضعة لتلك الضريبة، ضمن البرنامج الاقتصادى المصرى الذى ستتفاوض عليه الحكومة مع الصندوق.
ويعتبر هنية أن صندوق النقد الدولى يتبنى فلسفة اقتصادية سيكون لها انعكاسات سلبية على الطبقات الأفقر فى مصر، حيث عبر الصندوق عن تلك الرؤية فى تقرير له فى اجتماع قمة الثمانية فى العام الماضى، بأن تحقيق النمو المستدام يتطلب استثمارات إضافية وتحسين البنية الأساسية وأن الدور الرئيسى فى هذا المجال للقطاع الخاص، كما يقول هنية موضحا أن «المؤسسات الدولية المانحة ستسعى فى الفترة القادمة لتشجيع مصر على التوسع فى الخصخصة، ولكن الخصخصة هذه المرة ستتوسع إلى مجال الخدمات العامة بما يعرف بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهو الاتجاه الذى تسبب فى تجارب دولية سابقة فى رفع تكاليف تلك الخدمات على المستهلكين».
ويرى بعض الخبراء أن صندوق النقد أظهر تغييرات واضحة فى فلسفته الاقتصادية، حيث أبدى تقبلا فى المفاوضات الأولى مع الحكومة المصرية، عقب الإطاحة بمبارك، بمعدلات عجز فى الموازنة العامة، بلغت نحو 10% من الناتج الاجمالى، دون أن يشترط إجراءات تقشفية مؤلمة. «بالرغم من أن القرض يمثل مرحلة جديدة من العلاقات بين مصر والصندوق منذ تجربة اعادة الهيكلة فى التسعينيات، إلا أن عقلية الصندوق لم تختلف كثيرا عن تلك الفترة الماضية، فأولوياته تدور حول فتح الأسواق للاستثمارات الأجنبية وتخفيض الإنفاق الحكومى لضبط عجز الموازنة، ولا يضع احتياجات الناس فى حسبانه» برأى هنية الذى يشير إلى أن موجة الاحتجاجات العمالية بعد الثورة أحد أسبابها كان سياسات خصخصة القطاع العام فى التسعينيات التى جاء تطبيقها بدفع من الصندوق، متوقعا أنه «لو استمرت مصر فى هذا الاتجاه التحررى دون مراعاة الانعكاسات الاجتماعية سيزداد الوضع اضطرابا».
وكان مدير الصندوق السابق قد اعترف، عقب قيام الثورة المصرية، بأن النمو الاقتصادى فى مصر «شابته مشكلات عدم العدالة»، إلا أن هنية يشك فى مدى مصداقية تلك التصريحات قائلا «أعتقد أن الصندوق عاد لمصر بعد الثورة لكى يحافظ على السياسات السابقة التى كان سعيدا بها جدا، والتى يستطيع أن يفرضها مجددا من خلال شروط القروض التى يمنحها».
وبحسب دراسة لهنية عن علاقة مصر بالمؤسسات الدولية المانحة بعد الثورة، عنوانها المساعدات الدولية والاندفاع إلى طريق إعادة الهيكلة، فإن السياسة المصرية تسير فى مسار «دول ما بعد توافق واشنطن»، حيث يعبر توافق واشنطن عن السياسات النيوليبرالية المتطرفة التى تم الترويج لها بقوة فى مطلع التسعينيات وطبقتها نظم سلطوية بقوة القمع، كنظام مبارك، بينما يقوم نموذج ما بعد توافق واشنطن فى مصر على منظومة سياسية «يعلو فيها خطاب ليبرالى متعاطف مع الفقراء ومرتبط بالديمقراطية، ولكن هدفه تعميق الاتجاه النيوليبرالى لحقبة مبارك». وبحسب الدراسة فإن اتجاه الحكومات السابقة للتوسع فى الاقتراض تسبب فى انعكاسات سلبية على الاقتصاد، حيث بلغ الفرق بين القروض التى تلقتها مصر وبين مدفوعات الدين فيما يخص الدين طويل الأجل، نحو 3.4 مليار دولار بين عامى 2000 و2009»، وبمعنى آخر، فإنه «على عكس الاعتقاد الشائع، زادت الأموال التى تدفقت من مصر إلى الدائنين الغربيين عن الأموال التى وردت إليها».