تفاصيل لقاء رئيس مجلس الشيوخ ومفتي كازاخستان    بالشروط.. فتح باب التقديم بالمدارس الرياضية للعام الدراسي 2025/2024    قبل التغيير الوزاري، سويلم يقدم كشف حساب لوزارة الري على هامش المؤتمر الدولي للمناخ والبيئة    عميد تجارة عين شمس: التعاون الثقافي والعلمي مع الجامعات الفرنسية مهم للجانبين    ارتفاع سعر الدولار اليوم الخميس.. ويسجل 47.70 جنيه بالمركزي    استقرار أسعار الذهب في مصر اليوم الخميس 6 يونيو 2024    وزير التعليم العالي يشهد اجتماع المجلس المصري الأمريكي المُشترك للعلوم والتكنولوجيا    وزير التعليم العالي يشهد اجتماع المجلس المصري- الأمريكي المُشترك للعلوم والتكنولوجيا    البورصة تتراجع مع بداية تعاملات اليوم الخميس    المجر تعلن عدم مشاركتها في عمليات الناتو ضد روسيا    خبير فلسطينى: كل ما يتم بالغرف المغلقة يتملص منه نتنياهو ويضع العراقيل أمامه    جانتس يطالب بالاستعداد لقتال يمكن أن يصل للحرب مع حزب الله    سلوفينيا أحدث دولة تعترف باستقلالية فلسطين.. وخبراء الأمم المتحدة يحثون الجميع على فعل نفس الشيء    الناخبون الهولنديون يبدأون انتخابات البرلمان الأوروبي وسط حالة من عدم اليقين    خريطة دخول الجماهير لحضور مباراة مصر وبوركينا فاسو وموعد فتح بوابات استاد القاهرة    نادر السيد: الشناوي يستحق حراسة مرمى المنتخب أمام بوركينا فاسو    تعليق مثير من شوبير عن محمد أبو تريكة وشيكابالا.. ماذا قال؟    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بطريق "بنها - شبرا" الحر    تحرير 1265 مخالفة عدم تركيب الملصق الإلكتروني ورفع 40 سيارة ودراجة نارية متروكة    السعودية تتحرى هلال ذي الحجة اليوم وتعلن موعد عيد الأضحى    ضبط المتهم بإلقاء مادة كاوية على طليقته لرفضها الرجوع إليه في الجيزة    ليلة بكت فيها سميحة أيوب.. الأوبرا تكرم سيدة المسرح العربي (بالصور)    رئيس الرعاية الصحية يبحث التعاون مع وزير صحة زيمبابوي في مجال السياحة العلاجية    أحمد الدبيكي: إتفاقية دولية مرتقبة لحماية العاملين في التخصصات الخطرة    اليونيسف: 9 من بين كل 10 أطفال بغزة يفتقرون للغذاء اللازم للنمو السليم    منتخب السعودية يفقد تمبكتي أمام باكستان فى تصفيات كأس العالم 2026    تشكيل لجنة مجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلى التنموي لمدة 4 سنوات    عاجل:- إعلان نتيجة الصف الثالث الإعدادي بمحافظة القليوبية للترم الثاني 2024    اليوم ختام امتحانات الدبلومات الفنية فى شمال سيناء    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وسيارة ملاكي بشبرا بنها الحر    تفاصيل الحالة المرورية اليوم.. كثافات في شوارع القاهرة والجيزة    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ مشروعات الطرق والمحاور بالقاهرة الجديدة    أكرم القصاص: طلبات المصريين من الحكومة بسيطة والفترة الماضية شهدت انخفاضا فى الأسعار    خالد النبوي يبدأ تصوير مسلسل حالة إنكار.. تعرف على تفاصيله كاملة    تداول 12 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    اعرف المدة المناسبة لتشغيل الثلاجة بعد تنظيفها.. «عشان المحرك ميتحرقش»    جامعة الأقصر تنفذ قافلة طبية مجانية في الساحة الرضوانية بقرية البغدادي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 6-6-2024    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    531 ألف جنيه، إجمالي إيرادات فيلم تاني تاني    نجم الإسماعيلي: تلقيت عروضًا من الأهلي والزمالك.. وهذا قراري    ناقد رياضي: قلق من كثرة الزيارات لمعسكر منتخب مصر وتوقعات بخطة جديدة أمام بوركينا    رجل الأعمال باسل سماقية يحتفل بخطبة ابنته (صور)    لماذا اخفى الله قبور الأنبياء إلا قبر سيدنا محمد؟ أمين الفتوى يجيب    الأزهر للفتوى: الاجتهاد في السعي على طلب الرزق في الحر الشديد له ثواب عظيم    بوسي تستعرض جمالها في أحدث ظهور لها والجمهور يعلق (صور)    إبراهيم عيسى: تكرار الأخطاء جريمة بحق التاريخ.. لم نتعلم من الأحداث    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    واجبات الحج الأربعة.. معلومات وأحكام شرعية مهمة يوضحها علي جمعة    مصادر: خطة لرفع أسعار الأدوية بنسبة 30%    مهرجان جمعية الفيلم يعرض فيلم «شماريخ» تحت شعار «تحيا المقاومة لتحيا فلسطين» (تفاصيل)    هشام نصر يكشف مفاجأة: الزمالك لم يتم التعاقد مع محترف فريق الطائرة حتى الآن    البابا تواضروس يروى كواليس اجتماعه في وزارة الدفاع يوم 3 يوليو    تنسيق الثانوية العامة محافظة الشرقية 2024-2025 بعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية (التوقعات)    حظك اليوم برج الأسد الخميس 6-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عيد الأضحى 2024.. الشروط الواجب توافرها عند الذبح    البابا تواضروس: أخبرت نائب محمد مرسي عن أهمية ثقة المواطن في المسئول فصمت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



15 أيار 2012 .. نقاط على حروف الذكرى
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 05 - 2012

تستحق الذكرى الرابعة والستون لاحتلال فلسطين وقفة تفكير فى زمن الثورات لوضع بعض النقاط على الحروف. ولو تم الامر بالتنقيط السريع.

أولا: لقد انتهى ما يسمّى «عملية السلام» العربية الاسرائيلية بانهيار اتفاق أوسلو والاستعصاء على الجبهة السورية اللبنانية. عاش اتفاق أوسلو فى الوقت المستقطع بين نهاية الحرب الباردة وإعلان «الحرب الكونية على الارهاب». قام الاتفاق أصلا على إيثار منح القيادة الفلسطينية سلطة بدلا من منح الشعب الفلسطينى حقه فى تقرير المصير. وتم الارتداد الاسرائيلى عليه مع تولى نتنياهو الحكم وتأجيل الانسحابات والتعجيل فى عجلة الاستيطان المستمرة والمتصاعدة. وفيما أمل الطرف الفلسطينى بدولة لقاء وقف الانتفاضة، تصوّر الطرف الاسرائيلى ان الوظيفة الرئيسة للسلطة الفلسطينية هى حماية أمن إسرائيل. وحماية أمن إسرائيل كانت ولا تزال هى المشروع الوحيد الذى تملكه إسرائيل، مدعوما بالولايات المتحدة، فلسطينيا وعربيا وإقليميا.

ثانيا: لم يكتفِ اتفاق أوسلو بتكريس الحل الثنائى الفلسطينى الاسرائيلى، على غرار اتفاقيتى كامب ديفيد ووادى عربة، وفصله عن النزاع العربى الاسرائيلى بعامة. شرّع لكل أشكال التملّص والتطبيع والتواطؤ والتخلى العربية الرسمية من هذا النزاع بحجة عدم المزايدة على أصحاب القضية أنفسهم.

ثالثا: أفضت خطة تسليم الولايات المتحدة «كل الاوراق» على اعتبارها الطرف الوحيد القادر على فرض التنازلات على إسرائيل لإيجاد حل عادل للنزاع العربى الاسرائيلى، الى النتيجة المتوقعة: استحوذت أمريكا على كل «الأوراق»، عنوة أو طوعا، حتى أنها قضت على ادعاء أنها «الوسيط النزيه» عندما تبيّن للفلسطينيين انهم يفاوضون عمليا محورا أمريكيا إسرائيليا مشتركا. وبدلا من ان يكون هذا منعطفا يستوجب التخلى عن الخطة والضغط بالاتجاه المعاكس على الولايات المتحدة، اتجه الضغط فى اتجاه مغاير، وصار السائد عربيا، على الصعيد الرسمى أقلا، استعجال الخلاص من القضية الفلسطينية من أجل الانتهاء من آخر نقطة خلاف مع الولايات المتحدة.

رابعا: اتضح مدى الخطل الاصلى فى معادلة الارض «مقابل السلام» عندما تكشّف أن لا إسرائيل تحتاج الى السلام بل أخطر ما يتهدد وجودها هو إقامة علاقات طبيعية مع محيطها ولا العرب قادرون على منحها السلام. فمن يهب السلام هو من يستطيع ان يصنع الحرب أو أن ينتصر فيها. هكذا انتهت صلاحية «مبادرة السلام العربية» التى صاغها ملك العربية السعودية وتباهى صحفى امريكى سطحى ودجّال انه أوحى بها وشارك فى صياغتها: الانسحاب من كل الاراضى المحتلة عام 1967 مقابل كل السلام، الاعتراف والتطبيع الكاملين.

خامسا: لا تملك إسرائيل مشروعا للاستسلام. لمحمود درويش قول مأثور فى هذا الموضوع. كان يقول متحدّيا: أرونى أين هو مشروع الاستسلام الاسرائيلى لأوقّعه. ما تملكه إسرائيل مشروعا لفرض الامر الواقع الزاحف من اجل المزيد من الاحتلال الاستيطانى، والتوسع، والتهويد للجليل والنقب، والسعى لتحويل العداء لها الى عداء لايران، والتمسك باحتكار السلاح النووى، والاهتمام بنوع خاص من التقارب مع أنظمة النفط الاستبدادية والسعى لامتصاص ما تستطيعه من سيولتها.

سادسا: النكبة الكبرى التى تحل بقضية فلسطين وبالنزاع العربى الاسرائيلى هى الآن معيشة فى إلحاح حاضر يُمنى نفسه بغد ألفى خرافى: حسم عسكرى يأتى بين ليلة وضحاها. ولعل أبرز سؤال جدير بالتفكّر فيه هنا هو كيف الخروج من نفق «الآن الآن وليس غدا!» ليصير «الآن» طريقا يؤدى الى غد بدلا من انتظار لفرج يأتى من الغيب.

سابعا: دلّت تجربة العقود الاخيرة، لمن لا يزال يتوهم، ان الديكتاتوريات وأنظمة الاستبداد السلالية العربية قوية فقط ضد شعوبها، تهدّد بتفكيك وحدة تلك الشعوب خلال انهيارها او لتمسكها الدموى بالسلطة. وعكسا، فالقوى التى دمّرت العراق وليبيا أنظمة ديمقراطية، وأقواها أنظمة فيدرالية فوق ذلك.

ثامنا: وهو بيت القصيد، حملت الانتفاضات دلالات جديدة متباينة لقضية فلسطين والنزاع العربى الاسرائيلى.

●●●

فقد كشفت على الملأ مدى البون الذى أحدثته اتفاقية أوسلو والحلول الثنائية بين القضية الفلسطينية ومصالح وقضايا فئات واسعة من الجماهير العربية. يظهر الامر مجسّما اذا ما نظر اليه من منظار التعارض الذى درجت عليه اوساط عدة بين داخل وخارج. فكيف يعاد الوصل بين داخل أطلق حممه البركانية وبين ما يبدو انه خارج راكد؟

لعل أولى الخطوات هى تحرير فلسطين من بعض الاوهام. ومنها وهم الاجماع وملحقه، الفَزْعة البدوية. كم مرة أكدت التجارب القريبة والبعيدة ان الطريق الى فلسطين، وأى حلّ بصددها، تتوسطه أنماط الانظمة العربية القائمة ونوعية ارتباطها بالقوى الغربية وطبيعة توازن القوى القائم بين الدول العربية واسرائيل. وثمة وهم فلسطين «الرافعة» التى سوف تثوّر الشعوب العربية وتنوب عنها فى تحريرها. وهو الوهم الذى يرى فى كل سلاح معادلا للتغيير إن لم نقل للثورة.

ببساطة: فلسطين بما هى قضية حق تقرير المصير للشعب الفلسطينى الذى هو آخر الشعوب المستعمَرة على هذه الكرة الارضية والذى يواجه المنظومة الامبريالية كلها ورأس حربتها فى المنطقة هى التى تحتاج الى روافع عربية واقليمية ودولية لتصمد فى مقاوماتها قبل ان نتحدث عن أى تعديل لموازين القوى بينها وبين اسرائيل، وليس العكس.

وليست فلسطين «جوهر» القضية العربية، لأن هذه الجوهرية تترجم أغلب الاحيان بالاخترال. وكل اختزال يعنى استخدام فلسطين للتغطية على الوجوه الاخرى من منظومات الاستتباع والاستغلال الغربيين وأنظمة الاستبداد المحلية. ولا فلسطين بوصلة. اللهم الا اذا تصورنا ان البوصلة انما تؤشر الى ان تحرير الشعوب العربية من التبعية والاستبداد هو العملية التى تقود الى فلسطين.

لا حرج فى القول ان الحاجة ملحة لاعادة الاعتبار للسياسة وللمخيلة السياسية.

هذا يعنى التحرر من الوحدانية العسكرية فى التعاطى فى النزاع العربى الاسرائيلى. ان الاختلال الكبير فى موازين القوى بين شعوب المنطقة واسرائيل يمكن تعديله على مستويات ليست تستثنى المقاومات المسلحة ولكنها لا يحق لها أن تنسى ان المعيار الاخير هو توازن القوى العسكرى والاستراتيجى بين الدولة الصهيونية وبين مجموع الشعوب العربية او قل الدول المجاورة لفلسطين المحتلة فى اقل تقدير. وهنا لا يجوز الخلط بين دفاع وهجوم، او بين مقاومة وتحرير.

أضف الى هذا كله ان منطق «الآن الآن وليس غدا!» شكل العذر الكبير لاحتقار السياسة ورفض التفاوض بالمطلق. فى حين ان السؤال هو التفاوض من اى موقع قوة؟ واعتماد الوسائل السياسية من اجل تحقيق اية اهداف؟ ولنقل ان هدفا يستحق العمل من اجله، فى ظل الثورات الراهنة، هو حشد القوى والنضال بالضغط الشعبى من اجل وصل النضال الفلسطينى والصراع العربى الاسرائيلى مع النضال على امتداد المنطقة العربية من اجل العمل والحرية والخبز. ليس من حلول سحرية هنا ولكن الاكيد ان هذا السعى يفترض التخلى عن وهم التناقض بين المهمات والاهداف واستكشاف مدى تداخلها وخدمة الواحدة منها للاخرى.

●●●

ليس من جواب على السؤال التقليدى: ما العمل؟ ثمة أجوبة، مطلعها اطلاق المخيلة بقدر ما أطلقت فى الثورات لابتكار وسائل واشكال نضالية جديدة وملبية لقراءة متأنية للظروف الراهنة.

فما الذى يمنع الضغط من اجل انطلاقة حملة عربية، رسمية وشعبية، تحت شعار شرق أوسط متحرر من السلاح النووى؟ او حملة مماثلة للمطالبة بنزع سلاح المستوطنين اليهود الاسرائيليين بما هم يشكلون تهديدا للامن الوطنى الفلسطينى وللامن القومى العربى والاقليمى لدول المنطقة وشعوبها؟ وما الذى يمنع مطاردة كافة أشكال التطبيع عربيا، من أقاصى اليمن الى ذرى كردستان العراق مرورا بكل الدول النفطية واحدة بعد اخرى؟ هذا درءا لفضيحة من يريد من الاجانب ان يحققوا مهمات اكثر تطرفا او شمولية مما هو مستعد لتحقيقها.

وإعادة الاعتبار للسياسة تعنى ايضا اللجوء الى قوة السلب والى الجرأة والمغامرة. وهذا درس آخر من دروس الثورات. ماذا لو أعلنت السلطة الوطنية الفلسطينية وحماس، معاً ومن طرف واحد، تعليق المفاوضات مع السلطات الاسرائيلية؟ بل ما الذى يحول فعلا دون إطلاق حملة تطالب بتعليق مبادرة السلام العربية، بعد ان اغتالتها اسرائيل ومثّلت بجثتها مرارا؟

من جهة اخرى، لقد ألهمت فلسطين جيلين اقلا من الشباب العربى الثائر لينتفض فى أرضه ومن اجل قضايا واهداف شعبه. لم يبق لها الآن الا ان تستعيد من يد الشباب العربى ما قد أودعته اياه.

ليست الانتفاضة الفلسطينية الثالثة وهماً من الاوهام بقدر ما هى ضرورة وطنية ملحّة. انها شرط الامكان لاعادة توحيد الشعب الفلسطينى والاستعداد لقلب المعادلات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.