«..أى إنسان ثورى لا يمكن إلا أن يؤمن بالعقل التوليدى القادر على تجاوز الواقع المادى القائم»، هكذا كان ينظر المفكر الراحل، الدكتور عبدالوهاب المسيرى إلى الثائر، ضمن نظرة شمولية للحياة والكون لا تفصل بين الفكرة والواقع، هى نظرة دائمة مختلفة تربط الإنسان بمحيطه الاجتماعى والسياسى والدينى والإقليمى، فقد كان يرى مثلا أن المثقف «لابد أن يكون فى الشارع»، وأن اليهود «غير متآمرين بطبعهم»، كما وصف نفسه بأنه «ماركسى على سنة الله ورسوله».
اليوم.. تحل الذكرى الرابعة لرحيل المفكر المصرى، وصاحب إحدى أكبر الأعمال الموسوعية العربية فى القرن العشرين، موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية»، وغاب المسيرى عن عالمنا فى 3 يوليو 2008، عن عمر يناهز السبعين، بعد صراع طويل مع السرطان، وشيعت جنازته من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر بالقاهرة. وشارك فيها آلاف المصريين، إضافة إلى عشرات العلماء والمفكرين.
وفيما تزامنت ذكراه الرابعة هذا العام مع موعد انعقاد صالون المسيرى الأدبى، دعا الصالون لإحياء ذكراه فى منزله بمصر الجديدة بحضور أسرته وأقاربه وأصدقائه وتلامذته، تمهيدا لبدء نشاطه الأدبى.
«إن الايمان لم يولد داخلى إلا من خلال رحلة طويلة وعميقة، إنه إيمان يستند إلى رحلة عقلية طويلة ولذا فإنه إيمان عقلى لم تدخل فيه عناصر روحية فهو يستند إلى عجز المقولات المادية عن تفسير الإنسان وإلى ضرورة اللجوء إلى مقولات فلسفية أكثر تركيبية»، جزء من كلمات المفكر الراحل الذى يعكس فلسفته الخاصة، الناشئة عن رحلة فكرية ظلت تطور طوال حياته الأكاديمية، فقد قام بالتدريس فى جامعة عين شمس، وفى عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود، كما عمل أستاذا زائرا فى أكاديمية ناصر العسكرية، والجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وعضو مجلس الخبراء فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، ومستشارا ثقافيا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأممالمتحدة فى نيويورك، وعضو مجلس أمناء جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بليسبرغ، بولاية فرجينيا فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما كان منسقا لحركة «كفاية»، التى نظمت مظاهرات ووقفات تعترض على التمديد لحكم مبارك أو توريث الحكم لنجله جمال.
عبدالوهاب محمد أحمد المسيرى، وُلد فى دمنهور 1938 وتلقى تعليمه الابتدائى والثانوى هناك، ثم التحق بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية عام 1955، وعُين معيدا فيها بعد تخرجه، ويعد واحدا من أبرز المؤرخين العالميين المتخصصين فى الحركة الصهيونية، وصدرت له عشرات الدراسات والمقالات عن إسرائيل والحركة الصهيونية.
من أهم أعمال الدكتور المسيرى كتاب «رحلتى الفكرية سيرة غير ذاتية غير موضوعية فى البذور والجذور والثمار»، وله مؤلفات أخرى فى العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، وإشكالية التحيز.. رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد، كما أن له مؤلفات فى الحضارة الغربية والحضارة الأمريكية مثل: الفردوس الأرضى، والفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، والحداثة وما بعد الحداثة، ودراسات معرفية فى الحداثة الغربية.
وللدكتور المسيرى أيضا دراسات لغوية وأدبية من أهمها: اللغة والمجاز.. بين التوحيد ووحدة الوجود، ودراسات فى الشعر، وفى الأدب والفكر، كما صدر له ديوان شعر بعنوان أغانى الخبرة والحيرة والبراءة.. سيرة شعرية. وقد نشر الدكتور المسيرى عدة قصص وديوان شعر للأطفال.