جمعوا بعضهم منذ الصباح الباكر، وتجمهروا أمام بوابة مدرستهم، يكسوهم لون السواد ويخيم عليهم الحزن. إنهم طلاب الصف الثانى الثانوى بمدرسة الجمهورية الخاصة بالزيتون، الذين خرجوا أمس لوداع صديقهم «البطل الصغير» شهيد مباراة الموت، محمد خالد. العدد فى تزايد، وبعد ثوانٍ قليلة تظهر فى الأفق مجموعة ترتدى الأسود وتتجه نحو المدرسة، بعدها تحركوا جماعات إلى مسجد السلام بالحى السابع فى أتوبيسات المدرسة، التى غيرت مسارها لأول مرة، لوداع محمد الذى ظل مفقودا منذ أحداث المباراة حتى ساعات متأخرة من مساء أمس الأول، أخيرا عثروا عليه بين الجثث فى المشرحة.
كانت «الشروق» قد نشرت خلال اليومين الماضيين، قصة غياب محمد، الذى ذهب لحضور مباراة الأهلى والمصرى مع عدد من أصدقائه يوم 1 فبراير الجارى، وغابت أخباره تماما. بحث عنه أهله وأصدقاؤه على مدى أربعة أيام وثلاث ليال فى جميع مستشفيات ومشارح وأقسام ومراكز الإسعاف فى محافظات القاهرة وبورسعيد والإسماعيلية والسويس، فضلا عن سجون الأحداث والشرطة العسكرية.
كانت تتقاذفهم الأخبار والنبوءات ما بين «بيقولوا فيه جثتين جداد فى مشرحة زينهم»، فينطلق فريق البحث المكون من أصدقائه المقربين عن فورهم إلى المشرحة، أو «التليفزيون أعلن إن فيه شهداء ومصابين جايين فى قطار السويس النهاردة بالليل»، فيقضى الشباب الصغار ليلهم على رصيف المحطة، على أمل الرجوع بصديقهم. أما عن محمد، فكانت تلك هى المرة الأولى له التى سمح له فيها والده أن يذهب لحضور مباراة، وكتب على صفحته الخاصة على موقع «فيس بوك»، «مش مصدق نفسى إنى رايح الماتش، ادعوا لى بس أرجع بالسلامة». رحل محمد، رحل للأبد، مهما طال الدعاء برجوعه.
محمد هو الابن الأكبر فى أسرته، وهو طالب فى الصف الثانى الثانوى، شعبة علمى، لم يكن قد بدأ حياته، حتى اغتالتها سياسات التسيب والإهمال والفوضى الأمنية، التى لا تبالى بعمر شباب الأمة وأحلامهم.