لعل هذا الكتاب هو الأوفى والأشمل والأغزر فى معلوماته عن صناعة الكتب والمجلات الفكاهية الأمريكية المصورة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، كما أنه الأكثر طرافة على هذا المضمار، إنه كتاب يتحدث عن عالمنا فى عصر "البطل السوبر". واختار المؤلف جرانت موريسون لكتابه الجديد عنوان "الآلهة العظيمة .. عالمنا فى عصر البطل السوبر"، وستجد فيه الكثير من التفاصيل الطريفة عن أسماء أبطال صنعتهم الكتابة المصورة فى أمريكا وصدرتهم للعالم كله مثل "باتمان" وقبله "سوبرمان". إنه تاريخ القصص الفكاهية الأمريكية كما يعرض لها كاتب كبير، إن لم يكن الأشهر حاليا فى هذا اللون من الكتابة بالولايات المتحدة وهو جرانت موريسون الذى أتى بكثير من التفاصيل الهامة دون أن يقع فى فخ الملل أو إصابة القارىء العادى بالسأم .
ولأنه أحد نجوم السرد الأمريكى المعاصر فى عالم الكتب والمجلات الفكاهية المصورة، فقد جاء الكتاب متميزا فى تناول السياق الحالى لهذا العالم الحافل بالإبهار والأرباح المادية .
ويشرح جرانت موريسون "سر الخلطة الأمريكية" فى هذا اللون من الكتابة التى تعتمد على صور ورسومات ملونة كبيرة مع أقل عدد ممكن من الكلمات فى مجلات أو كتب قليلة الصفحات وبعضها أقرب للكتيبات أو الكراسات، حيث يستعرض الأبطال العظام قدراتهم الخارقة وامكاناتهم الفذة .
وفى هذا العالم الساحر للأفكار المصورة تحتفظ الذاكرة بأسماء كتاب تألقوا فى سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين مثل ستيف جيربر ودون مجريجور ودويج ميونخ وستيف انجلهارت الذين تعرض لهم المؤلف جرانت موريسون، كما تعرض لشركات حققت أرباحا هائلة بفضل الكتابة الفكاهية المصورة والشخصيات التى خلدتها هذه الكتابة .
وشهدت صناعة الكتابة الفكاهية المصورة فى أمريكا والغرب طفرة مع أسماء لامعة فى مقدمتها آلان مور ونيل جايمان وفرانك ميللر، بينما أغرت المكاسب الهائلة البعض بالمحاكاة والتقليد لهذه الأسماء اللامعة .
وغالبا تبتعد المجلات المصورة الفكاهية الأمريكية عن الأفكار المعقدة والكلمات المتحذلقة، كما يوضح هذا الكتاب الجديد الذى جمع مابين التأريخ والبحث وقليل من التآملات ذات الطابع الفلسفى . ومع أنه كتاب يتحدث عن أعمال موجهة أساسا للصغار فهو كتاب كبير بأفكاره وطموحاته وصفحاته التى تقترب من الخمسمائة صفحة .
وللأمريكيين ولع بهذا اللون من الكتابة حتى أن هناك ملتقيات ومهرجانات تنظم للاحتفاء بشخصيات خلدتها مجلات الأطفال برسومها الزاهية وألوانها المبهرة ومازالت كتب الجيب الفكاهية ذات الألوان الأربعة تحظى برواج كبير . ولن يكون بمقدور أحد أن ينكر مدى الجودة والاتقان والابهار فى تلك النوعية من المجلات والكتب الأمريكية، غير أن أحدا ليس بمقدوره أيضا أن يتجاهل الافراط فى العنف بمحتوى موجه فى المقام الأول للأطفال والناشئة .
ويرى البعض أن سنوات الأربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم كانت العصر الذهبى للمجلات والكتب الفكاهية المصورة الأمريكية، فيما ترك كتاب بريطانيون بصماتهم العميقة على تلك المجلات والكتب المصورة الأمريكية. وقد يحق التساؤل فى نهاية المطاف : متى تعالج المكتبة العربية النقص فى هذا النوع من الكتابة عن كتب ومجلات مصرية عربية لها تاريخها فى تكوين وجدان الأطفال والناشئة ومازالت تثير ذكريات عزيزة كلما ترددت اسماؤها.
