الاختلاف سنة كونية وطبيعة إنسانية لها قيمتها فى بناء الشعوب والمجتمعات ولو لم يكن هناك اختلاف بين الناس فى كل شىء لفسدت الأرض.. وما كانت هناك حضارات لا فى الشرق ولا فى الغرب.. وهكذا كانت الحياة السياسية وما زالت فى كل بقاع الدنيا تقوم فى الاساس على الاختلاف سواء بين الحركات والأحزاب وبعضها البعض أو بين اعضاء الحزب الواحد.. وأتصور أن جموع المصريين بكل أطيافهم السياسية لم يقوموا بالثورة المجيدة ولم تتوحد كلمتهم لقطع رقبة نظام فاسد إلا من أجل تحقيق هدف واحد وهو حق الاختلاف والتعبير وإبداء (الرأى.. والرأى الآخر) والتحول من بلد الحاكم الظالم إلى وطن العدل والحرية الحقيقية والمساواة بين الجميع. وأعتقد أن الوصول لهذا الهدف يحتاج منا الكثير من الجهد والعمل ومن قبلهما الشفافية والوضوح بين الجميع لعبور الفترة الانتقالية بأسرع وقت ممكن والدخول فى مرحلة الانتخابات وتسليم السلطة لحكومة مدنية ووضع دستور جديد لكل المصريين.. دستور تتحقق معه العدالة السياسية ويتسع لكل الأطياف ويرسى مبدأ التغيير وتداول السلطة كى تكون مصر نموذجا يحتذى به فى منطقة الربيع العربى.. ولن يتحقق هذا كله إلا بالوفاء بالعهود والوعود من الجميع سواء كان المجلس العسكرى أو الحكومة الانتقالية أو حتى الأحزاب والقوى السياسية.. لأن المواطن المصرى لم يعد من السهل خداعه بالتصريحات التليفزيونية الرنانة أو تغييب وعيه بالأغانى ومباريات كرة القدم كما كان يحدث فى عهد النظام السابق.
فالمواطن المصرى أيا كانت درجة ثقافته وتعليمه لم يعد يخشى المواجهة أو حتى الموت فى سبيل حريته ولقمة عيشه.. بل على العكس تماما بات أكثر نضجا ودراية من أى وقت مضى وربما يملك خيالا سياسيا يمكنه من الاختيار الصحيح والسليم عندما توضع أمامه صناديق الاقتراع فى انتخابات حرة ونزيهة وآمنة.
أقول هذا بعد أن تابعت عملية الكر والفر السياسى طيلة الشهور الماضية التى أعقبت الثورة من أجل تحقيق كل المطالب والتعهدات.. وأعتقد أن الجميع الآن يقف أمام فرصة ذهبية ربما لن تتكرر لكتابة صفحة رائعة فى أعظم سجلات التاريخ المصرى إذا ما أحسنوا النية وأوفوا بالوعد والعهد.. فالمجلس العسكرى تعهد من قبل بتسليم السلطة لحكومة مدنية وعليه أن يوفى بوعده بعد أن ظل أمينا على الوطن منحازا لشعبه وهو فى الحقيقة كان منحازا إلى نفسه (إن صح التعبير) فما من بيت أو أسرة إلا ولها ابن أو أكثر خدم فى هذا الجيش العظيم.. وعلى المجلس أيضا أن يبقى حاميا للديمقراطية وشريكا فيها ومنحازا إلى الشعب أيضا من خلال رجاله الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه كى يبقوا مرفوعى الرأس إلى الأبد.. ويذكرهم التاريخ بأنهم أصحاب الفضل فى الخروج بمصر إلى عصر الديمقراطية الحقيقية وليست المصطنعة كما كان يفعل السابقون!!
أما الأحزاب السياسية فلم يعد لديها الآن أى حجج أو مبررات فالمجال يتسع للجميع ولم تعد هناك موانع تحد من قدرتهم على الالتحام بالشارع أو عرض أفكارهم وبرامجهم بكل حرية.. فالعمل السياسى مكفول للجميع وليس هناك رقيب أو أمن دولة يحدد المحظور والممنوع.. وكل حزب أو تيار سياسى لديه الفرصة لإثبات ذاته (إن أراد) من خلال برنامج واضح هدفه تحقيق حياة كريمة لشعب نصفه تحت خط الفقر واعتقد ان الكلام عبر الفضائيات والمواقع والصحف لا يكفى لإقناع شعب أعيته حماقة حكامه طيلة 30 عاما وهو الآن شعب يريد أفعالا لا أقوالا.. ونتائج على الأرض وليست مجرد وعود.. شعب يريد فرص عمل لملايين الخريجين.. يريد دخلا عادلا بين الطبقات.. شعب يريد العلاج والتعليم.. شعب يتمنى ان يأكل من زرع يده.. يريد قمحا مصريا وليس أمريكيا.. فمن كان يملك الحلول فليتقدم ومن لم يستطع فعليه أن يتوارى وألا يقحم نفسه فى طريق محفوف بالمخاطر.. وكل ما أخشاه أن يتخيل الساسة أن الطريق أمامهم مفروش بالورود فمصر لم تعد تتحمل مزيدا من الوقت الضائع بعد أن سرق اموالها الفاسدون ونهب خيرها اللصوص.. وعلى الذين يظنون أن الشعب المصرى مازال على حاله قبل الثورة.. أقول لهم إنهم واهمون.