قالت تركيا أمس الأربعاء، أنها ستفرض عقوبات على سوريا رغم إحباط أي إجراء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد الرئيس السوري بشار الأسد لقمعه العنيف للمعارضة.
ومنحت روسيا والصين نصرًا دبلوماسيًا للأسد باستخدامهما حق النقض "الفيتو" ضد قرار صاغته أوروبا في مجلس الأمن كان سيلمح لعقوبات من جانب الأممالمتحدة ضد سوريا، ولكن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وعد بتحرك من جانبه.
وقال أردوغان، "بالطبع الفيتو.. لا يمكن أن يمنع العقوبات. سنطبق حزمة من العقوبات بالضرورة".
وذكر أردوغان -الذي يزور جنوب إفريقيا-، أنه سيعلن مجموعة من العقوبات عقب زيارته لمخيم للاجئين السوريين في تركيا في الأيام القليلة المقبلة.
واغضب الفيتو الروسي والصيني القوى الغربية التي فرضت بالفعل عقوبات على سوريا، وتحاول تمهيد الطريق لفرض عقوبات من جانب الأممالمتحدة، ومن شأن الفيتو أن يقوي قبضة الأسد على الحكم في الأجل القصير على الأقل.
وقال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، "إنه يوم حزين للشعب السوري. إنه يوم حزين لمجلس الأمن".
كذلك عبرت ألمانيا عن خيبة أملها. وقال متحدث باسم الحكومة إن مشروع القرار كان سيرسل إشارة دعم مهمة لكثير من السوريين "الذين يتظاهرون منذ شهور من أجل الحرية السياسية".
وقالت الوكالة العربية السورية للأنباء، إن دمشق ترحب بالفيتو. وأضافت الوكالة أن الفيتو أعاد "بعض الثقة باستعادة النظام العالمي قدرًا من التوازن الذي افتقدته طويلاً بفعل الهيمنة الأمريكية والأوروبية التي جعلت قرارات مجلس الأمن أداة عقاب للمدافعين عن الاستقلال والتحرر".
وأيد مشروع القرار تسعة أعضاء وامتنع عن التصويت أربعة. وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة سوزان رايس، إن واشنطن غاضبة من الفيتو، وأضافت قولها إنه حان الوقت للمجلس أن يتبنى فرض "عقوبات صارمة موجهة" على دمشق.
وقال السفير الروسي فيتالي تشوركين، لمجلس الأمن، إن موسكو ترفض التهديد بفرض عقوبات على سوريا، وقال السفير الصيني لي باو دونغ، إن بكين تعارض "التدخل في الشؤون الداخلية (لسوريا)".
ولروسيا علاقات وثيقة مع حكومة الأسد التي تشتري منها أسلحة ولها منشأة صيانة للبحرية الروسية على الساحل السوري على البحر المتوسط.
وأبدت بكينوموسكو مخاوفهما من أن يمهد القرار السبيل لتدخل عسكري على غرار ما حدث في ليبيا. وتريدان أيضًا الحد من النفوذ الغربي في الشرق الأوسط، بينما تسعى الولاياتالمتحدة وأوروبا منذ فترة طويلة لإضعاف تحالف سوريا مع إيران.
وأرسل الأسد دبابات وقوات لسحق الانتفاضة التي اندلعت في مارس مستلهمة انتفاضات في المنطقة أطاحت بثلاثة زعماء في شمال أفريقيا هذا العام.
وتقول الأممالمتحدة، إن العمليات العسكرية السورية ضد المتظاهرين أودت بحياة 2700 مدني. وتلقي دمشق اللوم على مجموعات مسلحة مدعومة من جهات خارجية تقول إنها قتلت ما لا يقل عن 700 من أفراد الأمن.
ويترنح الاقتصاد السوري من جراء الاضطرابات والعقوبات الأمريكية والأوروبية على قطاع النفط المهم رغم صغر حجمه.
ويواجه الأسد معارضة أكثر اتحادًا بعدما اجتمعت جماعات في المنفى في اسطنبول يوم الأحد الماضي للمطالبة بسقوطه، ولكن التصويت في مجلس الأمن يمثل انتكاسة لخصوم الأسد الذين كانوا يتطلعون إلى تصعيد للضغوط الدولية على دمشق.
وأبدى عمر أدلبي- ممثل لجان التنسيق المحلية السورية في بيروت، أسفًا شديدًا لموقفي روسيا والصين من مشروع القرار، مضيفًا أنه لم يفقد الأمل بعد في المجتمع الدولي.
وقال إن المعارضة تدرس خيارات من بينها تنظيم إضراب عام أو حملة عصيان مدني، لكن المحللين قالوا إن الأسد لا يواجه تهديدًا على ما يبدو في المستقبل القريب.
وقال ايهم كامل- من مجموعة أوراسيا للبحوث، "حقيقة إن الأسد يستطيع تفادي عقوبات دولية في الوقت الحالي تعزز وضعه على المدى القصير". وتابع "سيستمر الأسد في السلطة على المدى القصير. لا أعتقد أن ثمة دلائل على انهيار وشيك ولكن سوريا تواجه تحديات في سائر أنحاء البلاد.. الاقتصاد وانعدام الأمن في شتى أنحاء البلاد ومعارضة أكثر تنظيمًا".
وحظرت سوريا معظم الواردات الشهر الماضي، لمحاولة الاحتفاظ باحتياطيات النقد الأجنبي الآخذة في التضاؤل. وألغي القرار أمس بعد أن ارتفعت الأسعار واستاءت طبقة التجار صاحبة النفوذ التي تدعم الأسد.
وقد يكون للعقوبات التركية تأثير كبير. ولكن المسؤولين الأتراك أوضحوا أن أي إجراءات ستستهدف حكومة الأسد وليس الشعب السوري.
ولهذا السبب استبعدت تركيا تقليص مبيعات الكهرباء أو تقليص تدفق المياه في نهر الفرات لسوريا.
وبلغت قيمة التبادل التجاري بين تركيا وسوريا 2.5 مليار دولار في عام 2010 وبلغ حجم استثمارات الشركات التركية في سوريا 260 مليون دولار.
ومن المرجح أن يكون النظام المصرفي المملوك للدولة في سوريا هدفًا للعقوبات، الأمر الذي قد يمنع فعليًا مشتريات النفط الخام السوري. وقد يكون من الإجراءات الأخرى المحتملة تجميد التعاون التركي في مشروعات النفط والغاز التي تعمل فيها شركات حكومية سورية.
وأذاع التلفزيون السوري الحكومي مقابلة أمس الأربعاء، مع شابة نفت فيها تقارير جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان قالت الشهر الماضي أنها قتلت وتعرضت للتشويه ربما أثناء احتجازها لدى السلطات.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن والدة زينب الحصني (18 عامًا) وهي من مدينة حمص أكدت أن الشابة التي ظهرت في التلفزيون هي ابنتها التي قيل أنها قتلت بعد أن اختفت في يوليو الماضي.
وقال نديم حوري- من مكتب هيومن رايتس ووتش في بيروت، إن ممثلي المنظمة تحدثوا مع العائلة التي أكدت أن الشابة التي ظهرت في التلفزيون هي زينب وأن والدتها أكدت أن الشابة هي ابنتها.
وأصبحت زينب الحصني رمزًا للانتفاضة السورية ضد الأسد بعد أن أفادت تقارير لمنظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية بأن عائلتها عثرت على جثة امرأة مصابة بحروق شديدة ومقطوعة الرأس في مشرحة.
وبعد أشهر من الاحتجاجات السلمية حمل بعض العسكريين المنشقين والمعارضين في سوريا السلاح وقام الجيش بحملات عليهم، لاسيما في المناطق المتاخمة لتركيا والأردن.
وفي الأسبوع الماضي قال العقيد رياض الأسعد وهو ضابط سوري انشق على الأسد ولجأ إلى تركيا، إن أكثر من عشرة آلاف جندي انشقوا عن الجيش السوري. وتنفي السلطات أي انشقاقات في صفوف الجيش، وتقول إن العمليات العسكرية تأتي استجابة لمناشدات من السكان.
ويحتفظ الأسد بالسيطرة على الجيش الذي تتألف صفوفه عمومًا من السنة وأغلب قادته من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد.
ولا تسمح سوريا لأغلب وسائل الإعلام المستقلة بالعمل في البلاد، ولذا فمن الصعب التحقق من الأحداث، ولكن أعداد المنشقين عن الجيش القليلة بدأت تتزايد على ما يبدو في الأسابيع الأخيرة.