يحطم مخطط التهجير ويهدف لوحدة الصف| «القبائل العربية».. كيان وطني وتنموي داعم للدولة    شعبة الدواجن: السعر الأقصى للمستهلك 85 جنيها.. وتوقعات بانخفاضات الفترة المقبلة    نقيب الجزارين: تراجع اللحوم ل380 جنيها بسبب الركود.. وانخفاض الأبقار الحية ل 165    اليوم| قطع المياه لمدة 8 ساعات عن بعض مناطق الحوامدية.. تعرف على الموعد    سر مكالمة 4 أبريل التي تسببت في قرار بايدن بوقف إرسال الأسلحة إلى إسرائيل    أبرزها الموجة الحارة وعودة الأمطار، الأرصاد تحذر من 4 ظواهر جوية تضرب البلاد    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على صعود    مصطفى بكري: مصر تكبدت 90 مليون جنيها للقضاء على الإرهاب    نتنياهو: آمل أن أتمكن من تجاوز الخلافات مع بايدن    أحمد عيد: أجواء الصعود إلى الدوري الممتاز في مدينة المحلة كانت رائعة    نجم الأهلي السابق: مباريات الهبوط في المحترفين لا تقل إثارة عن مباريات الصعود    أسرار «قلق» مُدربي الأندية من حسام حسن    أتالانتا يتأهل لنهائي الدوري الأوروبي بثلاثية أمام مارسيليا    ملف رياضة مصراوي.. زيارة ممدوح عباس لعائلة زيزو.. وتعديل موعد مباراة مصر وبوركينا فاسو    عبد الرحمن مجدي: أطمح في الاحتراف.. وأطالب جماهير الإسماعيلي بهذا الأمر    أشرف صبحي يناقش استعدادات منتخب مصر لأولمبياد باريس 2024    مايا مرسي تشارك في اجتماع لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب لمناقشة الموازنة    جاستن وهايلي بيبر ينتظران مولودهما الأول (صور)    هل قول زمزم بعد الوضوء بدعة.. الإفتاء تجيب    نص خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة اليوم 10-5-2024.. جدول مواعيد الصلاة بمدن مصر    أعداء الأسرة والحياة l «الإرهابية» من تهديد الأوطان إلى السعى لتدمير الأسرة    عيار 21 يتراجع لأقل سعر.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة 10 مايو 2024 بالصاغة    إصابة شرطيين اثنين إثر إطلاق نار بقسم شرطة في باريس    إصابة 5 أشخاص نتيجة تعرضهم لحالة اشتباه تسمم غذائي بأسوان    مصرع عقيد شرطة في تصادم سيارة ملاكي بجمل بطريق الزعفرانة ببني سويف    هدية السكة الحديد للمصيفين.. قطارات نوم مكيفة لمحافظتي الإسكندرية ومرسى مطروح    الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية عسكرية ل"حزب الله" بجنوب لبنان    حركة حماس توجه رسالة إلى المقاومة الفلسطينية    ما حكم كفارة اليمين الكذب.. الإفتاء تجيب    الاحتلال يسلم إخطارات هدم لمنزلين على أطراف حي الغناوي في بلدة عزون شرق قلقيلية    مسؤول أوروبي كبير يدين هجوم مستوطنين على "الأونروا" بالقدس الشرقية    لتقديم طلبات التصالح.. إقبال ملحوظ للمواطنين على المركز التكنولوجي بحي شرق الإسكندرية    يوم كبيس بالإسكندرية.. اندلاع حريقين وإزالة عقار يمثل خطورة داهمة على المواطنين    البابا تواضروس يستقبل رئيسي الكنيستين السريانية والأرمينية    بالأغاني الروسية وتكريم فلسطين.. مهرجان بردية للسينما يختتم أعماله    فريدة سيف النصر تكشف عن الهجوم التي تعرضت له بعد خلعها الحجاب وهل تعرضت للسحر    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    خالد الجندي: مفيش حاجة اسمها الأعمال بالنيات بين البشر (فيديو)    خالد الجندي: البعض يتوهم أن الإسلام بُني على خمس فقط (فيديو)    عادل خطاب: فيروس كورونا أصبح مثل الأنفلونزا خلاص ده موجود معانا    الفوائد الصحية للشاي الأسود والأخضر في مواجهة السكري    مزاجه عالي، ضبط نصف فرش حشيش بحوزة راكب بمطار الغردقة (صور)    آية عاطف ترسم بصمتها في مجال الكيمياء الصيدلانية وتحصد إنجازات علمية وجوائز دولية    4 شهداء جراء قصف الاحتلال لمنزل في محيط مسجد التوبة بمخيم جباليا    مجلس جامعة مصر التكنولوجية يقترح إنشاء ثلاث برامج جديدة    بعد الانخفاضات الأخيرة.. أسعار السيارات 2024 في مصر    بشرى للموظفين.. عدد أيام إجازة عيد الأضحى المبارك في مصر للقطاعين العام والخاص    مرادف «قوامين» و«اقترف».. سؤال محير للصف الثاني الثانوي    لمواليد برج العذراء والثور والجدي.. تأثير الحالة الفلكية على الأبراج الترابية في الأسبوع الثاني من مايو    تعرف على سعر الخوخ والتفاح والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 10 مايو 2024    «الكفتة الكدابة» وجبة اقتصادية خالية من اللحمة.. تعرف على أغرب أطباق أهل دمياط    «أنهى حياة عائلته وانتح ر».. أب يقتل 12 شخصًا في العراق (فيديو)    هيئة الدواء تعلن انتهاء تدريب دراسة الملف الفني للمستلزمات الطبية والكواشف المعمليّة    حدث بالفن| فنانة تكشف عودة العوضي وياسمين ووفاة والدة نجمة وانهيار كريم عبد العزيز    فيديو.. ريهام سعيد: "مفيش أي دكتور عنده علاج يرجعني بني آدمه"    سعود أبو سلطان يطرح أغنيته الجديدة الثوب الأبيض    خالد الجندي: البعض يتوهم أن الإسلام بُنى على خمس فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أردوغان أَم طالبان؟ (1)
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 09 - 2011

أتلقى مثل كثيرين غيرى من الكُتَّاب دعوات عديدة من جهات وفاعاليات مختلفة بينها السفارات، لكننى وبعد أن أشبعت فضولى بتجربتين أو ثلاث فى قاعات فخمة ووسط أناس يبرقون، قررت أن هذه كلها لا تناسبنى، وانقطعت تماما عن تلبية أى دعوة دبلوماسية أو غير دبلوماسية، لأننى نزق وأُحس بالحبس فى هذه الأجواء، ثم إن الكلام الذى يدور بين مرتادى هذه المساءات لا يعدو كونه ثرثرة لا تفيد، وحتى الأكل لم أحسه طيبا أبدا، خاصة هذا السلمون النىء المظفلط الذى يثير قرفى بلزوجته وزفارته برغم اعتباره افتتاحية باذخة الفخامة على مثل هذه الموائد.
هكذا آخيت نفسى فاستقرت بديهية الرفض عندى لدعوات السفارات وما شابهها، لكننى عندما جاءتنى من السفارة التركية دعوة على عشاء يحضره رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان، وجدتنى أرحِّب دون تردد، وكأن القبول فى هذه الحالة بديهية موازية، ليس لأننى عاشق قديم لتركيا الأرض والناس كما تشف عن ذلك أربع تحقيقات يتضمنها كتابى «جنوبا وشرقا»، ولا لأننى شغفت بتركيا منذ رسوت على شاطئ اسطنبول صيف عام 1986 ضمن رحلة بحرية طفت فيها بمعظم موانئ البحر المتوسط فوقعت فى هوى هذه المدينة دون سواها، ولا لأن أمى من عائلة «شرف الدين» ذات الأصول التركية، كما مئات العائلات المصرية غيرها، ولكن لأن فضولا فكريا شديدا ظل يتولانى تجاه معضلة توسمت فى تجربة أردوغان حلاً لها.
قبل أن أطلع على مفهوم «ما بعد العلمانية» الذى كرّسه الفيلسوف الألمانى بورجن هابرماس منذ سنوات قليلة ورفض فيه فرضية أن التحديث يتلازم مع العلمانية ويقود بالتالى إلى تهميش دور الدين، وأنا مشغول بقضية «الإيمان» حتى وأنا يسارى، وترسخت القضية عندى مع غوصى فى بحار الثقافة العلمية، فكانت عجائب الخلق وبصمة خلقتها المتكررة تلفت انتباهى فى كل الموجودات والوجودات بشكل مبهر، وكأنها أكوان داخل أكوان تنطق بوحدانية الخالق. ورأيت أن مجرد التأمل فى هذا الطيف الهائل بما يكتنفه من معجزات ومدهشات وعجائب، كفيل بطرح حتمية الإيمان لا كإشراق فقط، ولكن كملاذ من مخاوف العدمية والضياع والعبث التى تضغط على الإنسان المعاصر.
هذا فى رأى ما حدث ويحدث للمليارات من سكان كوكبنا فى العقود الأخيرة خاصة مع انتشار التليفزيون والفضائيات والانترنت، حيث صار بمستطاع أبسط الناس أن يتعرفوا على بعض معجزات هذا الوجود مما تنقله إليهم هذه الوسائط، ويكفى رؤية كوكبنا الأزرق المنير معلقا فى ظلمة الفضاء، وهى رؤية باتت متاحة لكل الناس، فحتى أجهل الناس لو عرضت عليه هذه الصورة لتلك اللؤلؤة الزرقاء الموشاة بالبياض وسط السواد الحالك لقال على الفور إنها «الأرض». كما أن ما تنقله الشاشات، المتاحة للجميع تقريبا، عن نعم ومِحن هذا الكوكب الذى نسكنه، من زلازل وفيضانات وغابات وأنهار وحقول وجبال وكائنات وبشر، بات مما يثير التأمل حتى فى أكثر الأذهان التهاءً، سواء بوعى وبلا وعى.
هذه المعرفة الكونية فى رأيى، ومعاناة قطاعات كبيرة من سكان العالم للقهر السياسى والاجتماعى من قوى الاستكبار المحلية والدولية، هى التى أدت لانفجار ظاهرة الإيمان فى العالم، ومن ثم الانتشار الواسع للتدين بعد عقود من إهمال هذا الجانب، إن بسبب عفوية التلهى بالحياة اليومية، أو بدعاوى التفكير القاصر ونظريات الأحياء المبتسرة، وفلسفات الوجود السطحى للكائن البشرى، فى السياسة والاقتصاد خاصة.
هكذا صار الإيمان اتجاها بشريا جارفا فى حياتنا المعاصرة المتفجرة بمعارف لم تكن متوافرة من قبل، وعلى عكس ما كان فى زمن الفيزياء التقليدية، لم تعد السببية كافية لتفسير ظواهر تعترض أبسط الناس فى حياتهم النفسية والجسدية والوجودية، وباتت معجزات مما فوق مستوى التصديق العقلى السائد تطرق أبواب التأمل بإلحاح، فما من أحد لا يعرف عن أعجوبة أن تلد أنثى بغير ذكر كما فى عمليات الاستنساخ، أوالتوازن الحرج لكوكبنا ضمن مجموعته الشمسية.
كان اللا شعور البشرى يكتنز ذلك كله، وينمى دافعا تلقائيا للإيمان فى داخل الأنفس حتى التى تظن أنها تتبنى موقفا ذهنيا لا دينيا، ومن ثم كان البحث عن عمق فى التدين يندفع بخليط من مشاعر الخوف والرجاء معا، وتلقف هذه الحاجة الملحة الدعاة الذين باتوا، بخيرهم وشرهم، ظاهرة العالم الملتبسة، ليس فى ديننا وحده، بل فى كل الأديان، فظاهرة الأصولية الدينية ليست وقفا على الإسلام والمسلمين، فهناك أصوليات مسيحية وأخرى يهودية وثالثة هندوسية ورابعة بوذية، وهكذا. ومن هذا التشبث بتلك الأصوليات بدأ سؤال الموقف من المُعاصرة، وتضمنت الإجابات مواجهة بين موقفى التسامح والتعصب المتعارضين. ووُلدت المعضلة.
معضلة الجزء الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الحادى والعشرين والتى أتصور أنها ستمتد إلى عمق هذا القرن بموازاة عجيبة للتطورات المعرفية الحداثية المدهشة، وقد باتت هذه المعضلة ترتجى حلا خاصة بعد أن راحت تعبر عن نفسها فى صدامات دامية داخل القطر الواحد، وبين الأقطار، بل عبر القارات، كما فى أحداث 11 سبتمبر التى لا أعتقد أنها من صنيع القاعدة، أو على الأقل ليست القاعدة منفردة فى صنعها. وهى أحداث تلبس قناع صدام الحضارات، الذى بشر به الباحث الأمريكى هنتنجتون، وهو كما كثيرين من المفكرين الأمريكيين، يروجون للظاهرة أكثر مما يبحثون فيها، بل يمهدون لصناعتها وظهورها أحيانا.
وكان هناك من يشعل النار فى الهشيم بدوافع تعصبية حاقدة على الجميع، خاصة على المسلمين، كما يرشح من تحريضات المستشرق الصهيونى الأمريكى بريطانى الأصل برنارد لويس، والذى لم يكن بعيدا عن فكر هنتينجتون، ففى عام 1990م كتب لويس مقالا بعنوان جذور الغضب الإسلامى، قال فيها: «هذا ليس أقل من صراع بين الحضارات، ربما تكون غير منطقية، لكنها بالتأكيد رد فعل تاريخى منافس قديم لتراثنا اليهودى والمسيحى، وحاضرنا العلمانى، والتوسع العالمى لكليهما « وقد احتفل هنتنجتون بهذه الفقرة فى كتابه «صدام الحضارات» الصادر عام 1996!
ولم نعدم نحن أيضا فى عالمنا العربى والإسلامى متعصبين بقناعات أو أقنعة دينية يقومون بدور مماثل فى تأجيج النار بيننا وبين غيرنا، بل بيننا وبين أنفسنا، وبيننا وبين عصرنا، فكانت الهوجة، ولاتزال هذه الهوجة تربك أحلام نهوضنا هاهنا فى مصر، بعد ثورة أدهشت العالم بجمالها وبصيرتها وحدسها الراقى العجيب. لهذا كان حماسى لذلك العشاء فى حضرة أردوغان.
فى قليل الدعوات والندوات التى لبيتها على مدى سنوات، عادة ما كنت أنتبذ ركنا قصيا بجوار الباب، ليتسنى لى الهروب السريع الخفيف عندما تبلغ الروح الحلقوم من ولع أصحاب «البقين» فى إثبات الوجود بكثرة وهجص الكلام والجدال واللدد، لكننى فى هذه المرة حاولت أن أصالح بين ولعى بالأركان وتشوفى لصحبة القائد التركى، فاخترت مائدة خالية وراء عمود فى القاعة يعزل الجالسين حولها عن العموم ويتيح إطلالة مباشرة وقريبة من موقع أردوغان، ثم التحقت بالمكان الدكتورة منار الشوربجى وما إن جاء العزيز بلال فضل حتى تهللت هاتفا «جاء الفرج»، فبلال صديق أقرب ما يكون من نفسى، وما إن نتجاور حتى نثير دهشة الآخرين بعنفوان الضحك والقهقهة بيننا، ونصنع عالمنا الخاص برغم الضجيج والزحام، عالم من الأفكار والأخبار والقراءات والحكايات الساخرة بتطرف.
وكان طبيعيا مع مجىء بلال أن نبحث عن مكان جديد يستوعب هذا كله، ويبقينا على قرب من أردوغان فى الوقت نفسه، وانتهينا إلى أقصى ركن فى القاعة بموازاة المائدة الرئيسية ومنصة المتحدثين، وكان على المائدة نفسها الدكتورة أهداف سويف والكاتب الكبير فهمى هويدى والدكتور نبيل عبدالفتاح، وكالعادة تفجرت قهقهاتنا أنا وبلال، لكن مساحات جادة جدا كانت تفصل بين هذه القهقهات، فبلال عاشق شاب لتركيا وعارف بجديدها، وأنا محب قديم يروم معرفة الجديد.
تأخر أردوغان ساعتين عن الموعد المحدد فى الدعوة، لكن أحدا لم يتململ، فقد كان هناك تفهُّم لوضع رجل فى مقام قائد دولة عظيمة النهوض، وهو لم يتوقف عن العمل منذ التاسعة صباحا حتى العاشرة مساء كما أخبرنا وزير الخارجية التركى الدكتور داود أوغلو قبيل حضور أردوغان، وخلال هاتين الساعتين كان ذهنى يصوغ عنوان هذه المقالة التى أظنها ستمتد «طالبان أم أردوغان»، ثم جاء أردوغان فلم ترحل طالبان عن بالى، لأننى أرى فى طرح هذا الخيار استفتاء يحل معضلة تشوش ذهن عالمنا العربى كما العالم الإسلامى، ويكاد يكون المهلك أو المنقذ لثورة 25 يناير، وهو مفاضلة حاسمة فى ظنى، بين طريق النهوض ومنحدر القعود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.