«فرصة سانحة لتحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح، وعمل حاجز بشرى طبيعى ضد أى محاولة لعدوان إسرائيلى على مصر»، هكذا ينظر أهل سيناء إلى حلمهم بإنشاء محافظة لوسط سيناء، وتعميرها، وزراعة مئات الآلاف من الأفدنة فيها. تبلغ مساحة شبه جزيرة سيناء 60 ألف كيلومتر مربع، ومقسمة إلى محافظتين: الشمال أقدم تاريخيا، وتبلغ مساحتها 29 ألف كيلومتر، والجنوب، أنشئت بالقرار الجمهورى 811 لسنة 1974 وتبلغ مساحتها 31 ألف كيلومتر مربع تقريبا. الرئيس الراحل أنور السادات، كان هدفه من تقسيم سيناء إلى محافظتين زرع البشر ليكونوا درعا واقيا لمصر من الناحية الشرقية. وبعد رحيله ازدادت المطالب بتعمير شبه جزيرة سيناء، وبرزت أسباب أهمها، بخلاف السبب الأمنى، التقليل من زحام الوادى والدلتا. شهدت تلك السنوات وضع خطة قومية لتعمير سيناء، كانت تهدف لتوطين 5 ملايين مواطن بحلول عام 2017، لكن الدولة لم تبدأ فى تنفيذها حتى الآن، والأسباب مجهولة. منطقة وسط سيناء شبه خالية من السكان ومن مظاهر الحياة، فلا خدمات أو مرافق أو مواصلات، ولهذا عادت الأصوات ترتفع مطالبة بإنشاء محافظة تتولى تعمير تلك المنطقة، وتحمل اسمها، وتكون مستقبل مصر القادم زراعيا وصناعيا. فى مؤتمر القبائل الذى عقد بمدينة رأس سدر بجنوبسيناء منذ ثلاثة أشهر وحضره رئيس الوزراء، عصام شرف، وعدد من الوزراء والمحافظين، طالب الشيخ عبدالله جهامة شيخ مشايخ سيناء فى كلمته بإنشاء محافظة ثالثة فى وسط سيناء لضمان تعميرها بالبشر تعميرا حقيقيا وليس على الورق. حينها رد شرف بأن سيناء هى المستقبل الحقيقى لمصر فى كل المجالات الزراعية والتعدينية والصناعية، وأوضح أنه يدرس إنشاء هيئة أو وزارة مستقلة لإدارة شئون سيناء. خبراء يرون أهمية قصوى فى إنشاء محافظة لوسط سيناء، «قد تحل مشاكل الغذاء والاقتصاد والبطالة التى تواجهها مصر منذ عقود، حيث توجد كنوز غير مستغلة والتنقيب عنها واستغلالها يحتاج صبرا طويلا ومليارات». يفشل المراقبون فى تحديد أسباب تعمد النظام السابق إهمال سيناء على مدار عقود طويلة، وكأن الهدف تفريغها من السكان، رغم تكرار التصريحات عن خطط لتعميرها، ويعتبرون قراراته مؤكدة لتك الحقيقة، وآخرها قرار منع تمليك الأراضى للأهالى، والاكتفاء بحق الانتفاع. إمكانات هائلة وواقع متواضع 22 ألفا و756 كيلومترا مساحة منطقة وسط سيناء، مساحة شاسعة لكنها تائهة بين شمال شبه الجزيرة وجنوبها، فالخدمات معدومة، وغالبا تتنصل محافظتا الشمال والجنوب منها، وكل منهما تدعى أنها تابعة للأخرى. فى الوسط مدينتا الحسنة ونخل، ذواتا أهمية كبرى، فكلتاهما تتحكم فى الطرق البرية المؤدية لثلاث محافظات: السويس وشمال سيناءوجنوبسيناء، وإلى غرندل وأبوزنيمة ومنافذ جوية فى رأس النقب وطابا وميناء نويبع البحرى. نخل تضم عشر قرى يتبع بعضها إداريا جنوبسيناء مثل سدر الحيطان ورأس النقب والكونتيلا والتمد وبئرجريد والخفجه والبروك، بالاضافة إلى أكثر من 54 واديا. الحسنة بها أكثر من 20 تجمعا سكنيا أهمها القسيمة والمليز المرتفعة نسبيا بالإضافة إلى نحو 111 واديا، وتعتبر هى العمق الفعلى لوسط سيناء موقعها ذات أهمية كبرى هى مدخل لمناطق الممرات (متلا والجدى)، والعسكريون يدركون أهمية الممرين. عضو مجلس الشورى السابق، سلام غريب، يعتبر إنشاء محافظة ثالثة فى وسط سيناء «مطلبا حيويا واستراتيجيا وكان لابد من المطالبة به منذ سنوات، لإعمار سيناء من ناحية ولتحقيق الأمن القومى لمصر من ناحية أخرى». يشير سلام إلى أن وسط سيناء يمتلك مساحات أراض شاسعة تقدر بنصف مليون فدان، صالحة للزراعة بمحاصيل استراتيجية مثل القمح والزيتون والموالح، إلى جانب وجود ثروات معدنية مهمة. ويتهم سلام وزير الزراعة الأسبق، أمين أباظة، برفض إعطاء أبناء سيناء أى أراضٍ زراعية، وتاجر بها مع المستثمرين بأبخس الأسعار. يقترح سلام أن تضم المحافظة الثالثة أجزاء من جنوبسيناء مثل مدينة رأس سدر وقرية طابا وسدر الحيطان وأجزاء أخرى من شمال سيناء مثل الحسنة ونخل، معتبرا إنشاء المحافظة الثالثة «يحقق أمن مصر القومى، خاصة أن الوسط الخالى سيكون منطقة جذب للسكان لما فيه من فرص عمل مثلما حدث فى جنوبسيناء منذ استلامها». أحد مستثمرى شرم الشيخ، دكتور عصام شمس، يقول إن وسط سيناء منطقة واعدة وتحتاج بالفعل إلى إقامة محافظة ثالثة، مشيرا إلى أن فرص الاستثمار موجودة هناك فى مجالات الزراعة والتعدين والصناعة والسياحة أيضا. ويوضح شمس أن إنشاء محافظة جديدة فى الوسط يعنى إنشاء مدن ودواوين حكومية وبالتالى فرص عمل جديدة للشباب، وتوصيل مرافق وخدمات، وهكذا يكون التعمير». وتوقع شمس أن تكون وسط سيناء هى سلة مصر من الغلال، مستشهدا بما حدث فى العام الماضى عقب سقوط السيول حيث تمت زراعة القمح على مياه الأمطار، وطالب بإنشاء سدود ومحطات تحلية لتخزين المياه واستغلالها فى الزراعة. عضو مجلس الشعب السابق، حميد أبوغضين، يؤكد أن قبائل سيناء بالكامل تربطها علاقات اجتماعية واقتصادية، وأن إنشاء محافظة جديدة لن يؤثر على قبائل سيناء، بل يساعد فى توطين البدو، من خلال تملك الأرض وزراعتها وبالتالى يتحقق التعمير والتنمية والتوطين فى وقت واحد. وأشاد أبوغضين بمشروع ترعة السلام، رغم عدم استغلالها حتى الآن: «الترعة مستقبل رائع للزراعة وخطوة مهمة فى إقامة تكتلات زراعية على طول وسط سيناء. وفى حالة إقامة محافظة وسط سيناء سيتم إنشاء إسكان ومدارس وجامعات وبنية أساسية ومرافق وكل هذه الأشياء مطالب مهمة وحيوية لأبناء سيناء على مدار سنوات»، يقول البرلمانى السابق. الناشط الحقوقى، يحيى زكريا، تساءل: ماذا فعلنا لسيناء بعد مرور ما يقرب من 40 عاما على تحريرها فى حرب أكتوبر؟ ويكمل: عدد السكان فى الوقت الراهن لا يزيد على 420 ألف نسمة. ويكمل زكريا سلسلة تساؤلاته: أين ذهب مشروع توطين 5 ملايين فى 2017؟، ويكمل: تنمية السلحفاء لن تجدى، فالحرب بيننا وبين العدو الإسرائيلى هى حرب التعمير. يضيف زكريا: هناك أراض صالحة للزراعة بوسط سيناء تقدر مساحتها بنحو ربع مليون فدان، «وحتى السياحة بوسط سيناء أهملناها السياحة الجبلية والأثرية والسياحة الدينية» حيث جبل الحلال وهو من جبال المناجاة، كما أكدت الدراسات الجيولوجية وجود خام النحاس على السطح فى وادى جبل الحلال، وتوفر الاحجار الكريمة بجبال وسط سيناء، بخلاف عين الجديرات وقلعة الجندى الاثرية ودرب الحاج وهضبة التيه»، يعدد الناشط الحقوقى آثار سيناء. عضو مجلس الشعب السابق، غريب حسان، يؤكد أن الحاجة لإنشاء محافظة فى وسط سيناء ضرورية للتنمية، ولتحظى عدة قبائل برعاية خدمية أكبر وبتمثيل لها فى مجلس الشعب ومجلس شعبى للمحافظة. يعتبر حسان أبناء القبائل التى تعيش فى وسط سيناء فى مواجهة دائمة مع العدو الإسرائيلى منذ عام 48، وضحوا من أجل مصر فى جميع الحروب وهى قبائل الترابين والمزينة العزازنة الحويطات العاييدة المساعيد التيه. شيخ مشايخ السماعنة، سليمان أبوحسين، يقول إن التعليم من أساس التنمية تنمية الفرد أولا، وطالب بتوفير منظومة تعليمية «غير تقليدية» تتوافق مع التركيبة والطبيعة السكانية وفكرها واحتياجاتها، فالمناطق الزراعية نركز على التعليم الزراعى بها ومناطق الصناعة ننشر بها التعليم الصناعى. رئيس المجلس الشعبى لمدينة ابوزنيمة، يوسف مدخل، شدد على ضرورة عودة الانتماء والأمان، معتبرا أن انتماء المواطن وشعوره بالأمان لن يتم إلا إذا تم ربطه بالمكان الذى يعيش فيه، وطالب بضرورة تملك أبناء سيناء لأراضيهم، وتوصيل مياه ترعة السلام إلى آخر نقطة كمرحلة مستقبلية فى شمال ووسط سيناء، وطالب مدخل بمشروع قومى فى سيناء وإنشاء خط سكك حديد يربط الثلاث محافظات. «الشروق» أجرت استطلاع رأى لعدد من المواطنين، وقال عدد من العاملين فى مجال السياحة بمدينة شرم الشيخ إن سيناء لها «أهمية كبيرة ومنطقة واعدة للاستثمارات العديدة سواء كانت سياحية أو زراعية أو صناعية فلابد من تقسيم سيناء إلى عدة إدارات مختلفة حتى يتسنى لنا النهوض بتلك الأرض الغالية». عدد آخر من البدو المقيمين فى شرم الشيخ قالوا إنهم لا يهتمون إن شبه جزيرة سيناء محافظة واحدة أوأكثر، وإنما «الأهم أن يكون هناك اهتمام أكثر وتنمية شاملة على كل المستويات خاصة من الناحية الاجتماعية وإدماج البدو فى المشاركة والانخراط فى المجتمع».