شارفت الساعة على السادسة مساء، محمد 15 عاما ينتظر على نار فى منزله حتى يخوض مغامرة للمرة الأولى. جلس طالب الإعدادية ليراقب على الشاشة شرح الدرس بطريقة مختلفة، وهو منحنى على كمبيوتره ومدجج بكتب اللغة العربية. وبينما يتابع محمد الحصة من حجرته الصغيرة، كان بعض أقرانه يشاطرونه الحصة من منازلهم، كل على حدة، والقاسم المشترك الوحيد بين هذه الشاشات المختلفة هو مدرس اللغة العربية ذاته. تبدو الحصة شيقة، فكل الإمكانات التكنولوجية من الانيميشن (أفلام توضيحية) إلى الوسائط المتعددة ومرورا بالمؤثرات الصوتية قد تم تطويعها حتى تصل المعلومة إلى ذهن الطالب. بل قد يلجأ المدرس أحيانا إلى اقتباس أجزاء من أفلام مشهورة بالمعارك الحربية أو تصوير الحياة الاجتماعية قديما حتى يضفى على الحصة جاذبية وجوا مختلفا عن النمط التقليدى للتدريس. الخدمة التى تبث مباشرة تتيح أيضا فكرة التواصل. فعندما أراد أحد التلاميذ أن يطرح سؤالا، كان عليه أن يستخدم خاصية «كونترول» (تحكم) ويضرب على ميكروفونه بشكل معين لكى يعطيه أستاذه الفرصة لطرح سؤال: «ما هو الفرق بين الصفة والحال وكيفية إعرابهما ؟» وفى ذات الوقت يصل سؤال الصغير لزملائه فى الحصة الاليكترونية. هذه الخدمة تقدمها منذ عام 2004 مؤسسة «أستاذ أون لاين» الخاصة تحت إشراف وزارة التربية والتعليم المصرية. فعلى الخط الساخن 19719 يمكنك الحصول على قائمة الدروس الخصوصية المتاحة من خلال البرنامج والتى تغطى كل المراحل التعليمية بدءا من الصف الخامس الابتدائى وحتى الصف الأول الثانوى. أسطول المندوبين يقول المهندس إيهاب العجرودى مدير المشروع إن هدفهم الرئيسى كان إيجاد أول مدرسة للتعليم المفتوح فى مصرعبر الإنترنت تفتح فرصا للتعلم عن بعد، لا سيما أن هناك حوالى 30 ألف طالب بالخارج يدرسون المناهج المصرية. لكن مع الوقت أخذت الفكرة اتجاها آخر ودخلت مجال دروس التقوية.فهنا بشارع الخليفة المأمون بمصر الجديدة يبدو الاستوديو كخلية النحل. كل معلم يحتل قاعة معزولة عن الأخريات حتى يبدأ البث باللغتين العربية والإنجليزية ( جارى دراسة البث بالفرنسية). وانهالت المكالمات على «الكول سنتر» بالطابق الأرضى للرد على استفسارات أولياء الأمور وتنسيق مواعيد البث لذويهم. وفى الوقت ذاته، انتشر أسطول المندوبين فى أنحاء العاصمة بهدف توصيل اسطوانات البرنامج المدمجة وجداول البث لكل تلميذ وتحصيل الاشتراك الشهرى الذى لا يتعدى سبعين جنيها للمادة. الخدمة استطاعت اجتذاب أكثر من 9 آلاف تلميذا، «فسعر الحصة لا يتعدى عشرين جنيها للمادة، أى أقل بكثير من الدروس الخصوصية العادية التى تصل إلى خمسين جنيها للمرة الواحدة، ناهيك عن الوقت الضائع فى المشاوير إلى المراكز المختلفة. كما أن الخدمة تسعى لتنمية مهارات الطفل التكنولوجية وهى مطلب أساسى بالنسبة لهذا الجيل»، هكذا لخصت وفاء إحدى أولياء الأمور التى يتابع ابنها دروسا على الإنترنت مزايا الخدمة الجديدة. ثم تستطرد أن هناك بعض المواد يتم تدريسها فى المدارس بشكل عقيم للغاية وبدائى مثل العلوم التى لا يقوى ابنها على فك طلاسمها دون مساعدة الكتب الخارجية، مضيفة: « قد تتحول حجرة ابنى إلى معمل صغير بحيث تصبح الشاشة نافذة يرى ويتابع عبرها التجارب بشكل حى وبالتالى ترسخ المعلومة فى ذهنه. بل وقد يتم تسجيل الدرس لإمكانية استرجاعه مرة أخرى». ترشيد الإنفاق المهندس إيهاب العجرودى يشرح بدوره أن المشروع يحاول تخفيض حجم إنفاق الأسرة على الدروس الخصوصية. فإذا كانت الأسرة تخصص 50٪ من إنفاقها على الدروس، فإن المشروع قد يقدم لها خدمة بديلة لا تستقطب سوى 25٪ فقط من الميزانية. توضح هبة أم لبنتين تستخدمان البرنامج أن المشروع أيضا يسمح باختيار المدرس، فالقائمون على «أستاذ أون لاين» يجرون استطلاعات للرأى يتم من خلالها ترشيح المدرسين المتميزين ويتم فى النهاية اختيار المدرس الذى حصل على أعلى أصوات. ومن ناحيته، يؤكد الأستاذ اسحق عشم أحد مسئولى الخدمة أن اختيار الأستاذ لا يخضع فقط لمستواه العلمى ولكن أيضا لقدرته على الاتصال، فليس كل مدرس قادرا على الاتصال بالأساليب الحديثة. نحن نسعى لتطوير أداء المدرس عموما». ورغم حداثة الفكرة التى واجهت منذ ظهورها الكثير من المعوقات مثل شيوع النظرة التقليدية القائمة على التلقين والحفظ وبعض المشكلات التقنية فإن الفكرة لاقت نجاحا بين أولياء الأمور. فنظرة واحدة على فصول المدارس فى الثانوية العامة التى أصبحت خاوية من روادها تؤكد أن المستقبل ربما يكون لهذه النوعية من الحصص. فميزانية التعليم التى تبلغ حوالى 25 مليار جنيه فى العام الواحد لا تسمح بإنشاء أكثر من 300 مدرسة سنويا، وهو رقم لا يتناسب مع الزيادة المطردة فى عدد السكان والطلاب الذين يصل عددهم أحيانا إلى ثمانين تلميذا فى الفصل. و مع كل محاولات الوصول بالخدمة إلى مستحقيها، فإن عدم جودة الشبكة فى الأحياء الشعبية والعشوائيات يخلق نوعا من التمييز غير المقصود... فأحياء مثل عين شمس تكاد تكون محرومة من انتظام الخدمة.