ومع اقتراب الامتحانات تزداد صرخات ملايين المصريين من التكلفة الباهظة للدروس الخصوصية، وتنتاب أولياء الأمور حالة من الخوف الشديد من إخفاق أبنائهم في مادة ما، أو الرسوب بمادة أخرى، وحينها يبدأ ولي الامر بتوفير كل قرش لإعطائه للمدرس الخصوصي حتى ولو كان على حساب الطعام والشراب في ظل انهيار للتعليم الحكومي. وأظهرت دراسة رسمية أن الدروس الخصوصية تلتهم سنويا ما بين 12 و15 مليار جنيه من ميزانيات الأسر المصرية، التي تلجأ في كثير من الأحيان إلى الاقتراض لسداد أجور المدرسين الخصوصيين. وكشف استطلاع للرأي أجراه مركز المعلومات بمجلس الوزراء مع عينة من أولياء الأمور أن 60 ' من الأسر التي لديها أبناء في مراحل التعليم قبل الجامعي تعاني من ظاهرة الدروس الخصوصية، وأن 37 ' من الأسر التي لديها ابن أو أكثر يحصل على دروس خصوصية تنفق أقل من 100 جنيه شهريا، بينما بلغت نسبة الأسر التي تنفق ما بين 100 إلى 250 جنيها شهريا نحو 35 '. وأكدت دراسات حديثة أنه بجانب الإنفاق العائلي عليها هناك 1.5 مليار جنيه تذهب لشراء الكتب الخارجية في الوقت الذي تعاني فيه مصر من معدل نمو منخفض، إلا أن المشكلة ليست اقتصادية فقط بل لها آثارها الاجتماعية السلبية على الطلبة في المستقبل، حيث التعود على الاعتمادية والخمول العقلي وعدم خلق مشروع باحث جيد يبحث عن المعلومة والمعرفة بأسلوب علمي معاصر. ويرى خبراء ان ظاهرة الدروس الخصوصية مسئولية ثلاثة عناصر: الأول هو المدرس الذي يعاني من صعوبة الحياة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وخاصة مع انخفاض مستواه المادي، والثاني هو التلميذ الذي لم يفهم جيدا ويحتاج للمزيد من التوضيح له، إذ أصبحت الساعات الرسمية للدراسة داخل الفصل لا تكفي لإيصال المعلومات للتلميذ ومن ثم يطالب ولي أمره بمساعدته بدرس خصوصي، أما العنصر الثالث فهو ولي الأمر الذي يستجيب لرغبة الابن أو الابنة ويتحمل نفقات الدروس الخصوصية. لانه لايستطيع القيام بدورالمعلم. فضلاً عن أن الكتاب المدرسي ذاته بحاجة إلى ثورة شاملة من حيث التقسيم، والتفسير والفهرسة، وشرح المصطلحات الصعبة،.ومن بين العوامل التي ساهمت في خلق جيل الدروس الخصوصية هو نمطية الامتحان، وقدرة محترفي الدروس الخصوصية من المعلمين على توقع وتخمين أسئلة الامتحان، وبالتالي يلجأ الطالب إلى ذلك للحصول على درجات مرتفعة، لكن المشكلة الأكثر خطورة أن الدرس الخاص يخلق من الطالب شخصاً اتكالياً لا يهتم بما يدور داخل الفصل المدرسي، وليس مهتماً بما يشرحه المعلم لأن لديه بديلاً آخر خارج المدرسة.
الطلاب وأولياء الأمور ويقول الطالب حمدي عبدالله الصف الاول الاعدادي: أنا لا ألجأ للدروس الخصوصية إلا في نهاية العام أو في الخصم (قبل الامتحانات مباشرة)؛ ففي الأسابيع الاخيرة يمكنني الإلمام بمنهج أي مادة والاستعداد لدخول الاختبار الخاص بها لان المعلمين في هذه الفترة بيعلنوا عن خصومات مثلا (احضر حصة شرح تاخذ حصة مراجعة هدية) 2في1 يا بلاش. اما الطالب محمد مصطفى الصف السادس الابتدائي فيقول: إنني مضطر للجوء إلى الدروس الخصوصية؛ فالأساتذة لا يتطرقون إلى الكثير من الجزئيات في المادة التي لا يمكنني فهمها بمفردي، لذلك فأنا حريص على الدروس الخصوصية، لأنه أصبح مطلوباً منا أن نحصل على درجات مرتفعة في كل المواد، وهناك بعض المواد التي تتصف بصعوبتها لهذا فأنا الجأ للدروس الخصوصية. لكن أحمد حسن يقول-الصف الخامس الابتدائي: قلت لأبي أمتى بقى هنأكل لحمة يا بابا؟ رد عليا:لما نخلص الدروس وتفيض فلوس. يحكي محمد صلاح الدين ولي امر لطالب في المرحلة الثانوية:'قال لي ابني ان مدرس الرياضيات سوف يعيد شرح المنهج مرة اخري بجانب اعطاء اسئلة هامة وحصة الشرح حصة المراجعة اقل من ثمن الحصة الاساسي بخمسة جنيهات فقلت له اذهب وبعد حضور الحصة اكتشف ان اولا الحصة لا تستغرق ساعة ثانيا:ان المدرس يقول ان من يحضر المراجعة لاخرها هو فقط من يحصل على ملزمة الاسئلة الهامة والتي يحجزها الطالب رغما عنه والتي يعادل ثمنها ثمن حصة. يقول منصور عباس - أب لطالبين أحدهما بالمرحلة الإعدادية والثاني بالمرحلة الثانوية-: ' إنني أصبحت لا أنشغل مع بدء العام الدراسي إلا بالتفكير في كيفية توفير تكاليف الدروس الخصوصية التي لا بد أن يحصل عليها أبنائي في ظل التردي الواضح في العملية التعليمية داخل المدارس؛ إنني أصبحت أكره موسم الدراسة بشكل كبير، وكأنني أنا الطالب ذلك لما يحدث من انقلاب داخل المنزل، وحالة الطوارئ الدائمة والتي تزداد في نهاية العام حين تقترب الامتحانات
آراء المدرسين ويقول ابراهيم محمد مدرس رياضيات- ما يدفعني إلى إعطاء دروس خصوصية هو المادة، فأنا شاب وأرغب في الزواج ولو أنني اعتمدت على راتبي الضئيل فلن أتمكن من الزواج أو حتى أن أحيا حياة هنيئة، فالدروس هي الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق وتحقيق الحياة الكريمة، وإلا فكيف لي أن أفكر في تكوين أسرة والعيش كبقية خلق الله؟!. ويقول محمد رمضان، مدرس بالمرحلة الإعدادية: إن الرواتب لا تكفي ولا تفي بمتطلباتنا الأسرية؛ فأنا أب وأبنائي في مراحل التعليم المختلفة، ناهيك عن نفقات المأكل والمشرب ورسوم المدارس وغيرها، وهو أمر لا يقدر عليه أي مدرس إلا إذا اضطر إلى الدرس الخصوصي، ومهما تكن مكافأة الامتحانات فلن تكون الأوضاع المادية للمدرس قادرة على مواجهة متطلبات المعيشة. اما مصطفى سعد يقول: انا عمري ما اجبرت تلميذ للدخول عندي في درس فانا اسعى لكسب عيشي؛ حالي حال معظم المصريين في كل المجالات وكل على طريقته فعلى الاقل ما افعله شيء مشروع او بمعنى اوضح انا اقدم جهدا مقابل ما احصل عليه من المال. فأنا لم الجأ الى الرشوه اوالفساد واكاد اجزم ان المدرس اذا تقاضي الاجر الكافي فقط للعيش لن يهين نفسه لمثل هذه الامور. وبرغم ما يحققه الكثير من المدرسين من عوائد مالية ضخمة تقدر في بعض الأحيان بعشرات أضعاف ما يتقاضونه من مرتبات إلا أن الدروس الخصوصية تترك أثرها حيث يشعر بفقدان سلطته على الطلاب إذ إن الكثير من الطلاب يعتبرون أخذهم دروساً خصوصية من المدرس يذيب للفوارق المعتبرة بين المدرس والطالب، ويحدث لون من ألوان الفوضى في العلاقة بينهما، وليس تقارباً كما يظن البعض، وهو ما يصيب المدرس بعدم احترام لذاته، يتنامى مع مرور الوقت حتى يصل لمرحلة التبلد. كما يصاب الكثير من المدرسين بالاكتئاب الناتج عن إحساسهم بعدم مراعاة الضمير خلال عملهم بالمدرسة لدفع الطلاب لأخذ دروس خصوصية؛كما يعاني مدرسو الدروس الخصوصية من حياة أسرية مرتبكة، ذلك لأنهم يغيبون عن منازلهم أغلب ساعات اليوم، ولا يعودون إلا عند النوم؛ ففي الصباح المدرسة، ثم الدروس الخصوصية كل ساعات النهار وأغلب ساعات المساء.
أمر غير صحى ويقول الدكتور احمد زكي بدر وزير التربية والتعليم في لقائه مع زوار الموقع الالكتروني للحزب الوطني بحضور د. علي الدين هلال أمين الاعلام ان الدروس الخصوصية شيء غير صحي وهي موجودة في الخارج ولكنها في أضيق الحدود ولدينا خطة وسياسة لمواجهتها من خلال أن تكون المدرسة جاذبة للطالب وعدم حشو المناهج وتوصيل المعلومة بسهولة ويسر وادخال وسائل تكنولوجية للشرح والمعامل وان تكون الامتحانات لا تعتمد على الحفظ والنمطية حتى لا يلجأ الطالب إلى الدروس وأن تتوافر الاماكن للطلبة بالجامعات لمن يريد أن يستكمل دراسته. إن مبادرة وزارة التربية والتعليم لمجابهة هذه الظاهرة المؤسفة قد تكون شيئا ايجابيا اذا تحقق فنتمنى للخطط والسياسة الجديدة ان تعالج مرض الدروس الخصوصية نفسه! فاللهَ سبحانه لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.