قرية الشعراء هى المدخل الشرقى لمدينة دمياط، وتشتهر برش ودهان الموبيليا، ففيها 4 آلاف ورشة لرش «البوليستر»، وهو ما أدى لإصابة معظم سكانها بالتحجر الرئوى. عدد سكان قرية الشعراء نحو 45 ألف نسمة، ويعمل أهلها بهذه المهنة التى يتضرر منها العمال والأطفال والأمهات والأبناء، وبسبب رش الموبيليا بصورة عشوائية وبشكل مخالف لقوانين البيئة بدت القرية وكأنها تقتل نفسها بنفسها. الأرقام تشير إلى أن عدد المترددين على مستشفى الصدر بدمياط خلال الثلاث سنوات الأخيرة بلغ 122 ألف حالة، منها 98 ألف حالة نزلة شعبية و24 ألف حالة ربو شعبى، وذلك بسبب المواد المستخدمة فى ورش البوليستر والمحظورة عالميا، خاصة فى قرية الشعراء والقرى المجاورة لها، بعد أن انتقلت هذه المهنة إلى هذه القرى. اختار «برنامج سيم» وهو برنامج بيئى قامت محافظة دمياط بإعداد خطته بالتعاون مع جهاز شئون البيئة المصرى وإدارة التنمية الدولية البريطانية، وبدعم فنى من استشاريى مشروع دعم التقييم والإدارة البيئية قرية الشعراء كأسوأ قرية بيئية عام 2004 على مستوى العالم. ومن القصص المعروفة فى قرية الشعراء موت إحدى السيدات بسبب رش البوليستر فى ورشة تحت المنزل، وكان من يقوم بالرش ابنها، كذلك موت وإصابة الأطفال فى هذه المنطقة بسبب الرش. ويؤكد رئيس جمعية حماية المستهلك، مهندس جمال ماريا، أن الضرر مؤكد على الرئة من استخدام هذه المواد للمحيطين بها على مسافة 5 أمتار، لأنها كيماويات نارية وتصنع «زجاجيات» فى الرئة، إذا لم يتم استخدام ملابس واقية للمستخدم. وطالب ماريا بحظر تداول مواد الرش الكيماوية، فى إطار أنها مواد خطرة ويتم الترخيص لتداولها على أنها مواد خطرة، لمن يملك «كابينة» خاصة للرش داخلها، للاستخدام الآمن، ولا تباع إلا لمن يمتلك هذه «الكابينة». ويشير مفتش أول إدارة شئون البيئة بدمياط المهندس عادل الديك إلى أن بداية دخول مادة البوليستر والبولى إيتان إلى مصر كان فى عام 1994، وهى مواد كيماوية نارية تستخدم كدهانات مستحدثة فى صناعة الأثاث. ودهان الأثاث أحد المراحل المهمة فى هذه الصناعة التى تعتبر العصب الاقتصادى لمحافظة دمياط، وقد سيطرت هذه الدهانات النارية على أذواق الزبائن منذ دخولها، وأصبح المنتج مطلوبا بهذه الدهانات. وانتشرت هذه الدهانات على مستوى الورش فى قرى دمياط بشكل أكثر، لتؤدى لاختفاء طريقة الدهانات اليدوية القديمة والآمنة. وانتشرت هذه الورش فى قرية الشعراء أولا، ثم القرى المجاورة لها، كقرية عزب النهضة والبصارطة، وباقى القرى، مما يعرض حياة عمال المهنة للخطر أولا والمواطنين والبيئة المحيطة ثانيا. ويضيف الديك: تقدمت بمذكرة إلى وزيرة البيئة السابقة نادية مكرم عبيد تحمل بعض الحلول والمقترحات، ومنها إقامة كبائن محلية ومستوردة، وتمت الموافقة على تعميم تلك الكبائن على مستوى مدن وقرى دمياط، وتقديم دراسة الأثر البيئى لتلك الكبائن، بناء على تقرير الدكتور مصطفى رجب المستشار البيئى للوزارة فى ذلك الوقت، وفى خلال تلك الفترة تم إنشاء 50 كابينة محلية الصنع ومستوردة فى قرية الشعراء وحدها، وفى قرية البصارطة 19 كابينة، وعزب النهضة 23 كابينة، وقرية السنانية 18 كابينة. إلا أن عدد الورش فى هذه القرى 4 آلاف ورشة تقريبا، وهذه نسبة كبيرة، كما يضيف الديك، «لذلك هناك حملات مكثفة ضد هذه الورش، وفى إدارة البيئة نُلزم أصحاب تلك المهنة باستخدام الأسلوب الآمن للتعامل مع هذه المواد الخطرة من خلال الرش والدهانات بالكبائن الآمنة والمستوفية للاشتراطات البيئية والتراخيص والصحة والسلامة المهنية. ونحرر يوميا مخالفات لهذه الورش المخالفة». وأكد رئيس لجنة البيئة بمجلس محلى محافظة دمياط د.مجدى السيد أن اتفاقا سيتم بين الصندوق الاجتماعى ومحافظة دمياط، بإعطاء قرض جماعى يبدأ من 700 ألف جنيه بحد أقصى مليون جنيه، لعمل كبائن لرش الموبيليا خارج المجمع السكنى فى قرية الشعراء. وهو المسعى الذى يهدف لإنقاذ هذه القرية التى هربت الأجيال الجديدة منها، وتركت المهنة، فيما استسهل البعض منهم وتاجر فى المخدرات وهى التجارة المنتشرة الآن وبكثافة فى «الشعراء».