انتهت وزارة القوى العاملة من إعداد مشروع قانون الحريات النقابية، الذى ينظم عمل النقابات العمالية ومنظمات رجال الأعمال والغرف التجارية، والذى سيعرض على مجلس الوزراء بعد الحصول على ملاحظات الجهات السابقة. وكان وزير القوى العاملة، أحمد حسن البرعى، قد أصدر إعلانا بإطلاق الحريات النقابية، الشهر الماضى، وهو ما سيتم تفعيله بإقرار القانون الجديد، الذى يلغى، قانون النقابات العمالية 35 لسنة 1976 وتعديلاته، وكذلك قرار رئيس الجمهورية بتنظيم اتحاد الصناعات الصادر نفاذا للقانون 21 لسنة 1958، وأيضا القانون 189 لسنة 1951 بشأن الغرف التجارية. السماح بالتعددية النقابية، سواء للعمال أو أصحاب الأعمال، هو أهم ما يميز القانون الذى ينص فى مادته الرابعة على أن «تحل عبارة (المنظمة النقابية المعنية) أو (اتحاد النقابات المعنى) إن وجدت محل عبارة (اتحاد نقابات عمال مصر) إن وجدت فى قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، وفى كل القوانين والقرارات المعمول بها. بمقتضى هذه المادة، تثار علامات استفهام كبيرة حول وجود اتحاد عمال مصر، ومصيره، حيث تنفى هذه المادة شرعية وجوده نظرا لأنه يعمل بمقتضى قانون النقابات العمالية السابق. ويضم اتحاد العمال فى عضويته نحو 3 ملايين عضو، معظمهم من العاملين فى الحكومة وقطاع الأعمال. ويعطى القانون، فى مادته الخامسة، للمنظمات العمالية ومنظمات أصحاب الأعمال التى سبق تشكيلها قبل إصداره الحق فى ممارسة نشاطها إلى حين توفيق أوضاعها وفقا لأحكامه خلال 6 شهور من تاريخ إصداره، وإلا زالت عنها صفة الشرعية ولا يعتد بتمثيلها. استند القانون كما هو وارد بمذكرته الإيضاحية إلى الاتفاقيات والتوصيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية، والتى وقعت عليها مصر. مضمون هذه الاتفاقيات، بحسب المذكرة، أن «الحرية النقابية صارت من الحريات الأساسية للإنسان وتمارس على المستوى الفردى؛ بمعنى إعطاء الحق لكل مواطن توافرت فيه الشروط القانونية الحق فى تكوين نقابة والانضمام أو الامتناع عن الانضمام لها أو الانسحاب منها، ويترتب على هذا الحق الفردى الانتقال بالحرية النقابية من نظامها الفردى إلى نطاق جماعى بتكوين نقابات ذات شخصية اعتبارية مستقلة عن الأفراد المكونين لها». القانون يعطى الحق للعمال وأصحاب الأعمال فى تكوين منظماتهم بكل حرية بدون أى تمييز، على أن تمتنع السلطات العامة عن أى تدخل من شأنه أن يحد من هذا الحق أو يعوق الممارسة المشروعة. ولعل أهم ما جاء فى المذكرة الإيضاحية للقانون التأكيد على حق العمال فى اختيار النقابات التى ينضمون إليها، «حيث إنه من المتفق عليه طبقا لمستويات العمل الدولية أن الوحدة النقابية لا يجوز فرضها بقانون وإلا كان التشريع مخالفا لمعايير العمل الدولية، وليس هناك ما يمنع من اعتبار ذلك أمرا مشروعا طالما كان العمال هم الذين اختاروا الوحدة النقابية. وأيا كان الأمر فإن حرية الاختيار هذه تعد من أسس ودعائم الحرية النقابية. وهذا المبدأ يتعلق به حق العمال فى تحديد بنيان وتركيب النقابات وحقهم فى إقامة أكثر من نقابة فى أى منشأة أو فرع نشاط، وحقهم فى إقامة الاتحادات والاتحادات العامة بكل حرية». جدير بالذكر أن الاتهام بتفتيت الوحدة النقابية كان أهم الانتقادات التى وجهت للمطالبين بتأسيس نقابات مستقلة، وذلك من قبل الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، الذى كان التنظيم النقابى العمالى الرسمى. وهو الاتهام الذى رد عليه المنادون بالتعددية النقابية بأنه لا يجوز فرض الوحدة بالإجبار. وبحسب المذكرة الإيضاحية للقانون «فالقوانين المتعاقبة الصادرة لتنظيم النقابات العمالية ومنظمات أصحاب الأعمال تضمنت العديد من المواد القانونية التى تعطى الدولة الحق فى التدخل فى تكوين النقابات وتنظيم أعمالها، والرقابة المالية على أعمالها وكذلك التدخل فى تشكيل منظمات أصحاب الأعمال، وفى تنظيم لوائحها الأساسية مما كان محل انتقاد باستمرار لجمهورية مصر العربية فى المحافل الدولية». ومن هذا المنطلق فالقانون لا يجيز للدولة التدخل فى أعمال النقابات بأى شكل من الأشكال. وكانت منظمة العمل الدولية قد وضعت مصر على ما يسمى بالقائمة السوداء للدول التى لا تحترم الحريات النقابية، ومن المتوقع أن يرفع اسم مصر من هذه القائمة بعد إقرار القانون الجديد، الذى يراعى فى بنوده كل الانتقادات التى وجهت لمصر. ومن ضمن الفئات التى أعطى لها القانون الحق فى تأسيس تنظيماتها النقابية المستقلة «عمال الزراعة المؤقتون والموسميون والخدمة المنزلية والعاملون لحسابهم وأصحاب المهن الحرة وأصحاب المعاشات والعاملون المفوضون بسلطات صاحب العمل فى كل أو بعض هذه السلطات، حيث كانوا مستبعدين من تشكيل نقابات لهم، وكان ذلك مثار انتقاد من لجنة الحريات بمنظمة العمل الدولية». «هذا القانون ينسف القانون السابق تماما، والذى كان الركن الوحيد الذى يستمد منه اتحاد العمال قدرته على البقاء بعد انهيار نظام مبارك وحل الحزب الوطنى وأمن الدولة، وهى الجهات الداعمة له». كان هذا هو التعليق الأول للمنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، كمال عباس، الذى أبدى تفاؤله بمشروع القانون. عباس أوضح أن المشروع يترك للعمال أنفسهم تحديد شكل النقابة من حيث أن تكون على مستوى المنشأة أو المهنة أو محددة جغرافيا. كذلك فبحسب المشروع، لا تتدخل وزارة القوى العاملة فى عمل النقابات بما فى ذلك إيداع أوراقها الذى يتم فى المحكمة، وهو ما يعطى للنقابات استقلالية عن الدولة، بحسب عباس، وذلك على عكس القانون السابق. وقد لاقى مشروع القانون استحسان الاتحاد المصرى للنقابات المستقلة، بحسب عضو الاتحاد، نبيل عبدالغنى، الذى قدم مقترحات يبعض الإضافات منها إضافة للمادة الخامسة، التى تنص على قيام المنظمات النقابية التى سبق تشكيلها إصدار القانون بتوفيق أوضاعها خلال 6 شهور، حيث اقترح النص على «تقوم المنظمات النقابية الحالية بإعادة تأسيس نقاباتها وبنائها بشكل اختيارى يجمع التفويضات من كل عامل يرغب فى الاشتراك بها ووضع لوائحها وعرضها على الجمعيات العمومية بالنقابات فى المنشآت ثم النقابات العامة ثم الاتحاد». وفسر عبدالغنى مقترحه بأن اتحاد عمال مصر بنى على الإجبار، حيث كانت الإدارات فى المنشآت الحكومية تعتبر العامل أو الموظف عضوا فى الاتحاد بمجرد تعيينه، وبغض النظر عن تقدمه بطلب للانضمام للاتحاد من عدمه، بل وكانت تقوم بخصم الاشتراك دون إرادته. كذلك طالب عبدالغنى بالنص على حصول النقابة على صورة كاملة من ميزانية المنشأة وبها تفصيلات عن الأجور والربحية، حيث ستقوم النقابة بالتفاوض مع الإدارة على الأجور، وبالتالى فمن الضرورى أن تكون لديها المعلومات الكافية التى تؤهلها للقيام بعملية التفاوض. واعتبر عبدالغنى أن مشروع القانون «يمثل ثورة 25 يناير بحق ويضمن للعمال المصريين اختيار نقاباتهم من جديد وبشكل طوعى. فأهم شىء فى القانون أنه مبنى على حق العمال فى الاختيار وفى تأسيس النقابات التى تعبر عنهم فعلا، على عكس قانون النقابات القديم». ومن المقرر أن تقدم الجهات المعنية بالقانون ملاحظاتها عليه خلال أسبوعين، ليتم عرضها على وزير القوى العاملة، ثم عرض القانون بتعديلاته على مجلس الوزراء ثم المجلس العسكرى لإقراره.