فى أعقاب ثورة 25 يناير، تعالت الأصوات مطالبة بأن يشمل التغيير مستوى الإدارة المحلية، استنادا إلى أن المحافظين وأعضاء المجالس الشعبية المحلية الحاليين ينتمون إلى النظام السابق وإلى الحزب الوطنى الديمقراطى الذى يهيمن على نسبة 98،5% من مقاعد هذه المجالس، وهى نسبة لم تقل عن 95% فى جميع الانتخابات المحلية، سواء فى ظل القوائم الحزبية المطلقة فى الفترة من عام 1983 إلى عام 1997 أو فى ظل الانتخابات الفردية، منذ عام 1997. كما أن القانون ينص على أن المحافظين يمثلون السلطة التنفيذية المركزية وعلى اعتبارهم مستقيلين باستقالة رئيس الجمهورية أو بانتهاء مدة رئاسته، على أن يستمروا فى تأدية أعمالهم إلى أن يصدر الرئيس الجديد قرارا بتعيين المحافظين الجدد. وإذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد أدرك الوضع القانونى للمحافظين فأكد فى أحد بياناته استمرارهم فى أعمالهم إلى أن يصدر قرار بشأنهم، فإن الوضع مختلف بالنسبة للمجالس الشعبية المحلية، حيث لم تتحدد رؤية الحكومة بالنسبة لها حتى الآن، خاصة فى ظل دعوة الكثيرين إلى حلها. وقد يرجع غياب هذه الرؤية لدى حكومة تسيير الأعمال إلى اعتبارات كثيرة بعضها قانونى وبعضها واقعى. فالقانون الحالى للإدارة المحلية لا يجيز حل جميع المجالس الشعبية المحلية بإجراء شامل، ولكن يجيز لمجلس الوزراء أن يحل مجلسا أو مجالس محددة فقط، إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، ولأسباب يقدرها مجلس الوزراء نفسه. كما أن الحل يستوجب تشكيل لجان مؤقتة يقترحها المحافظون للقيام بأعمال المجالس فى فترة الحل. والمشكلة هنا تتمثل فى أنه كيف يتسنى للمحافظين الذين يعتبرون فى وضع المستقيلين اقتراح تشكيل لجان مؤقتة لنحو 1750 وحدة محلية فى 29 محافظة على جميع مستويات الإدارة المحلية (المحافظة، والمراكز، والمدن، والأحياء، والقرى)؟ وإضافة إلى ما سبق، يستوجب حل المجالس الشعبية المحلية ضرورة انتخاب مجالس جديدة فى خلال 60 يوما من تاريخ الحل، وهو ما يبدو صعبا فى الفترة الانتقالية إلى جانب انتخابات مجلسى الشعب والشورى ورئيس الجمهورية. وقد يكون المخرج للمشكلة القانونية هنا فى حالة الإصرار على حل المجالس الشعبية المحلية صدور مرسوم بقانون من المجلس الأعلى للقوات المسلحة يلغى المادتين 144، و146 الواردتين فى قانون الإدارة المحلية والمتعلقتين بشروط حل المجالس الشعبية المحلية، والنص على تشكيل مجالس مؤقتة تضم أشخاصا يمثلون منظمات المجتمع المدنى ويحظون بالقبول العام من جانب المواطنين والأحزاب والقوى السياسية المختلفة فى الوحدات المحلية، وذلك إلى حين الانتهاء من الفترة الانتقالية أو انتهاء مدة المجالس المحلية فى أوائل ابريل 2012، أخذا فى الاعتبار أن الدستور الحالى الذى ينص على انتخاب أعضاء المجالس المحلية يعتبر معطلا وأننا فى ظل الشرعية الثورية، وليست الدستورية. وبصفة عامة، وبغض النظر عن حل المجالس المحلية أو الإبقاء عليها حتى يصدر قانون جديد للإدارة المحلية أو انتهاء مدتها، فإننا يجب أن نضع فى اعتبارنا ما يلى: أولا: إن دور المجالس الشعبية المحلية فى ظل القانون الحالى محدود ولا يمكنها من التأثير فيما أحدثته الثورة من تغيير، سواء دورها فى صنع السياسات الذى يقتصر على تقديم توصيات ومقترحات وإقرار ما يعده التنفيذيون أو دورها الرقابى الذى لا يخرج عن تقديم أسئلة أو طلبات إحاطة. ولذلك، كانت الرغبة فى تعزيز هذا الدور وتقويته مطلبا دائما من جانب أعضاء هذه المجالس. ثانيا: إن المجالس الشعبية المحلية تعمل فى إطار السياسة العامة للدولة ويتعين عليها الالتزام بها، وفى حالة خروج أى منها عنها، يحق لمجلس الوزراء، بناء على اقتراح الوزير المختص بالإدارة المحلية (وزير التنمية المحلية حاليا) حل المجالس المخالفة. ثالثا: إن انتماء معظم أعضاء المجالس الشعبية المحلية إلى الحزب الوطنى الديمقراطى لم يكن مبنيا على أسس أيديولوجية، بقدر ما كان مرتبطا بكونه الحزب الحاكم الذى يوفر لهم فرصة الفوز فى الانتخابات المحلية. رابعا: إننا نتطلع فى الفترة القادمة إلى وجود حوار مجتمعى يطرح رؤية مستقبلية للإطار الدستورى والقانونى لشكل نظام الحكم المحلى المناسب لمصر ما بعد ثورة 25 يناير، بحيث يعالج سلبيات الإدارة المحلية الحالية ويأخذ فى اعتباره طبيعة المرحلة الجديدة التى تتطلب المزيد من فرص وآليات إشراك المواطنين فى صنع وتنفيذ السياسات، ومساءلة القيادات المحلية، فضلا عن النزاهة والشفافية، والاستجابة لاحتياجات ومطالب المواطنين والتفاعل مع مشاكلهم والعمل على سرعة حلها، وواضعا إرضاء المواطن هدفا أساسيا لكل أنشطته وقراراته، ومبنيا على الجدارة والكفاءة فى اختيار المحافظين ورؤساء الوحدات المحلية، وليس على أساس النظر إلى المناصب المحلية على أنها مكافأة نهاية خدمة تمنح للبعض، بغض النظر عن مدى أهليتهم وجدارتهم لذلك.