«المواطنون يصرفون على مكالمات المحمول ما يتجاوز الدعم الذى تتكلفه الموازنة»، كان هذا تصريح لأحمد عز، رئيس لجنة الخطة والموازنة فى مجلس الشعب، ورئيس مجموعة العز، فى مناقشات الموازنة بالمجلس قبل أسبوعين، موضحا أن أرباح شركات المحمول الثلاث تتجاوز ما يتم تخصيصه من دعم للهيئات الاقتصادية. ويثير هذا التعليق التساؤل حول إنفاق المصريين على المحمول، خاصة مع التوسع الكبير فى أعداد المشتركين، حتى إن معظم التقديرات رأت أنه أقل تأثرا بالأزمة العالمية مثل الطعام والشراب،و لم يعد يصنف من سلع الرفاهية. ورغم زيادة عدد مشتركى المحمول الذين جاوزوا ال 40 مليونا، لا تعتبر مصر من الدول عالية الإنفاق على التليفون المحمول مقارنة بغيرها من الدول النامية المشابهة فى مستوى الدخل، إذ تقارن ماريز أنانيان، محللة مالية لقطاع اتصالات فى بنك استثمار المجموعة المالية هيرمس، بين معدل استهلاك الفرد من المحمول فى الشهر الذى يتراوح 9 و10 دولارات ونظيره لدول فى المنطقة مثل المغرب وتونس والجزائر التى يصل الاستهلاك الشهرى فيها 12 و14 دولارا، بما يوضح أن نصيب الفرد من الاستهلاك فى مصر منخفض، «ويبدو أقل كثيرا بالنظر إلى دول الخليج التى يبلغ متوسط استهلاك الفرد فيها من المحمول إلى 60 دولارا». ويشير أحدث تقارير بنك استثمار فاروس إلى أن إنفاق المصريين على الاتصالات قد بلغ 4% من الناتج المحلى الإجمالى فى نهاية 2008، وهى نسبة متوافقة مع المتوسط العام فى الدول العربية، حيث تتراوح هذه النسبة بين 2 و4% فى دول الخليج وبين 4 و5% فى شمال أفريقيا، كما تقول أنانيان. وقد تزايد الإنفاق على خدمات المحمول لأن «بعض السلع كانت تعتبر رفاهية فى أزمنة سابقة، ولم تعد كذلك الآن»، كما تقول هبة الليثى، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، فظروف العصر تجعلها أساسية، جهاز التليفزيون على سبيل المثال، «هناك سلع يمكن أن يعيش الإنسان بدونها ولكننا لا نريد أن نجعل الناس تعيش على حد الكفاف» كما تقول الليثى، كما أن كثيرا من أصحاب المهن البسيطة يعتمدون عليه فى وصول زبائنهم إليهم. من جهة أخرى فإن المحمول انتشر فى مصر فى وقت كان فيه الاشتراك فى الشبكات الأرضية مرتفع التكلفة، وإمكانية الاشتراك فى خط جديد غير متاحة، ومرتفعة التكلفة إذا أتيحت، وبالتالى وجد الكثيرون أن شراء جهاز محمول وخط سيكون أرخص من الهاتف الثابت. ومن جهة أخرى، ترى الليثى أن فاتورة المحمول فى مصر مرتفعة ليس بسبب كثرة الاستخدام ولكن نتيجة لارتفاع سعر الدقيقة فى شبكات المحمول الثلاث. وتصل نسبة انتشار خدمات المحمول فى مصر حاليا إلى 55%، وهى مقاربة لمعدل الانتشار فى دول المغرب العربى، بينما تختلف تماما عن الوضع فى دول الخليج التى يبلغ الانتشار بها 150%، وهى مرشحة للزيادة لتصل إلى 200%. ويحسب معدل الانتشار بالتركيز على الفئة المستهدفة وليس إجمالى السكان، بالنظر إلى الشريحة العمرية الأكثر استخداما للمحمول ونسب البطالة فى السوق وعدد من العوامل الأخرى. وتوضح أنانيان أن عدد المشتركين الجدد فى خدمات المحمول سيتراجع إلى 8 ملايين مشترك فى 2009، من خلال الشركات الثلاث المقدمة للخدمة، مقابل 12 مليونا فى العام السابق، متوقعة وصول معدل الانتشار إلى 80% ولكن ببطء حتى عام 2015 ليصل السوق حينئذ إلى التشبع. ويقارن تقرير فاروس بين نمو قطاع الاتصالات فى مصر والدول النامية والعالم خلال عشر سنوات مضت، ليصل إلى أن الإنفاق المحلى على الاتصالات قد نما بشكل متواصل خلال هذه السنوات، وشهدت الخطوط الأرضية نموا مستقرا حتى عام 2005، إلا أن الإنفاق عليها قد بدأ يتراجع بعد ذلك «مع إحلال المحمول محل الثابت»، بينما زاد الإنفاق على التليفون المحمول بشكل مطرد ليصل إلى 2,9% من الناتج المحلى بنهاية 2008. يشبه نمط تطور قطاع الاتصالات فى الدول النامية نفس النمط الذى سارت عليه الدول المتقدمة، من نمو سريع فى السنوات الأولى ثم استقرار وتباطؤ فى توسع خدمات التليفون المحمول نتيجة ارتفاع نسبة التغطية، وفى المقابل تراجع فى نمو خدمات الهاتف الثابت. وقد وصلت سوق المحمول فى معظم الدول المتقدمة إلى التشبع فى عام 2005، تبعا لفاروس، بعد أن أصبحت تغطى 97,2% من المستهلكين هناك. أما الدول النامية فقد سجلت معدلات تغطية تبلغ 69,8% بنهاية 2007، بينما تصل إلى 99,2% بإضافة دول الخليج وأوروبا الشرقية التى توسعت كثيرا فى تلك الخدمات مقارنة ببقية الدول النامية، تبعا للتقرير. ويصل إجمالى عدد المشتركين فى خدمات التليفون المحمول لدى الشركات الثلاث العاملة فى مصر إلى 41.272 مليون، حسب أحدث بيانات وردت على موقع الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، بينما يبلغ عدد المشتركين فى الخطوط الثابتة 11.706 مليون حتى نهاية 2008 (ويتم حساب انتشار التليفون الثابت على أساس عدد الأسر وليس الأفراد كما فى المحمول). ومازال من المتوقع أن يشهد القطاع نموا خلال العامين المقبلين ولكن بمعدلات أبطأ من السنوات السابقة، وسيشهد الإنفاق على الاتصالات استقرارا خلال الفترة المقبلة، تبعا لتقديرات فاروس، «لأن الشرائح التى لم تتم تغطيتها بعد، سواء بالخطوط الثابتة أو المحمولة، تتركز فى أصحاب الدخول المنخفضة، ومن غير المرجح أن تضيف كثيرا لعدد المستخدمين للخدمات أو للإيرادات». أما عن فكرة التباهى فى استخدام المحمول، والتقليد فى ضرورة اقتناء أحدث الموديلات، فهى تعبر عن ثقافة مجتمعية، كما تقول هبة الليثى، لا تقتصر على هذا المجال وحده بل تمتد للملابس والطعام والسلوكيات الاجتماعية، وهى تحتاج إلى الوعى لمواجهتها، لكنها ليست الأساس فى زيادة الإنفاق على المحمول، لأنه فى كثير من الأحيان يغطى احتياجات حقيقية. أما أن يكون الشخص مستهلكا بأكثر مما يسمح به دخله، تبعا لما يراه رئيس لجنة الخطة، فهى حالات موجودة، فى رأى الليثى، ولكن لا يمكن التعميم على أساسها وبناء سياسات، فهناك شخص لا يكاد دخله يكفيه ولكنه ينفقه على المخدرات، «فهل يعنى هذا أن نعاقب باقى المجتمع بإلغاء الدعم؟».