بينما كنت أشاهد حسنى مبارك يوجه كلمة إلى الشعب المصرى، قلت لنفسى: «لم يكن ينبغى أن تسير الأمور بهذه الطريقة». هكذا بدأت كوندوليزا رايس مقالها فى صحيفة واشنطن بوست. أضافت انه «فى عام 2005 حينما كنت وزيرة للخارجية وصلت إلى الجامعة الأمريكية فى القاهرة لإلقاء خطاب فى وقت زخم الحركة المطالبة بتغيير ديمقراطى فى المنطقة. وبعد خطاب الرئيس جورج دبليو بوش استهلالا لولايته الثانية، قلت إن الولاياتالمتحدة ستقف إلى جانب من يسعون إلى نيل الحرية. وكان ذلك اعترافا، بأن الولاياتالمتحدة سعت فى الشرق الأوسط أكثر من أى منطقة أخرى إلى الاستقرار على حساب الديمقراطية، ولم تنجح فى تحقيق أى منهما. كان ذلك تأكيد على اعتقادنا أن الرغبة فى التحرر عالمية بمعنى أنها ليست غربية وإنما إنسانية وأن تلبية هذه الرغبة هى السبيل الوحيد المؤدى إلى الاستقرار الحقيقى». وبدا لبعض الوقت أن القيادة فى مصر تستجيب ليس للولايات المتحدةالأمريكية بدرجة كبيرة وإنما لشعبها، الذى كان يتوق إلى التغيير. وقد شهد المصريون لتوهم انسحاب القوات السورية فى لبنان وانتخاب حكومة جديدة، والانتخابات الحرة ذات الأصابع القرنفلية فى العراق، وظهور قيادة جديدة فى فلسطين. وبعد بضعة شهور، جرت انتخابات رئاسية أكثر حرية، وإن لم تكن حرة تماما، اثر جدل مدنى صاخب فى مقاهى مصر وعلى شبكة الإنترنت. وعلى الرغم من الفوز الساحق لحزب مبارك، بدا أن حاجزا من حواجز اللاعودة قد تم تخطيه. ولكن مبارك حول الاتجاه إلى العكس بعد فترة قصيرة. فقد كانت الانتخابات البرلمانية مثارا للاستهزاء، وظل قانون الطوارئ المكروه قائما، وأعيد سجن شخصيات معارضة، مثل أيمن نور مرة أخرى. واشتعل غضب المصريين الذى سينفجر فى نهاية المطاف من ميدان التحرير. والدرس الذى ينبغى أن يتعلمه الآخرون فى المنطقة هو ضرورة الإسراع بالإصلاحات السياسية والاقتصادية التى طال انتظارها. والآن رحل نظام مبارك. وتوجد مخاوف يمكن تفهمها من ألا تأتى عواقب هذه الأحداث على ما يرام. فالإخوان المسلمون يمثلون أكثر قوة سياسية منظمة فى مصر. وكان مبارك يقول دائما، إن الخيار كان بينه وبين الإخوان المسلمين، وقد انتهج سياسات خدمت هذه النبوءة. وفى حين تعرض العديد من القيادات السياسية المدنية والمعتدلة للمضايقات والسجن على يد النظام، تم تنظيم الإخوان المسلمين فى المساجد وعبر تقديم الخدمات الاجتماعية التى لم يستطع النظام تقديمها. وهكذا، سوف يستغرق إعداد أرض الملعب بعض الوقت. وتكمل قائلة إن الولاياتالمتحدة تدرك أن عملية الديمقراطية تستغرق وقتا طويلا، وتكون فى بعض الأحيان غير مرتبة، مضطربة وفوضوية. ولا أعنى بذلك أن اقلل من شأن التحديات التى يفرضها مستقبل غير واضح فى مصر على المصالح الأمريكية. فعلى الرغم من جميع إخفاقات مبارك، إلا أنه حافظ على سلام بارد مع إسرائيل، صارت إحدى ركائز السياسة الخارجية المصرية. وقد ساعد القيادة الفلسطينية المعتدلة، وساعد فى إبعاد حماس. غير أن خشيته من «الشارع» لم تكن السبب فى أنه لم يستطع أبدا السير فى هذا الطريق لمنتهاه. فالمستبدون لا يعرفون شعوبهم ولا يحترمونها، والشعوب تخافهم. وتعرضت الولاياتالمتحدة لقدر كبير من اللوم العلنى من أصدقائها، الذين أيدوا سياساتنا سرا، وكانوا يغذون مشاعر الكراهية ضدنا، بينما يحمون أنفسهم. وليس باستطاعتنا تحديد أفضليات السياسية الخارجية للحكومة المصرية المقبلة. غير أننا نستطيع التأثير على هذه التفضيلات عبر علاقاتنا بالجيش، والمجتمع المدنى، والتعهد بالمساعدة الاقتصادية والتجارة الحرة للمساعدة فى تحسين أوضاع الكثير من المصريين. وأهم خطوة ينبغى القيام بها الآن هى إبداء ثقتنا فى مستقبل مصر الديمقراطية. المصريون ليسوا كالإيرانيين، وما يحدث الآن لا يشبه ما جرى عام 1979. والمؤسسات المصرية أقوى، وعلمانيتها أعمق. ومن المتوقع أن ينافس الإخوان المسلمون على كسب أصوات الشعب فى انتخابات حرة ونزيهة. ويجب دفعهم لإعلان رؤيتهم لمصر. فهل يسعون لفرض أحكام الشريعة الإسلامية؟ هل يعتزمون ممارسة التفجيرات الانتحارية والمقاومة العنيفة لوجود إسرائيل؟ هل سيتخذون من إيران، أو القاعدة، نموذجا سياسيا؟ وأين ستجد مصر وظائف لشعبها؟ وهل يتوقعون تحسين حياة المصريين بالانعزال عن المجتمع الدولى عبر سياسات تهدف لزعزعة استقرار الشرق الأوسط؟ وقد قيل الكثير عن فوز حماس فى انتخابات 2006، وقوة حزب الله فى لبنان. وهناك العديد من العوامل التى تفصل بين هاتين الحالتين. ولكن حتى فى هذين المثالين، وقع نزاع بين المتطرفين عندما واجهتهم تحديات الحكم. وما سيحدث بعد ذلك يرجع إلى المصريين. والعديد منهم شباب ويمتلئون بالحماس الثورى. وسوف تواجه السياسة الديمقراطية تحديات من تعاليم الإسلام السياسى. وتدور رحى هذه المعركة فى أنحاء المنطقة فى العراق، ولبنان وبوجه خاص تركيا، حيث أفسحت عقود من العلمانية الطريق لاحتواء المتدينين فى الحياة العامة. وفى مصر، سيكون على المسيحيين وأتباع الديانات الأخرى أن يجدوا لهم موقعا، وصوتا. فما يحدث الآن ليس هو ما حدث عام 1979، ولكنه أيضا ليس ما حدث فى 1989. فقد أطلق انهيار الشيوعية العنان للوطنيين الذين طالما اعتبروا الولاياتالمتحدة «منارة للحرية». وتاريخنا مع شعوب الشرق الأوسط مختلف للغاية. بيد أن على الولاياتالمتحدة أن تدعم قوى الديمقراطية، ليس لأنها ستكون أكثر قربا لنا، ولكن لأنها ستكون أكثر تقاربا مع شعوبها. ولابد أن الشهور، بل والسنوات المقبلة، مضطربة. غير أن هذا الاضطراب أفضل من الاستقرار الكاذب للاستبداد، الذى تستغل فيه قوى خبيثة فرصة غياب الحرية لكتم الأصوات المعارضة. وتختتم انه لا شك أن الحكومات الديمقراطية، ومن ضمنها أقرب حلفائنا، ليسوا متفقين معنا دائما. غير أنهم يشاركوننا أهم معتقداتنا الأساسية وهو أن الشعب لابد أن يحكم بالتراضى. وينطبق اليوم على ما قلته عام 2005 من أن المخاوف من الخيارات الحرة لم تعد قادرة على تبرير الحرمان من الحرية. وليس أمامنا سوى خيار واحد: أن تكون الثقة فى هذه المبادئ المشتركة على مدار التاريخ أهم من الاضطرابات الفورية التى تنتظرنا، فهى فى نهاية المطاف سوف تخدم مصالحنا ومثلنا.