قبل الوصول إلى ميدان التحرير الذي كان مع أماكن أخرى في البلاد مركز انطلاق وتواصل "لثورة 25 يناير" التي أرغمت الرئيس المخلوع حسني مبارك على التنحي، أمس الجمعة، يقوم شبان وفتيات بتنظيف الأرصفة استجابة لدعوات انطلقت الليلة الماضية لتنظيف الميدان. وكان ميدان التحرير نظيفا بالفعل، وتطوع "مواطنوه" بتنظيفه، ولكن أرصفته تعرضت للتدمير يوم الأربعاء الثاني من فبراير، إذ استخدمها المتظاهرون كحجارة في الدفاع عن أنفسهم وصد طوفان ممن قيل إنهم مؤيدو مبارك الذين حاولوا اقتحام الميدان بالخيل والجمال والحجارة وقنابل المولوتوف، واستمر التراشق نحو 20 ساعة. وبدأت حملة تنظيف الأرصفة من جسر الجلاء، مرورا بدار الأوبرا، ثم جسر قصر النيل، حيث قام عدد من الشبان بغسل التمثالين البرونزيين الشهيرين بأسدي قصر النيل المطلين على ميدان التحرير. وحيا بعض الأجانب حشود المصريين الداخلين قائلين: "هابي نيو إيجيبت". وفي مدخل الميدان وقف، اليوم السبت، شاب يدعو الداخلين أن يقرأوا سورة الفاتحة "على أرواح الشهداء، حيث زاد ضحايا الاحتجاجات التي استمرت 18 يوما على 300 قتيل وألوف الجرحي". وفي الميدان الذي ازدحم بأكثر من 100 ألف مواطن تجول شبان يوزعون قفازات وأكياسا بلاستيكية لمن يريد مشاركة المتطوعين في تنظيف الميدان، ورفع بعضهم لافتات "أمس كنت متظاهرا.. واليوم أبني مصر". وبالتوازي مع تنظيف الميدان الذي يشارك فيه أجانب مع المصريين تتواصل الاحتفالات الغنائية والموسيقية بتنحي مبارك الذي تخلى، مساء أمس الجمعة، عن الحكم بعد 30 عاما، وسلم قيادة البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وتراجعت اليوم شعارات ولافتات رفعت الليلة الماضية، ومنها "الشعب خلاص أسقط النظام"، و" مصر حرة.. حسني برة"، وحلت محلها لافتات، منها "ادخلوها بسلام آمنين"، و"لو لم أكن مصريا.. لوددت أن أكون مصريا". وكان المتظاهرون ينوون البقاء في معركة سلمية طويلة النفس مع النظام، فأقاموا مسارح ومقاهي وعشر دورات للمياه في وسط الميدان جهزت مساء الخميس الماضي باستخدام ألواح خشبية تمثل جدرانا وسقفا، واستخدموا ألواحا صغيرة كفواصل. وسجلوا على جانب من دورات المياه أنها أنشئت "تماشيا مع سياسة الملل التي يمارسها النظام"، وكتب محتج أعلى الباب المؤدي إلى دورات المياه "كابينيه (مرحاض) مبارك العمومي"، ورسمت على الواجهة اليمنى للمدخل لوحة تشكيلية لامرأة تنهض في شموخ متشحة بالعلم المصري، وتتدلى على صدرها قلادة مكونة من صليب يعانقه هلال. أما الواجهة اليسرى للباب فرسمت عليها لوحة أخرى لشاب يرتدي قميصا كتب عليه "الحرية"، ويتقدم حاملا العلم المصري وهو يدوس بقدميه فوق جماجم ومخلفات كتب عليها "البلطجية" و"الحرامية" و"الأمن المركزي"، وفي خلفية اللوحة كتب محتج بخط غير جميل "يسقط حسني مبارك". وعلق أحد المحتجين علما مصريا في يد تمثال عبد المنعم رياض الذي يعد رمزا بارزا في تاريخ العسكرية المصرية. أما نقابة المحامين التي حاول من قيل أنهم مؤيدو مبارك في الأسبوع الأول للاحتجاجات اقتحامها فتسودها حركة عادية، وعلقت في الواجهة لافتة كبيرة "المحامون وثورة الشباب يد واحدة"، وعلى يمين الباب علق بيان يقول: "قرر المحامون تطهير أنفسهم.. وقرروا منع دخول الأستاذ حمدي خليفة (النقيب) وأعضاء مجلسه المنتمين إلى الحزب الوطني إلى النقابة بأي صفة عدا كونهم محامين ليس إلا"، ولكن البعض شطب كلمة "الأستاذ" التي تسبق اسم النقيب.