فى السابع عشر من الشهر الماضى، كان الشاب الحاصل على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) يبيع الخضراوات على عربة تدفع باليد فى إحدى أسواق مدينة سيدى بوزيد وسط تونس.. حاولت بلدية مدينته مصادرة بضاعته؛ بدعوى أنه لا يحمل ترخيصا بمزاولة هذه التجارة، وحين جادل موظفة البلدية صفعته، فأشعل النار فى نفسه. إنه محمد البوعزيزى (26)، الابن لعائلة من ثمانية أفراد، الذى أشعل بهذه الواقعة «انتفاضة العاطلين»، التى توسعت بسرعة لتشمل الطبقة المتوسطة، التى تعانى نسبة بطالة تقول التقديرات الرسمية إنها تبلغ 14% فيما تشدد تقديرات غير رسمية على أنها لا تقل عن نحو 25%. وبعد أن كان المتظاهرون يحتجون على تفشى البطالة وارتفاع الأسعار، بدأوا أيضا يطالبون بالحريات وإجراء إصلاحات سياسية، هاتفين ضد احتمال تعديل الدستور، بما يتيح للرئيس زين العابدين بن على (74 عاما) الترشح عام 2014 لولاية سادسة، وأيضا ضد الأحاديث عن احتمال توريث السلطة لزوجته ليلى الطرابلسى أو لصهره محمد صخر الماطرى. ومن ولاية سيدى بوزيد، مرورا بالقيروان وسوسة وبنزرت، وحتى امتدت الاحتجاجات إلى العاصمة تونس، ظل اسم «البوعزيزى» هو القاسم المشترك فى الهتافات الاحتجاجية، سواء كانت اقتصادية أو سياسية. ولم تنجح قوات الشرطة والجيش فى وقف «انتفاضة البوعزيزى»، التى يقودها من العناية المركزة فى حالة خطرة. ففى الثامن والعشرين من الشهر الماضى، زار الرئيس «بن على» الشاب البوعزيزى، وبحسب ما تم بثه من صور لم يتحدث الشاب، المغطى وجهه بالضمادات طيلة هذه الزيارة، وهو ما فهمه البعض على أنه رسالة منه بضرورة استمرار هذه «الانتفاضة». ولم يتمكن «بن على» من قمع الاحتجاجات الزاحفة نحو العاصمة بإقالته وزير الداخلية وإطلاق سراح جميع معتقلى الاحتجاجات، وفتح تحقيقات فى اتهامات فساد وممارسات عدد من المسئولين، ولا حتى بالخطاب الذى ألقاه الخميس الماضى، معلنا فيه عن حزمة من الإصلاحات السياسية. وفى السادسة من مساء أمس الأول، غادر الرئيس «بن على» تونس إلى السعودية، منهيا حكما دام 23 عاما، منذ أطاح فى انقلاب عام 1987 بالحبيب بورقيبة، أول رئيس لتونس بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1956. لكن قبل هذا الرحيل بأيام توفى البوعزيزى، ملهم التونسيين، قبل أن يعرف أن الانتفاضة التى أشعلها بجسده كتبت بدماء عشرات القتلى الصفحة الأخيرة فى حكم ساكن قصر قرطاج. المعارضة تتحدث هل يُحاكم؟ حاكمة (قرطاج) فساد عائلى