يقف «الشاويش» ذو الشارب الكث منهمكا فى تسجيل مخالفات المرور، لقطة يومية متكررة فى شوارعنا العامرة، وهى اللقطة التى اختارها القائمون على مجلة «توك توك» لتكون غلافا لمجلتهم المصورة الجديدة فى عددها الأول. هى أول مجلة «مصورّة» تستهدف الكبار فى مصر، وتقدم فن «الكوميكس»، المعنى بالقصص المصورة، وقبل أيام احتفل القائمون على هذه التجربة، وهم عدد من مصممى ورسامى الكاريكاتير، احتفلوا بتدشين المجلة فى «جاليرى تاون هاوس» بوسط البلد. كان الحضور الجماهيرى فى هذا اليوم لافتا حتى إلى أن النسخ المبدئية، التى أحضروها من المجلة نفدت فى بداية الحفل، الفنانون هم مخلوف وشناوى وتوفيق وقنديل وهشام رحمة، هؤلاء كانوا نجوم الحفل بجدارة حتى إنهم كانوا يوقعون نسخ مجلتهم على الحضور برسوم كاريكاتورية ساخرة، فكان رسام الكاريكاتير مخلوف، على سبيل المثال، يهدى توقيعه على النسخ مصحوبا برسمة «توك توك» وعليه تعليق «معاك التوك توك!»، بالحديث معه قال إن تجربة ال«كوميكس» الموجهة للكبار كانت تجربة تمنى هو وزملاؤه تقديمها منذ وقت طويل، «استغرقنا نحو عام كامل كى نستطيع تحضير هذا العمل». تحدثت معه عن تجربة رواية «مترو» المصوّرة لمجدى الشافعى التى سبق مصادرتها، فذكر أن «مترو» تعتبر رواية مصورة، فيما تعتبر «توك توك» أول مطبوعة تهتم بالكوميكس وأنها تهتم بكل ما يحدث فى الشارع لذلك اختير لها اسم «توك توك»، وبسؤالى له عما إذا كان نقدهم الساخر سيتطرق لموضوعات سياسية أجاب مخلوف «مش سياسة»، واستطرد: «أنا وقنديل وهشام على سبيل المثال نعمل فى الصحافة بالفعل ونعمل بالمادة السياسية لذلك نريد تقديم تجربة مختلفة»، ونفى أن يكون هذا العزوف له علاقة بالخوف من المصادرة. «حدث نوع من الفجوة فى صناعة الكوميكس فى مصر، لم يعد أحد ينتج هذا النوع الفنى، رغم أن هذا النوع منتشر ورائج فى الخارج»، وربما يفسر هذا الحديث لمخلوف أن تكون هذه المطبوعة من تمويل رساميها الخاص، وهو الأمر الذى يجعل هذه التجربة تواجه تحديا إضافيا وهو التحدى المادى، وحسب ما ذكرت الفنانة أسماء يوسف منسقة العمل فإن هذه التجربة» مستقلة تماما والأولى من نوعها الموجهة للكبار بخلاف مجلات الأطفال المصورة مثل (علاء الدين) و(باسم) ويكمن تميزها فى تنوع التيارات الفنية، التى ينتمى لها مؤسسوها من الفنانين ما بين جرافيك وكاريكاتير، وذكرت أيضا أن دورية المجلة ستكون فصلية. أهدى أصحاب هذا العمل المجلة إلى روح الفنان الكبير محيى الدين اللباد، وبالفعل فإن تصفح «توك توك» سيشعرك بقدر كبير من الزخم والتنوع الفنى والبصرى وكذلك الفكرى، فحسبما ورد فى مقدمة المجلة «تعمل توك توك على تكوين زحمة من القصص المصورَة مرسومة بروح حرة ومعاصرة ومحررة بأيدى رساميها أنفسهم»، ولكونها مجلة مصورَة فإن الكتابة عنها تنطوى على قدر عال من الصعوبة، خاصة أن الفكرة المصورَة فيها هى البطل، ولكن تجدر الإشارة إلى أن مؤسسيها استهلوا مجلتهم بقصة مستوحاة من إحدى القصص القصيرة، التى وردت فى المجموعة الأحدث للأديب الكبير إبراهيم أصلان «حجرتان وصالة»، وهى من رسوم هشام رحمة وسماها «أبيض وأسود»، أما القصة المصورّة الثانية فمستوحاة من رائعة الفنان الكبير حجازى «تنابلة الصبيان»، التى قدمها للأطفال فى أول ظهور لهم عام 1964 فى مجلة «سمير»، وتعاون كل من شناوى ومخلوف فى إبداع رسوم لرحلة شخصيات حجازى الشهيرة «تمبول وشملول وبهلول»، وعبروا فى قصتهم تلك عن مدى تأثير رسوم حجازى فى تكوينهم الفنى كلفتة رقيقة منهم «لم تعد تنابلة الصبيان بالنسبة لنا مجرد قصة مصورة ممتعة من ذكريات طفولتنا، ولكن أصبحت درسا مهما لكل رسام وكاتب قصص مصورة، تكشف عن احتراف وموهبة حجازى فى بناء دراما قصصه وإثراء مشاهدها، وتنم عن مدى ثقافة ورؤية سينمائية بخلاف إبهاره الدائم بأسلوبه فى الرسم، رغم بساطة خطوطه فإنها دائما (شبه الناس فى الشارع)»، وتابعوا «خلال سنوات قليلة تكون قد مرت على بداية ظهور تنابلة الصبيان تقريبا 50 سنة، ويظل التنابلة باقين همّ همّ، مواضيع قصصهم ومغامراتهم و«تنبلة» المجتمع حولهم، وكل أركان مغامراتهم باقية هى هى لم تتغير، وكأنها كتبت «طازة» هذه الأيام». المجلة حافلة بصخب الشارع المصرى ومفرداته من إشارات مرور مستعرة و«أفيشات» منتشرة ومواصلات عشوائية وما يتسبب فيه كل هذا من ضجيج غير محتمل، ووصل ذلك ذروته فى قصة «يوميات منى آخرة الوسوسة» تلك الفتاة التى تبذل مجهودا «خرافيا» يومى من أجل الوصول إلى عملها ثم «معركة» أخرى شبيهة من أجل العودة إلى بيتها، وترصد الفنانة منى سنبل فى قصتها انفعالات بطلتها منى، التى تصل إلى حد الاستغاثة والصراخ «كفاية!». نشرت المجلة أيضا إنتاج رسامة سويسرية وهى كاترينا كرايل، كانت فى زيارة سريعة للقاهرة وتحديدا لوسط البلد، ورسمت فى دفترها تدوينا بالصور للمقاهى، التى جلست بها ومن بينها قهوة الشمس والبورصة والتكعيبة، وفى هذه الرسوم تجد وجوها منهمكة فى «الدردشة» على هامش القهوة «المظبوطة» و«الشيشة» ويشترك فى هذه الطقوس، حسب كرايل، الرجال والسيدات والشباب والمسنين. المجلة ضمت أيضا موضوعات ساخرة تطرقت لعمليات التجميل والإعلانات التجارية على سبيل المثال، وفى النهاية فإن الاختلاف الفنى أو الموضوعى مع هذه المجلة وارد جدا، إلا أن التجربة فى حد ذاتها تستحق التوقف، وبالنسبة للفنانين أصحاب هذا العمل فهم يعتبرون أن المتلقى هو الحكم الأول والأخير على مدى استمرار مطبوعتهم تلك التى يتحملون تكلفتها بالكامل، وعبروا عن هذا بكلمة وردت فى بداية العدد قالوا فيها «اعتمادا على بنزينكم الفكرى والفنى و(المادى!) تزداد سرعة توك توك أكتر وأكتر!».