فكر أحمد حسين، المستشار الاستثمارى لأحد البنوك، فى أنه من الأسرع له سلوك الطريق الدائرى فى رحلة العودة من المهندسين لمنزله فى مصر الجديدة، كانت الفكرة معقولة حتى 2006، تقريبا، عندما انتفت عن الطريق الدائرى خاصية السرعة. فى 1998 كانت الآمال عالية فى قدرة الطريق الدائرى على تخفيف الزحام بأطراف القاهرة، وعلق أحد المسئولين بوزارة الإسكان (المشروع كان تابعا لها قبل نقله للهيئة العامة للطرق والكبارى) بأن هذا المشروع سيُحسن وجه القاهرة. فى هذه السنة تم افتتاح كوبرى المنيب، وهو الأطول فوق النيل بطول 2.5 كم، وأصبح ممكنا لسكان المعادى الذهاب للأهرام بدون المرور على وسط البلد، وتحول الآن إلى أكبر بلكونة فى مصر بعد أن أصبحت أرصفته متنزها صيفيا لسكان المناطق القريبة. بنفس اللهجة الحكومية الفخورة: بدأ تنفيذ مشروع الطريق الدائرى حول القاهرة الكبرى فى يونيو 1985، بطول كلى يصل إلى 100 كم، وتم افتتاح مراحله تباعا، وزادت تكلفته على 6 مليارات جنيه، لكن الصفة الدائرية ظلت غير دقيقة حتى أغسطس 2009، عندما تم افتتاح محور المريوطية الذى أغلق الدائرة هندسيا. خالد الباجورى هو الآخر كان مقتنعا بصلاحية القوس الشرقى من الدائرى فى الانتقال من مدينة نصر إلى مدينة 6 أكتوبر يوميا، كان الأمر رائعا فى سنة 2000، لكنه أصبح كابوسا فى 2010 لدرجة أن الباجورى نقل محل سكنه إلى 6 أكتوبر، فالتجمعات السكنية الجديدة (ومعظمها فاخرة) جعلت الدائرى مثل أى طريق داخلى آخر معرض لزحام يبلغ طابوره كيلومترات، وفى شتاء 2008 تسببت الأمطار فى تعطيل كل الأنفاق فى القوس الشرقى.. أنت عندما تعلق بزحام القاهرة يمكنك أن تستخدم إبداعك فى التخريمات، أو حتى تترك سيارتك وتستخدم المترو، لكن الدائرى لايزال طريقا يشق الخلاء. لم يعد بإمكانك التمتع بالمناظر الطبيعية على الدائرى، لن يمكنك حتى مشاهدة مقالب القمامة القاهرية العظيمة، لقد تسبب الطريق فى رفع التفاؤل العقارى على القوس الغربى والشمالى، فزحف العمران لمسافة أمتار قليلة من الطريق، عبارة «شقة على الدائرى» أصبحت شعبية وظهرت على هيئة آلاف الشقق المغلقة على جدران الطوب الأحمر، وعلى حافة الطريق انتشرت مواقف ميكروباص مرتجلة، وتجرأ المارة على عبوره يوميا للضفة الأخرى. تسبب الدائرى فى أزمة طبقية عند إنشاء محافظة حلوان فى 2008، فبموجب التقسيم الجديد، تحول الدائرى إلى حدود رسمية لمحافظة القاهرة من الشمال والشرق والجنوب، وأصبحت الضفة الخارجية من الدائرى تتبع محافظة حلوان، اندهش سكان منطقة الرحاب من تبعيتهم لمحافظة حلوان (الأرق حالا)، بينما لم يبتلع سكان المعادى إقصاءهم وضمهم لحلوان ذات المصانع والمحاجر، ثم حدثت أزمة قانونية لأن المحكمة الدستورية العليا أصبحت تقع خارج العاصمة، وتم الاتفاق على اعتبار الأرض التى تقع عليها المحكمة تابعة لمحافظة القاهرة. لم تعد فكرة استخدام الدائرى منطقية لسكان القاهرة، لكنها الحل الوحيد لسكان الكومباوندز، عشرات الآلاف منهم ينطلقون من بيوتهم إلى أعمالهم والعودة دون أن تطأ أقدامهم القاهرة (الأقدام هنا تعنى إطارات السيارات)، يشعرون بغربة عند نزول القاهرة (لفظ النزول صحيح لأن مناطق الكومباوندز أعلى جغرافيا من القاهرة التى تنحدر نحو النيل)، القيادة على الدائرى تتسم بالتركيز نحو الأمام بعكس القيادة داخل العاصمة التى تشبه لعبة كمبيوتر تفاعلية حافلة بالمشاهدات والمفاجآت من جانبى الطريق، ولأن سكان الكومباوندز دائما يحتاجون «دائرى ما» يتحركون عليه، فقد بدأ إنشاء دائرى آخر أوسع (الإقليمى) ليخدم الحركة المتوقعة بعد افتتاح مشروع «مدينتى». تاكسيات .. أبيض وأسود وبينهما أصفر اللوحات الجديدة .. السر فى (العلامة البصرية) توك توك .. كائنات تائهة فى شوارع مصر