منذ فجر ما يعرف ب«دولة العراق الإسلامية»، التى تضم تنظيمات عدة أبرزها القاعدة، ملف المسيحيين فى العراق، لا يمر يوم تقريبا دون استهداف للمسيحيين؛ ليستدعى الأمر أن ترسل الأممالمتحدة وفدا إلى العراق وإقليم كردستان؛ يبحث هذه الأيام أوضاع المسيحيين، وسبل حمايتهم، والحيلولة دون حدوث موجات هجرة إلى الخارج. ففى نهاية الشهر الماضى، ارتكبت القاعدة مجزرة فى كنيسة سيدة النجاة التابعة للسريان الكاثوليك بالعاصمة بغداد، مما أودى بحياة أكثر من خمسين شخصا، معلنا الحرب على المسيحيين، ومطالبا الكنيسة الأرثوذكسية فى مصر بإطلاق سراح ما يقول إنهن «أسيرات مسلمات فى أقبية الكنائس والأديرة». ومنذ هذا اليوم وأجواء رعب شديد تهيمن على المسيحيين؛ لذا عندما طلبت «الشروق» إجراء حوار مع أحد رجال الدين المسيحيين فى العراق، سارع بالرفض؛ خشية تعرضه للقتل، وبعد إلحاح وافق بشرط عدم الكشف عن هويته. فكان معه هذا الحوار عبر الهاتف عن أوضاع المسيحيين، وما ينتظرونه من بقية العرب. • فلنبدأ من الغزو الأنجلو أمريكى للعراق فى مارس 2003.. هل تضررت الأقلية المسيحية من هذا الغزو؟ بالطبع تضررنا كما تضرر بقية إخواننا من العراقيين.. فنحن كمسيحيين نبحث عن العيش فى سلام، لذا هاجر الكثيرون منا خارج العراق. • هل من مطالب محددة لكم؟ كل ما نريده هو العيش فى سلام.. ونريد تسريع وتيرة بناء الكنائس، فهى مستمرة لكن بطيئة، ومنذ سبع سنوات ونحن نحاول توسيع كنيستنا على قطعة أرض مجاورة. • ما المشاعر السائدة بين المسيحيين منذ مجزرة كنيسة سيدة النجاة؟ بالطبع مشاعر غضب، لكن لا نسعى للانتقام، فالإرهابيون يستهدفون الكنائس كما يستهدفون الوزارات، لكننا كمسيحيين غير مسيسين ومسالمين، ليست لدينا ميليشيات مسلحة، مما يجعل من السهل أن يطالبنا الإرهاب. والقاعدة تعرف جيدا أن استهداف المسيحيين سيحرك الإعلام العالمى أكثر، وهذا ما أردته، وحدث بالفعل. • ألم تتلقوا دعما من بقية العراقيين على اختلاف مذاهبهم؟ تلقينا دعما كبيرا ومشاركة وجدانية وتعازى من المسلمين، تماما كما تفعل الكنيسة عند استشهاد مسلمين، فالهم مشترك، غير أننا دوما نتلقى دعما أكبر من الشيعة؛ لكونهم فى حالة عداء مع القاعدة (السنية) التى تنفذ العمليات الإرهابية.. وقد أصدرت الكنائس العربية والأجنبية بيانات استنكار للهجمات ضدنا، فيما عرضت دول غربية. • ما رأيك فى فكرة الملاذات الآمنة للمسيحيين؟ هى حل وسط يحمى المسيحيين فى المناطق الخطرة، بدلا من الهجرة الكاملة، بحيث يتم توطين المسيحيين المهددين بالقتل فى أماكن آمنة مؤقتا، لا سيما فى إقليم كردستان شمالى البلاد، على أن يعودوا إلى مناطقهم الأصلية حين تستقر الأوضاع الأمنية. • هل تتوقع استمرار هجمات القاعدة ضد كنائس العراق، أو أن تمتد لدول عربية وإسلامية أخرى؟ كل شىء متوقع فى ظل الأوضاع الحالية.. ونأمل فى تشكيل الحكومة بسرعة للحفاظ على أرواح العراقيين.. وعلى الدول العربية الحفاظ على خليطها الدينى المتعدد، فهجرة المسيحيين ستنزع عن المنطقة العربية عروبتها، فتصير إسلامية فقط.. فمنذ مجزرة سيدة النجاة هاجر مسيحيون بسرعة، وهناك أسر تخطط للسفر، لكن ما يعوقها الآن هو أن أوراقها لم تكتمل بعد، وهناك استجابات سريعة من بعض الدول الأجنبية، مثل السويد وبلجيكا وفرنسا والولايات المتحدة وأستراليا، لاستقبال لاجئين مسيحيين من العراق. • ألا تعطى هذه الهجرة انطباعا بأن العالم الإسلامى لا يتقبل الوجود المسيحى المشرقى الأصيل، بما يصب فى النهاية فى صالح الإسرائيليين الذين يرددون فى الغرب أن المسلمين يريدون الفتك باليهود؟ لا يمكن القول إن المسلمين يرفضون التعايش مع المسيحيين، فالمسلمون استنكروا ما يحدث لنا، وهذه الهجمات لا ينفذها مسلمون حقيقيون، بل مندسون على الإسلام والشعب العراقى. وقد لمست تعاطفا إسلاميا معنا، وتلقيت أكثر من دعوة للإقامة فى منازل مسلمين، لأن هناك استهدافا لمنازل المسيحيين بعبوات ناسفة. • نهاية هل من دور يمكن للأزهر أن يلعبه فى هذه المرحلة؟ الأزهر مشكورا أعرب عن دعمه لمسيحيى العراق فى بيان أعقب الهجوم على كنيسة سيدة النجاة، لكننا نأمل أن يبذل مزيدا من الجهود فى تثقيف الشباب المسلم ليحصنه من الأفكار الإرهابية التى لا تنتمى لأى دين.