مع التطورات التى تشهدها أزمة الديون الأيرلندية فى الوقت الحالى، والأزمة المالية اليونانية من قبلها، تتزايد أهمية متابعة موازنة الدولة ومعرفة كيفية تخطيط أولوياتها، ومدى الشفافية فى إتاحة المعلومات حولها للمواطنين، بما يسهل مراقبتهم لها، كما تؤكد دراسة «شفافية الموازنة وتدعيم المشاركة المجتمعية فى صنعها» الصادرة مؤخرا عن مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية. وتطالب الدراسة التى أعدها عبدالفتاح الجبالى، نائب مدير المركز، بعدد من الإصلاحات تتيح مزيدا من المعلومات أمام المواطنين حول كيفية صنع السياسات المالية فى مصر، وتتيح فى نفس الوقت درجة اكبر من المشاركة المجتمعية فى صنعها، وأهمها إلزام وزارة المالية بنشر موازنة المواطن، وهى نسخة مبسطة من الموازنة العامة للدولة، يستطيع المواطن العادى قراءتها وفهمها. كما يتطلب تحقيق الشفافية المطلوبة وإتاحة الفرصة للمواطنين للمشاركة فى صنع السياسات المالية التى تؤثر على حياتهم أن تصدر الحكومة «بيان ما قبل الموازنة»، لتعرض من خلاله الثوابت التى تستند إليها فى صياغة مشروع الموازنة مثل تقديرات النمو ومعدل التضخم المتوقع ومعدلات الفائدة والبطالة التى تم بناء عليها حساب أرقام الموازنة، كما يقول الجبالى فى دراسته، مشيرا إلى ضرورة الإفصاح عن المخاطر المالية المحتملة لبعض العناصر مثل الدين والمتأخرات والضمانات المالية الحكومية. وكان موقع مصر قد تحسن فى دليل شفافية الموازنة، لتحصل على تقييم 49 % فى عام 2010، مقابل 43 % فى التقييم السابق عام 2008، نتيجة للتحسن فى إتاحة البيانات المالية الحكومية أمام المواطنين، بحسب ما أظهره الدليل الذى تعده المبادرة الدولية لشفافية الموازنة، ويقيس مدى التزام الدول بمعايير الإفصاح عن موازناتها وإتاحة البيانات حولها للجمهور، والذى أعلنت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عن نتائجه فى ندوة قبل أسبوعين. وتعد الرقابة على موازنات الدول أحد أهم أسباب نشأة البرلمانات، كما يقول الجبالى، وترتبط القدرة على مراقبة ومحاسبة الحكومات على إدارتها لمالية الدولة على مدى توافر المعلومات الدقيقة والمنتظمة عن تلك الموازنات، حيث تؤثر المالية العامة للدولة بشكل مباشر على كيفية تخصيص الموارد للاستخدامات المختلفة، ومدى كفاءة هذا الاستخدام، والتى تنعكس على الأداء الاقتصادى ككل، كما تؤثر على دخول المواطنين عبر سياسات الدعم والإنفاق الاجتماعى من جهة، وعبر السياسات الضريبية من جهة اخرى. وتقاس كفاءة الإدارة المالية للدولة بعدة معايير منها قدرتها على تحقيق أهداف الدولة التنموية وحل مشكلاتها الاقتصادية، وتوليد مزيد من الإيرادات فى الأجل المتوسط والطويل، ومدى شفافيتها بما يكفل معرفة المواطن وترصد الدراسة عددا من التطورات الإيجابية باتجاه المزيد من شفافية الموازنة اتخذتها الحكومة منها إعادة تقسيم الميزانية بشكل أكثر وضوحا وإتاحة لمتابعتها، ووجود حساب خزانة موحد لدى البنك المركزى، والذى ادخل عام 2006، وتوضع فيه جميع أموال الإدارية، وزيادة مدة مناقشة الموازنة فى البرلمان، وزيادة دور مجلس الشعب فى صنعها. إلا أنها طرحت محاور لتعزيز المشاركة المجتمعية فى صنع الموازنة، أولها التحسين من أسلوب إعدادها بالتقليل من المعاملات التى تتم خارج الموازنة والتى لا تسمح بالرقابة عليها، مثل ما يتم من «فتح حسابات خاصة بالبنوك لبعض الوحدات وإيداع بعض المتحصلات فيها، والصرف منها خارج الموازنة، بالإضافة للإفراط فى استخدام الميزانيات التكميلية». وتشير الورقة إلى أهمية إدراج معلومات عن خطط الإنفاق الاستثمارى للدولة على المدى الطويل توضح التزامات الدولة لعدة سنوات قادمة تجاه المشاريع والعائد المتوقع منها خلال السنوات القادمة، على غير ما يحدث حاليا من تضمين الموازنة بيانات عن الإنفاق الاستثمارى فى عام واحد. ورغم أن هانى قدرى، مساعد وزير المالية، قد أكد فى تصريحات صحفية أن الوزارة تعد موازنات لعشر سنوات مقبلة، لتسهل عملية التخطيط، فإن هذه الموازنات لا تطرح للجمهور. كما تقترح الورقة البحثية تقديم معلومات كافية عن كل الكيانات الاقتصادية العامة التى تقوم بأنشطة لا تتضمنها بيانات الموازنة، مثل الهيئات الاقتصادية التابعة للدولة، وبنك الاستثمار القومى. وتشير الدراسة إلى ضرورة الإصلاح المؤسسى لوزارة المالية بما يضمن قدرة الحكومة على إدارة الموارد بكفاءة وفاعلية، وإيجاد آليات رقابية داخلية، غير الرقابة الخارجية على تفاصيل المالية التى يقوم بها الجهاز المركزى للمحاسبات. كما يؤكد الجبالى أهمية تفعيل دور المجتمع المدنى والأحزاب وجعلهما قادرين على المشاركة الفعالة فى بناء الأولويات العامة.