لنفترض جدلا أن الرئيس حسنى مبارك استيقظ صباح الغد، وقرر باعتباره رئيسا للحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم أن يستقيل من الحزب أو ينشئ حزبا جديدا.. ترى ماذا سيحدث؟! . السؤال ليس افتراضيا كاملا لأن تجربة مشابهة حدثت فعلا عندما قرر الرئيس الراحل محمد أنورالسادات فى أول أكتوبر عام 1978وكان رئيسا لحزب مصر الحاكم أن يحل الحزب ويؤسس حزبا جديدا سماه الحزب الوطنى.. والذى حدث وقتها أن اكثر من 99 ٪ من أعضاء حزب مصر انتقلوا أو «هرولوا» بتعبير الراحل مصطفى أمين إلى الحزب الجديد من دون أن يرمش لهم جفن. هذا الحزب استمر بفضل قلة قليلة وصار اسمه الآن حزب مصر العربى الاشتراكى وترأسه بعد الانفصال أو الحل أو الهجران الراحل جمال ربيع الذى داخ فى المحاكم مطالبا الحزب الجديد الذى هو الوطنى أن يرد له المقار التى استولى عليها وهو ما لم يحدث بالطبع. كثير من أعضاء الحزب الوطنى وفلاسفته وغيرهم يوجهون انتقادات عنيفة إلى الاتحاد الاشتراكى أيام الراحل الكبير جمال عبدالناصر باعتباره حزب السلطة الشمولى الذى لم يكن أحد يستطيع الالتحاق بوظيفة كبيرة أو حتى صغيرة أو بالعمل العام والعمل السياسى من دون أن ينضم إليه ولو بصفة صورية.. وهذه الانتقادات سليمة بنسبة 99 % رغم أنها لا تراعى طبيعة المرحلة والتحديات التى كانت تواجهها الثورة فى هذا الوقت. السؤال الموجه لهؤلاء جميعا.. ما الذى تغير عمليا.. وهل هناك فارق كبير بين الحزب الوطنى والاتحاد الاشتراكى بعيدا عن الفروق الشكلية؟!. لسوء الحظ أنه لا شىء تغير.. وإذا كان هناك من تغير.. فهو إلى الأسوأ . الآن لا يستطيع شخص أن يصبح وزيرا أو مسئولا مهما دون المرور بالحزب الوطنى، وقد يقول قائل وما المانع فى ذلك طالما انه الحزب الحاكم.. ونجيبه بالقول إن ذلك قد يكون صحيحا إذا كان الوزير أو المسئول أو رئيس الشركة كادرا سابقا فى الحزب، لكن ما يحدث ونعرفه جميعا أن غالبية المسئولين الجدد يتم تعيينهم أولا وبعدها «يسجلون» عضوية جديدة فى الحزب. وجميعنا يعرف أن دخول البرلمان للأسف لا يتم فى معظم الأحوال طبقا للانتماء الحزبى بل القبلى والخدمى. فى أيام الاتحاد الاشتراكى لم يكن هناك تبجح بوجود ديمقراطية أو تعددية حزبية.. كان هناك حزب واحد. الآن هناك حزب واحد عمليا، لكننا لا نزال نسمع معزوفة «أزهى عصور الديمقراطية». فى أيام الاتحاد الاشتراكى كان لابد أن يوافق أكثر من مسئول ومنهم رئيس الدولة على مرشحى مجلس الأمة، الآن هناك ديكور جيد، عبارة عن مجمعات انتخابية واستطلاعات رأى وأشياء تذكرك أننا نعيش التجربة السويدية أو الدانماركية فى الديمقراطية، ثم تفاجأ أن الأسماء يتم عرضها على رئيس الدولة وقادة الحزب أيضا. يصاب المرء بالحيرة والحزن وأحيانا القهر عندما يستمع لأساتذة وخبراء كبار ومثقفين وهم يتحدثون عما يحدث باعتباره تجربة ديمقراطية. ويا أيها الإخوان فى الحزب الوطنى.. إذا كنتم جادين فعلا فأمامكم خياران: إما أن تبدأوا إصلاح حزبكم ليصبح حزبا حقيقيا.. أو تغيروا اسمه ليصبح الاتحاد الرأسمالى.. بما أن غالبيتكم تكره كلمة الاشتراكى