تفاوتت قيمة الحد الأدنى لأجر العامل المبتدئ فى 183 دولة، تناولها تقرير ممارسة الأعمال لعام 2011، الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولى، ليتضح أن قيمة الحد الأدنى للأجور فى مصر، يعد الأقل فى المنطقة العربية بأكملها، حيث يبلغ 31.4 دولار شهريا (نحو 180 جنيها)، بينما يصل إلى أضعاف هذا الرقم فى دول بالمنطقة، حيث يبلغ الحد الأدنى للأجور فى تونس 120.5 دولار شهريا والأردن 201 دولار، والمغرب 254.1 دولار، بينما لا يوجد لدى دول الخليج حد أدنى قانونى للأجور. ويرى سمير رضوان، عضو هيئة الاستثمار، وخبير فى ملف الأجور، أن هذا التفاوت طبيعى خصوصا مع «الإنتاجية المنخفضة وسياسة الترقيع التى تتبعها الدولة لعلاج مشكلة الأجور فى مصر. فصحيح أن الإنتاجية منخفضة، ولكن إذا كان هذا فى جزء منه يرجع إلى عدم كفاءة العمالة، فإن هناك جزءا كبيرا منه يرجع إلى عدم وجود المقابل المادي، أو التحفيز الذى يدفعه لزيادة انتاجيته»، يقول رضوان مشيرا إلى أن ارتفاع الرواتب فى هذه الدول يشجع العاملين ويحفزهم على تطوير إنتاجيتهم للحصول على مقابل أكبر. ووفقا لدراسة لمجلس الوزراء، أشرف على إعدادها رضوان، واقترحت رفع الحد الأدنى إلى 656 جنيها، من الضرورى استخدام الأجور كأداة من أدوات السياسة الاقتصادية للارتقاء بمستوى الإنتاجية، أو لإعادة توزيعها على القطاعات الاقتصادية الواعدة وبعيدا عن الأخرى غير المنتجة (التشغيل البيروقراطى). ويتجلى ذلك، وفقا لرضوان، فى تجربة النمور الآسيوية، حيث إن الزيادة المطردة والمستمرة فى نمو الناتج القومى الإجمالى كانت مصحوبة بزيادة فى الأجور. «العمال فى مصر تعبانين، ومن ثم ليس لديهم القدرة أو الرضا الذى يدفعهم إلى تطوير أنفسهم. هناك خلط فى مفهوم الحد الأدنى للأجور، فهو الذى يستطيع أفقر شخص أن يعيش به، وهذا لا يحققه الحد الأدنى فى مصر»، يضيف رضوان. ويختلف الخبير مع يوسف بطرس غالى، وزير المالية، والذى كان أشار فى حوار له فى برنامج تليفزيونى، إلى أن رفع الحد الأدنى سيؤدى إلى رفت العمالة التى تقع فى أول السلم الوظيفى، لعدم امتلاكها المهارات التى تدفع صاحب العمل إلى الاحتفاظ بها، «هكذا تقول النظرية الاقتصادية، ولكنها غير موجودة فى مصر، وصاحب العمل لا يملك العقلية، أو الإمكانيات التى تدفع به إلى ميكنة العمل للاستغناء عن العمالة»، يقول رضوان. وبحسب تقرير ممارسة الأعمال، الذى يعتمد فى بياناته على استطلاعات لرأى خبراء من القطاع الخاص، فإن المصريين يتمتعون بإجازات سنوية مدفوعة أكثر من هذه الدول، فبينما يبلغ عدد أيام هذه الإجازات فى مصر 24 يوما، يصل فى تونس إلى 13 يوما، وفى تركيا إلى 18 يوما، وكذلك الأردن 18.7 يوم، وفى المغرب إلى 19.5 يوم. ويشير التقرير أيضا إلى الصين، التى يحصل فيها العامل على عدد أيام إجازة سنوية مدفوعة أقل من مصر بينما يصل الحد الأدنى لأجر العامل فى الصين إلى 159.9 دولار شهريا. «هذا هو التطور الطبيعى لعجلة النمو الاقتصادى فى أى دولة نامية، ولكنه لم يحدث فى مصر، لأننا لم نعالج القضية بصورة كلية من خلال صياغة سياسة كاملة للأجور، بسبب صعوبة المواءمة بين أهداف اقتصادية واجتماعية، التى لا تزال متعارضة بشدة فى مصر»، بحسب رضوان. وتبرر ضحى عبد الحميد، أستاذة الاقتصاد التمويلى فى الجامعة الأمريكية، أن تأخر ترتيب مصر بالنسبة للحد الأدنى للأجر يرجع فى الأساس إلى ثباته لسنوات طويلة، «فهو ثابت من وقت قانون 47 لقانون 78، ولم يتحرك سوى وفقا لقرارات عشوائية لم تكن مدروسة على أسس اقتصادية» بحسب قولها مشيرة إلى أنه يجب أن تكون هناك معادلة للربط بين الإنتاجية، والحد الأدنى للأجور، وجدول الأجور نفسه. وتضيف ضحى عبدالحميد: «فوضى الأجور فى مصر، لا ترجع فقط إلى التفاوت الكبير بين المرتبات فى المجتمع، وإنما إلى عدم عدالة التوزيع حتى على المستوى الأفقى»، مشيرة إلى أن الزيادات فى الدرجات الأولى لا تتجاوز 3 و5% بينما تصل فى الدرجات العليا إلى 50%. وتخالف الهند كل الدول السابقة، فبالرغم من كونها من أكبر الاقتصاديات الناشئة، إلا أن الحد الادنى للأجر فيها أقل من مصر، ليبلغ للعمالة المبتدئة 24.1 دولار . وترجع ضحى عبدالحميد انخفاض مستوى الحد الأدنى فى الهند إلى مستوى الفقر «المدقع بها»، بالإضافة إلى استحواذ القطاع غير الرسمى على ما يقرب من 90% من العمالة.