لا يختلف أحد في العراق على أن الأحداث التي شهدتها العاصمة بغداد مؤخرًا تشكل انتكاسة للأوضاع الأمنية ومؤشرًا خطيرًا لما قد تؤول إليه الأمور في ظل الصراع بين القوى السياسية وفشلها في الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، رغم مرور ثمانية أشهر على إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية في البلاد. تعرضت مدينة بغداد، الليلة الماضية، إلى أعنف موجة انفجارات تسببت بمقتل وإصابة أكثر من 420 شخصًا في سلسلة انفجارات بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة بالتتابع استهدفت تجمعات العراقيين قرب المقاهي والمحال التجارية والأسواق، في أحياء شيعية وسنية، في خرق أمني كبير، هو الثاني من نوعه في غضون 72 ساعة. وعاشت أحياء بغداد وضعًا أمنيًّا خطيرًا بعد أن تمكنت الجماعات المسلحة من اختراق تحصينات القوات العراقية في الشوارع، ونفذت هجمات مسلحة بحوالي 15 سيارة مفخخة وعبوات ناسفة في مشهد أمني يعود بذاكرة العراقيين إلى أيام الانهيار الأمني عام 2006، حيث كانت معدلات انفجار السيارات المفخخة والعبوات الناسفة تصل إلى هذه المستويات في اليوم الواحد. وقال مهدي الساعدي -47 عاما- إن "الانفجارات التي وقعت، أمس الثلاثاء، تعكس بما لا يقبل الشك تدني المؤسسة العسكرية والأمنية وانعدام المعلومات الاستخبارية عن تنظيم القاعدة والجماعات المسلحة، وهذا يعني أن بغداد ستبقى على كف عفريت ما لم تضع الحكومة حلولا واقعية للازمة الأمنية". وأضاف: "كنت على مسافة ليست بالبعيدة عن الانفجار الذي وقع في منطقة حي أور، وكنت أقود سيارتي، وكان الانفجار قويًّا، ووقع في مكان مزدحم، وسمعت أصوات الصراخ في مشهد مؤلم، لكني غادرت المكان بسرعة خوفا من وقوع انفجار ثان". وتضاربت التقديرات والإحصائيات عن حجم الخسائر التي خلفتها الانفجارات، حيث أعلن صالح الحسناوي، وزير الصحة العراقي، أن آخر حصيلة مسجلة في وزارة الصحة حتى اليوم الأربعاء بلغت 64 قتيلا 360 جريحًا، بينهم 34 قتيلا و175 جريحًا في جانب بغداد الكرخ، فيما يشير شهود عيان إلى أن العدد أكبر بكثير، نظرا لاتساع رقعة الانفجارات ووقوعها في أماكن مزدحمة أمام المطاعم والمقاهي الشعبية والأسواق والشوارع المكتظة. يقر المسؤولون العسكريون بأن هذه الأحداث الأمنية التي شهدتها بغداد خلال الأيام الثلاثة الماضية تشكل خرقًا أمنيًّا، وأن السلطات الحكومية ستتعامل مع المقصرين بحزم لمنع تكرار أعمال العنف هذه. تأتي هذه الانفجارات بعد 72 ساعة من عملية اقتحام كنيسة سيدة النجاة من قبل عناصر من تنظيم القاعدة واحتجاز رهائن، ومقتل اكثر من 53 مسيحيًّا وجرح أكثر من 75 آخرين قبل أن تتمكن القوات العراقية من إنهاء احتجاز الرهائن في خرق أمني خطير غير مسبوق. وقال اللواء جهاد الجابري، المدير العام لدائرة مكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية العراقية: إن "التحقيقات مستمرة منذ الليلة الماضية، وحتى فجر اليوم للتحقق من الانفجارات بعد استنفار جميع فرق مكافحة المتفجرات، وأن الانفجارات وقعت في مجموعة من المناطق البعيدة عن مركز مدينة بغداد". وأضاف: "هناك ثلاثة نقاط أساسية حول اتساع رقعة الانفجارات، الأول أن هناك وكرًا في كل منطقة كأن يكون منزل مؤجر أو لأحد العملاء وجميع مواد الانفجارات التي استخدمت أمس الثلاثاء هي نترات الأمونيوم". وأوضح الجابري أن جميع السيارات، باستثناء ساحة العروبة، تمت بتفجير عن بعد، وهذا يدل على أن الخطة معدة للتفجير بشكل مدبر ومدروس في توقيتات زمنية لا تتجاوز 10 دقائق بين كل انفجار، والعامل الثالث أن مواد الانفجارات مصنعة محليًّا وطريقة تصنيعها بطريقة بسيطة يتم داخل كل بيت في كل منطقة، وكانت موضوعة في السيارات في أماكن لا يمكن رؤيتها". وذكر أن "وصول المواد المتفجرة إلى الأوكار تم بشكل مجزأ وفق خطة مدبرة ومستقبلية، وتم تجميع وتنفيذ العملية، وهذا يعني أن هذه السيارات لم تمر من خلال نقاط التفتيش، وهي محملة بالمواد المتفجرة، والعملية تحمل بصمات القاعدة، وتمت بخطة مدبرة منظمة، وبتوقيت واحد". وحسب مصادر أمنية، أغلقت السلطات الأمنية الطرق المؤدية إلى عدد من الأبنية الحكومية؛ ما تسبب في إرباكات مرورية في الشوارع، وهو ما اضطر أعدادًا كبيرة من الموظفين وطلبة المدارس وأرباب المهن إلى السير مشيًا على الأقدام للوصول إلى أماكن عملهم. وبدأ الأهالي بإقامة مراسم تشييع لأبنائهم ونصب سرادق العزاء لاستقبال المعزين وتعليق لافتات سوداء للتعريف بأسماء الضحايا، فيما لا يزال عشرات آخرون يتجمعون في مستشفيات بغداد لمتابعة الحالة الصحية لأبنائهم، وبخاصة ممن كانت إصابته بليغة. وقال العميد وليد عمار، أحد ضباط شرطة المرور ببغداد، "شهدت شوارع بغداد، صباح اليوم، زحامات مرورية خانقة لحركة السيارات جراء التشديد في عمليات التفتيش في نقاط التفتيش، وطلبنا من نقاط التفتيش التخفيف من هذه الإجراءات من أجل تسهيل حركة السيارات". وأضاف: "كانت هناك شوارع في بغداد شبه مغلقة بسبب عمليات التفتيش التي تحجز السيارات في مناطق معينة".