يُتيح للمستثمرين إدارة المستشفيات العامة.. قانون المنشآت الصحية يثير الجدل بين "الأطباء" و"النواب"    «الصحفيين» تعلن أسماء الفائزين بالمسابقة الدينية في الإسكندرية غدًا    خطة مصرية أمريكية لإعادة تشغيل معبر رفح (تفاصيل)    15 درجة.. حسام موافي يوضح أخطر مراحل الغيبوبة    حيل وألاعيب يستخدمها المشكك في نشر الشبهات، فيديو جديد لوحدة بيان في الأزهر    مصطفى بكري يكشف تفاصيل عودة أحد الناشطين من تركيا إلى مصر بعد اعترافه بخطئه (فيديو)    تقرير: جهود زيلينسكي الدبلوماسية تتلقى ضربة مزدوجة قبل قمة سويسرا    في مباراة دراماتيكية.. إنبي يقتنص فوزا مثيرا أمام سيراميكا كليوباترا بدوري nile    التعادل الإيجابي يحسم مباراة سموحة وفاركو في الدوري المصري    مباشر سلة BAL - الأهلي (0)-(0) الفتح الرباطي.. بداية اللقاء في المرحلة الترتيبية    195 لجنة.. استعدادات محافظة القاهرة لامتحانات الدبلومات الفنية    رسميا.. نقيب الموسيقيين يعلن تحقيق إيرادات 227 مليون جنيه    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع وعلى الحاج أن يتعلم أحكامه قبل السفر    نمو غير متوقع للطلب على السلع المعمرة في أمريكا خلال الشهر الماضي    الأعراض الرئيسية لمرض السكري لدى الأطفال والمراهقين    «العمل» تكشف تفاصيل توفير وظائف زراعية للمصريين باليونان وقبرص دون وسطاء    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى (فيديو)    منتخب مصر للساق الواحدة: تعرضنا لظلم تحكيمي ونقاتل للتأهل لكأس العالم    الأمم المتحدة تحذر من انتشار اليأس والجوع بشكل كبير فى غزة    الترقب لعيد الأضحى المبارك: البحث عن الأيام المتبقية    عمليات حزب الله دفعت 100 ألف مستوطن إسرائيلي للنزوح    بعد جائزة «كان».. طارق الشناوي يوجه رسالة لأسرة فيلم «رفعت عيني للسما»    بعد تلقيه الكيماوي.. محمد عبده يوجه رسالة لجمهوره    بسبب فستان.. القصة الكاملة ل أزمة ياسين صبري ومصمم أزياء سعودي (صور)    إستونيا تستدعي القائم بأعمال السفير الروسي على خلفية حادث حدودي    تحديث بيانات منتسبي جامعة الإسكندرية (صور)    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن هضبة الأهرام بالجيزة اليوم    سكرتير عام البحر الأحمر يتفقد حلقة السمك بالميناء ومجمع خدمات الدهار    «الرعاية الصحية» تشارك بمحاضرات علمية بالتعاون مع دول عربية ودول حوض البحر المتوسط (تفاصيل)    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    ضبط قضايا اتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 11 مليون جنيه في 24 ساعة    فيلم "شقو" يواصل الحفاظ على تصدره المركز الثاني في شباك التذاكر    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    مبابي يختتم مسيرته مع باريس سان جيرمان في نهائي كأس فرنسا    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    الرئيس البرازيلي: منخرطون في جهود إطلاق سراح المحتجزين بغزة    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    منتخب رفع الأثقال البارالمبي يحصد 3 ميداليات في أول أيام كأس العالم بالمكسيك    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    أول جمعة بعد الإعدادية.. الحياة تدب في شواطئ عروس البحر المتوسط- صور    بالأسماء.. إصابة 10 عمال في حريق مطعم بالشرقية    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    توريد 198 ألف و851 طن قمح بكفر الشيخ    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    «دولارات الكونفيدرالية» طوق نجاة الزمالك    5 نصائح للتعامل مع منخفض جوي يضرب البلاد الأيام المقبلة.. تحذير من ظاهرة جوية    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    خالد جلال: جوميز ركز على الكونفدرالية فقط.. وهذه نصيحتي لفتوح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رثاء المدن
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 04 - 2009

يعد الرثاء واحدا من الأغراض الموضوعية الشهيرة فى الشعر العربى، وهو يقوم على البكاء على الميت وعد محاسنه. أما رثاء المدن فهو تنويع موضوعى جديد ظهر فى العصر العباسى، حيث يقول عز الدين إسماعيل إن المدينة فى العصر العباسى قد صارت تمثل كيانا له معنى ووجود فى نفوس أهلها، وإن أهلها صاروا تربطهم بها روابط كثيرة مادية ومعنوية، فتولد فى نفوسهم شعور إنسانى نبيل إزاء المدينة عبروا عنه فى صدق وحرارة عندما رأوا الخراب والدمار يحل بها، كأنهم فقدوا عزيزا لديهم.
وهكذا برز فى العصر العباسى إطار جديد للرثاء، وهو رثاء المدن. وقد كان جديدا بكل معانى الكلمة، إذ إن علاقة الإنسان بالمدينة لم تتوطد بالشكل الذى توطدت به فى العصر العباسى، كما أن المدن الإسلامية لم تشهد قبل هذا العصر ما شهدته بعض مدن العراق من الدمار والتخريب.
ويمكننا أن نستطلع فى جولة عاجلة مع ابن تغرى بردى سقوط بغداد الأول، فبعد وفاة هارون الرشيد عام 193ه انتقلت الخلافة إلى ولده الأمين، لكنه فى عام 194ه أمر بالدعاء لابنه موسى على المنابر بعد ذكر أخويه المأمون والقاسم، ثم أرسل إلى المأمون يسأله أن يقدم ابنه موسى على نفسه، فكان هذا أول الشرر والفتنة بين الأخوين. وفى عام 195ه بدأ الصراع العسكرى فى العراق بين جيش الأمين وعسكر المأمون. واستمر الوضع على ما هو عليه عام 196 ه وفيه خُلِعَ الأمين وبويع المأمون ببغداد ثم أعيد الأمين. وفى عام 197ه استمر القتال الوحشى وحوصرت المدينة. وفى شهر محرم من عام198ه قتل الأمين ببغداد وعلقت رأسه وطيف بها فى الشوارع وتولى المأمون الخلافة.
ويشرح الخضيرى أثر هذا الصراع الطويل على المدينة وأهلها قائلا: إن كثيرا من الدمار والتخريب قد لحق ببغداد نتيجة للحصار الذى ضربته جيوش المأمون على الأمين فيها، ثم نتيجة للحرب فى ميادينها وشوارعها، فلحق الناس من ذلك شرا كثيرا، لا على أيدى جنود المأمون وحدهم، بل على أيدى جنود الأمين كذلك، حيث كان قد اضطر إلى الاستعانة فى حربه بالعَيَّارين والشطار والمسجونين من أهل بغداد، فكان الشر الذى أصاب المدينة منهم أكثر مما أصابها من العدو المهاجم.
وكثيرة هى القصائد التى قيلت فى رثاء بغداد بذلك الوقت، وأطولها قصيدة أبى يعقوب الخُرَيْمى التى أوردها الطبرى فى 135بيتا، والتى يقول فيها بعد أن عدد محاسن بغداد قبل الحرب:
يا بؤس بغداد دار مملكة دارت على أهلها دوائرها
أين غضارتها ولذتها وأين محبورها وحابرها
يحرقها ذا، وذاك يهدمها ويشتفى بالنهاب شاطرها
وهناك أيضا هذا المقطع الدامى من قصيدة مجهولة المؤلف تقول:
بكيت دما على بغداد لما فقدْتُ غضارة العيش الأنيقِ
تبدلنا هموما من سرور ومن سعة تبدلنا بضيقِ
فقَومٌ أُحْرِقوا بالنار قسرا ونائِحَةٌ تنوح على غريقِ
ومغتربٌ قريبُ الدار مُلْقى بلا رأسٍ بقارعة الطريقِ
توسط من قتالهم جميعا فما يدرون من أى الفريقِ
فحتى الشخص المغترب الذى لا علاقة له بالصراع ظن كل فريق أنه ينتمى للفريق الآخر، فكان جزاؤه قطع الرأس.
أما الشاعر العترى فيقول:
من ذا أصابك يا بغداد بالعينِ ألم تكونى زمانا قرة العينِ
ألم يكن فيكِ قومٌ كان مسكنهم وكان قربهم زيْنا من الزينِ
صاح الغراب بهم بالبين فافترقوا ماذا لقيت بهم من لوعة البينِ
استودع الله قوما ما ذكرتهمُ إلا تحدَّر ماء العين من عينى
كانوا ففرقهم دهرٌ وصدَّعهم والدهر يَصْدَعُ ما بين الفريقينِ
إن الشاعر يكشف فى هذه الأبيات عن حزنه العميق لما أصاب بغداد مدينة السلام من خراب، وما لحق بأهلها من موت، وأن الأسى قد وصل به إلى حد أن الدمع ينحدر من عينيه من تلقاء نفسه. ويرى عز الدين إسماعيل أنه من الطبيعى أن يتفجر رثاء المدن عن عاطفة إنسانية صادقة، إذ لم يدفع الشاعر إليه سواها، مما قد يكون فى رثاء الأشخاص من اعتبارات القرابة أو المجاملة الاجتماعية أو ما أشبه.
وأغلب الظن أن أبيات العترى السابقة قد أثرت فى الشاعر الأندلسى المجهول الذى وردت أبياته فى البيان المغرب لابن عذارى، حيث قال فى رثاء مدينة قرطبة:
ابك على قرطبةَ الزينِ فقد دهتها نظرة العينِ
أَنْظَرَهَا الدَهْرُ بأسلافِه ثم تقاضى جملة الدينِ
كانت على الغاية من حسنها وعيشها المستعذب اللَيْنِ
فانعكس الأمر فما أن ترى بها سرورا بين اثنينِ
فاغدو ودَعْهَا وسِرْ سالما إن كنت أزمعت على البينِ
وواضح أن الأبيات الأندلسية أضعف من الأبيات المشرقية، وإن كانت قد تأسست عليها. ويبدو الضعف سواء من ناحية الصور مثل أن الدهر قد منحها قرضا من السعادة طويل الأمد ثم طالبها برد الدين جملة واحدة. أو من ناحية الموقف أيضا حيث يبدى الشاعر فى نهاية قصيدته استعداده للرحيل عن قرطبة إيثارا للسلامة. وها قد رحلنا عن قرطبة منذ زمن طويل، ولكننا لم ولن نترك بغداد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.