تقريبا لا ينافس الأدب العربى فى بلاده سوى أدب أمريكا اللاتينية، هو الأدب الأجنبى الأكثر جماهيرية فى مجمل الدول العربية، باتكائه على تيمة الواقعية السحرية الشعبية والمحببة لدى العرب، أبناء ألف ليلة وليلة، وحراس السير الشعبية والكرامات، فضلا عن همومه السياسية والإنسانية ومثيلاتها فى بلاد العرب، ضحايا النفط والاستعمار والديكتاتوريات الموالية للغرب. وإذا كان للأديب الكولومبى الأشهر «جابرييل جارثيا ماركيز» الفضل الأكبر فى انتشار أدب اللاتين عربيا على هذا النحو، فإنه فى الحقيقة لا يقرأ وحده، إلى جواره كان كل من: إيزابيل الليندى، بابلو نيرودا، أوكتافيو باث، ماريو فارجاس يوسا، باولو كويلهو وغيرهم، بدرجات حضور متفاوتة، لذا كان صدور عمل جديد لأى من هذه الأسماء، أو حصول أى منها على جوائز - خبرا سارا بالنسبة لقرائهم العرب. وكما كان حصول ماركيز وأوكتافيو باث على نوبل حدثا مهما، فقد جاء فوز يوسا بالجائزة الأدبية الأكبر عالميا ليرضى الكثير من قرائه، وينسيهم توالى إفلات الجائزة من أسماء عربية بحجم الجزائرية آسيا جبار، العراقى سعدى يوسف، فضلا عن أدونيس والطاهر بن جلون وغيرهم، لكن يبدو أن هذا الفوز لم يرض كثيرا من الكتاب والنقاد العرب. فقد شهد الأسبوعان الفائتان هجوما واسعا على الكاتب البيروفى الحاصل على الجنسية الإسبانية، وتعرضت المسيرة الأدبية والشخصية ليوسا لجملة من الاتهامات والانتقادات الفنية والسياسية، فى أكثر من مناسبة، مما دفع البعض لاتخاذ موقف المدافعين عن يوسا، إلى حد انتقاد أو توجيه السباب لمهاجميه كما فعل مؤخرا الناقد والمترجم حامد أبو أحمد.. فى حديثه ل«الشروق»: يوسا غير الموهوب محدودية الموهبة وتواضع القيمة الأدبية، والشهرة الصحفية لأعمال يوسا كانت الاتهامات أو الانتقادات التى اتفق حولها عدد من الأدباء والنقاد وفى مقدمتهم الكاتب الكبير بهاء طاهر الذى قال مؤخرا ل«أخبار الأدب» إنه كان يتوقع فوز ماريو بارجاس يوسا بنوبل، لكنه لا يحبه كثيرا، وليس من المبهورين به، مضيفا أنه بعد قراءة عدد لا بأس به من روايات يوسا، يعتبره «كاتبا حرفيا، ولكنه متوسط القيمة والموهبة». الرأى نفسه كان للكاتبين محمد البساطى وأحمد الخميسى، اللذين أبديا تحفظهما، فى حديثهما للأهرام، على نوبل يوسا. وإذا كان البساطى يرجع عدم استحقاق يوسا للجائزة لما وصفه ب«اللت» الموجود فى كتاباته مما يشعر القارئ بالملل السريع، «عكس أعمال ماركيز»، فإن الخميسى استفاض فى نقد الكاتب البيروفى، مؤكدا أنه لا يعدو أن يكون «نصف أديب»، ولا يرقى بأعماله لمن سبقوه فى الفوز بجائزة نوبل، وزاد على ذلك أن اعتبره أحد الأدباء الذين شوّهوا فكرة الأدب ومعناه، وحولوه إلى قضايا جنسية، كما اعتبر فوزه بجائزة نوبل لهذا العام دليلا جديدا على ضعف الجائزة وتكرار ذهابها إلى من لا يستحق، قائلا: إن ما يكتبه يوسا لا يمتّ للأدب بصلة إذ يمكن وصفه بأنه أدب تجارى أو أدب شعبى وهو ما يُسمى الآن بالثقافة الرائجة. وفى مقاله الأخير ب«الشروق» هاجم الناقد الكبير د. صبرى حافظ ما وصفه بالارتياح الكبير الذى عبرت عنه الصحافة الأدبية الغربية لفوز ماريو فارجاس يوسا، بنوبل للأدب هذا العام، رابطا بين يوسا وكتاب آخرين مثل باولو كويلهو أو مارتن إيمس، الذين يرى أنهم اكتسبوا صيتهم من الشهرة الصحفية. وأرجع حافظ الارتياح الذى أبداه راسمو سياسات الصحف الأمريكية والمسيطرون على خطها التحريرى من المحافظين الجدد، إلى الخط السياسى والأيديولوجى الذى يتبناه «ألفارو فارجاس يوسا»، نجل ماريو فارجاس، وأحد أشرس المهاجمين، فى الصحافة الأمريكية ذاتها، لهوجو شافيز وإيفو موراليس وغيرهما من الزعماء المتمردين على «بيت الطاعة الأمريكى فى أمريكا اللاتينية»، رابطا بين سيرة الابن والأب، الذى بدأ حياته وهو ابن طبيعى لجيل الستينيات، معجبا بثوار أمريكا اللاتينية مثل كاسترو وجيفارا، ثم تحول إلى يمين الوسط فى الثمانينيات ورشح نفسه للرئاسة ممثلا لتحالفهم عام 1990، ثم واصل المسيرة صوب اليمين والمحافظين الجدد مع القرن الجديد. وفى حديثه عن القيمة الأدبية ليوسا، قال حافظ إنه باستثناء روايته (محاورة فى الكاتدرائية)، فإن أعماله تتراوح بين الرواية البوليسية الخفيفة والقصة السجالية ذات الأبعاد السياسية أو المقالة السردية، واختتم الناقد مقاله باعتبار فوز يوسا بنوبل، «ليس استثناء فى مسيرة هذه الجائزة»، ولكنه سينضم إلى قائمة أخرى من الذين فازوا بتلك الجائزة الكبيرة دون أن يتركوا أثرا حقيقيا فى ضمير الأدب، ودون أن يسهموا بحق فى توسيع أفق (جمهورية الأدب العالمية) أو فى إثراء خارطة القراءة الروحية. يوسا وفلسطين والعراق الشطرة السياسية فى حياة يوسا الأديب كانت بدورها محل انتقادٍ شديد من قبل بعض كتاب ومترجمى العرب، فمن المعروف أن يوسا تحول من اليسار إلى يمين الوسط والمحافظين، وتعرض لانتقاد كثير من معاصريه من أدباء أمريكا اللاتينية لتركه المثل اليسارية التى تبناها فى بداية حياته، ورشح نفسه للرئاسة فى بيرو عام 1990 لكنه خسر أمام البرتو فوجيمورى الذى اضطر لاحقا إلى الفرار من البلاد وأدين بعد ذلك بعدة جرائم. لكن ما يهم العرب فى تلك الشطرة السياسية، هو موقف الكاتب البيروفى، الذى يعلن وتعلن إسرائيل صداقته لها، هو موقفه من قضيتى العرب الكبريين القضية الفلسطينية وغزو أمريكا للعراق، فبينما يؤكد بعض المناصرين ليوسا، أن موقفه من القضيتين إيجابى وأنه زار العراق وفلسطين وغير قناعاته بشأنيهما، يؤكد مهاجموه أنه ينحاز للاتجاه اليمينى المؤيد للممارسات الشرسة للكيان الصهيونى فى فلسطين، وراعيه الأمريكى فى العراق. ففى محادثة مع «الشروق»، أكد المترجم طلعت شاهين أن يوسا ليس بالنضال الذى تصفه به الصحف ووسائل الإعلام العربية، وأن تاريخه السياسى فى بلاده كان ملتبسا، إذ تحول من اليسار إلى اليمين، وانحاز لسياسات المحافظين الأثرياء، ورشح نفسه لانتخابات بلاده بيرو فى التسعينيات، وعندما فشل فى الانتخابات تبرأ من جنسيته وذهب إلى إسبانيا وحصل على جنسيتها واستقر هناك. وقال شاهين إن يوسا لم يكن أبدا من مؤيدى قضايا العرب، بل على العكس أيد الغزو الأمريكى على العراق، وزار العراق مع ابنته وكتب فى صحيفة «الباييس» الإسبانية مجموعة من المقالات التى تؤيد غزو العراق، فكيف لشخص يؤيد غزو العراق أن ينتقد أفعال اليهود فى فلسطين؟، وأضاف قائلا: إن يوسا لا يمكن أن يكون قد زار فلسطين سرا، لأنه شخصية كاريزمية ويحب الكاميرات، وخبر مثل هذا كان سيروج له بالتأكيد. لكن خبر الزيارة أكده الناقد الأردنى فخرى صالح فى مقاله بجريدة الحياة اللندنية بعنوان «يوسا وزواج الثقافى والسياسى»، مؤكدا أيضا متانة العلاقة التى تربط الكاتب البيروفى بإسرائيل وأن «الرجل صديق لإسرائيل منذ فترة طويلة، وقد نال جائزة القدس التى تمنحها الدولة العبرية» وإذا كان صالح يعتبر أن زيارته للمنطقة وذهابه إلى الأرض الفلسطينيةالمحتلة، ثم مجيئه فيما بعد إلى لبنان وسوريا والأردن، قبل نحو خمس سنوات، «غيّر من قناعاته بصورة جذرية» إلا أنه يؤكد أن يوسا لم يصبح معاديا لإسرائيل، بل إن مشكلته تتمثل فى الدعاية الصهيونية التى أصبحت جزءا من خطابه الثقافى حول إسرائيل والمنطقة». دفاعًا عن يوسا ودفاعا عن ماريو فارجاس يوسا قال الناقد ومترجم الإسبانية د. حامد أبوأحمد إن كل الاتهامات والانتقادات الفنية والسياسية التى وجهها الكتاب والنقاد العرب ليوسا باطلة ولا أساس لها، متهما هؤلاء الأدباء بأنهم إما يخترعون أو يدعون، وألا معرفة لهم بالرجل أو كتاباته، وأنهم يطلقون «كلاما فارغا». وأضاف أبوأحمد أنه يعرف يوسا منذ فترة طويلة، لأن المشرف على رسالة الدكتوراه التى نالها يوسا عام 1958، عن «قواعد لشرح شعر روبن داريو» كان هو نفسه الأستاذ الذى درس هو على يديه فى منتصف السبعينيات. وأشار المترجم إلى أهمية أعمال يوسا، موضحا أن روايته الأولى «المدينة والكلاب» كانت أهم رواية صدرت عام 1962، وحصلت على جائزة وهى مخطوطة وبعد صدورها حصلت على جائزة النقد فى إسبانيا، وهى جائزة كبرى هناك. ولفت إلى أن هذه الرواية كانت تفضح النزعة العسكرية فى المدرسة التى درس بها فى الفترة من عام 1950إلى عام 1952، لذا جمع الجنرالات وقتها ألف نسخة منها وأحرقوها فى العاصمة البيروية ليما، ما جعل كاتبها الشاب فى ذلك الوقت يغدو كاتبا مشهورا، وتترجم روايته إلى عشرين لغة، قبل أن تتوالى أعماله، والكلام لا يزال لحامد أبوأحمد، التى تجمع ما بين التجديد التقنى ونزعة التمرد والثورة، لذا لفتت كل أعماله النظر إليها. «أنا أول شخص عرف به فى العالم العربى» يشير أبوأحمد موضحا أنه ترجم له لأول مرة رواية «من قتل موليرو» عام 1998 ونفذت فى شهر واحد، قبل أن يترجمه فى سوريا «صديقى» صالح علمانى. «هو يرى أن هناك متطرفين فى كلا الجانبين، وكلاهما لا يريد حلا للقضية» يفسر أبوأحمد موقف يوسا من القضية الفلسطينية، مشيرا إلى ما نشره فى أحد كتبه «فى الواقعية السحرية» تحت عنوان: «رحلة وحوار مع ماريو فارجاس يوسا» وأن الأخير يوضح فى هذا الحوار رأيه فى السياسة وفى الأنظمة العسكرية والديكتاتورية فى العالم الثالث. «اقرأى الحوار وسترينه على حقيقته» يستطرد الناقد قبل أن يعاود الهجوم على منتقدى يوسا قائلا: بعيدا عمن لا يعرفون عنه شيئا، ولم يقرأوا له بتمعن. يضيف: لقد قال عنه طلعت شاهين إنه رجل «هيلمانى يحب الإعلام والكاميرات، وهو اتهام ليس عليه أى دليل، فقد صحبته يومين مع زوجته «باتريسيا» ومدير المركز الثقافى الإسبانى إلى الإسكندرية، ولم نجد فى استقبالنا هناك أى كاميرات، كان كأى شخص ديمقراطى حقيقى. هذا هو ماريو فارجاس يوسا لكن أدباءنا يرددون عنه أقوال ليس عليها أى دليل. ويتابع الناقد أن من يحاكمون يوسا فنيا لا يعرفون عنه شيئا ولم يقرأوه، ثم يشدد هجومه على هؤلاء الأدباء قائلا: أدباؤنا متخلفون، أرجو أن تكتبى على لسانى هذا الكلام، متخلفون عن أدباء العالم 100 عام. لذا عندما جاء الأديب التركى الحاصل على نوبل أورهان باموق، والكلام لا يزال للناقد، إلى معرض الكتاب عام 2006، وتحدث معهم، كنت متأكدا أنهم لم يفهموا منه شيئا، لأن أعماله يصعب عليهم فهمها.