حذر حزب العمال المعارض فى بريطانيا من عواقب خطة التقشف الصارمة التى أعلنتها حكومة ديفيد كاميرون أمس الأول، واعتبرها «عقابا للشعب» على أزمة مالية لم يكن له يد فيها. بينما قال خبراء اقتصاديون إن الخطة «كانت حتمية»، ولكنهم حذروا من أنها قد تؤدى إلى ركود اقتصادى أكبر. ففى تصريحات ل«الشروق»، قال رئيس المجموعة العربية فى حزب العمال عطا الله سعيد إن الإجراءات الاقتصادية التى أعلنها وزير الخزانة جورج أوزبورن «ستلحق الأذى بالشعب وبالاقتصاد، وستؤدى إلى مشكلات لا يحمد عقباها». سعيد اعتبر أن خطة التقشف، وهى الأوسع نطاقا منذ الحرب العالمية الثانية، ربما «ستؤدى إلى عجز مالى أكبر»، بدلا من أن تقود لتقليص العجز الهائل فى الميزانية، وهو الأكبر من نوعه بين الدول الصناعية الكبرى. وبمقتضى الخطة التى أعلنها أوزبورن سيتم تقليص الإنفاق العام بما يصل إلى نحو 83 مليار جنيه استرلينى على مدار السنوات الأربع المقبلة، عبر تخفيض ميزانيات الوزارات المختلفة بنسبة تقارب 25%، ما قد يؤدى إلى تسريح قرابة نصف مليون موظف. كما سيجرى تقليص الأموال المخصصة لأنظمة الضمان الاجتماعى وبعض الخدمات. وأشار سعيد إلى أن تسريح هؤلاء الموظفين سيزيد الأزمة «فإلى أين سيذهب هؤلاء؟.. ستضطر الحكومة أن تدفع لهم إعانات بطالة، ولن يسهموا فى دفع الضرائب». واتهم الحكومة الائتلافية، بقيادة حزب المحافظين، بتبنى «نظرة قصيرة الأمد لتحقيق مصالح سياسية بحتة»، معتبرا أن هذه القرارات الاقتصادية «تكمن فيها ايديولوجية المحافظين التى لا تستهدف إلا توفير الحياة الكريمة للأغنياء، والعمل على أن يزداد الفقراء فقرا». وردا على قول وزير الخزانة إن الخطة تمثل محاولة لعلاج ما سببته سياسات الحكومة العمالية السابقة من مشكلات اقتصادية، قال القيادى فى حزب العمال إن حديث أوزبورن «ليس إلا هراء سياسيا فالأزمة التى ضربت العالم ليست من صنع الحكومة السابقة، ولكنها نجمت عن أخطاء مديرى المصارف، وقد عانى منها العديد من الدول وليس بريطانيا فحسب». وأشار إلى أن حزبه كان قد طرح خطة بديلة تقوم على زيادة الضرائب المستحقة على أصحاب الدخول المرتفعة، وتقليص الإنفاق العام على مدى عشر سنوات وليس أربع، «وهذا لن يؤذى الشعب كثيرا، وسيعطينا فرصة تخفيف العبء عن البريطانيين». ويتفق الخبير الاقتصادى فى لندن الدكتور أحمد صابر مع هذا الطرح، بقوله ل«الشروق» «إن من سيدفع ثمن خطة التقشف هو المواطن البسيط.. حيث إن هناك موظفين ستُجمد رواتبهم لمدة عامين، بخلاف نصف المليون موظف الذين سيفقدون وظائفهم». وأشار إلى أن الإجراءات التى أعلنها وزير الخزانة لم تشمل أى بنود تستهدف «تصحيح الهياكل الموجودة داخل المصارف، والتى تسمح لمديريها التنفيذيين بتقاضى ملايين الجنيهات سنويا كمكافآت بالإضافة إلى المزايا الأخرى». لكن صابر رأى فى الوقت نفسه أن خطة خفض الإنفاق «كانت حتمية؛ لأن بريطانيا تعانى عجزا فى الموازنة يصل إلى أكثر من 11% من إجمالى الناتج المحلى، وهو ما يزيد بكثير على الحد المسموح به فى دول الاتحاد الأوروبى والذى لا يتجاوز 3%». وأضاف أن حجم الأموال التى سيتم توفيرها عبر خطة التقشف الحالية لا يغطى العجز الكبير فى الميزانية، غير أنه أشار إلى أن الإجراءات التى تتضمنها الخطة قد تؤدى إلى حدوث «تثبيط للنشاط الاقتصادى فى المجتمع مما قد يوقعه فى حالة كساد كبيرة». وأوضح صابر أن بريطانيا تعانى مشكلتين لكل منهما حل يتناقض تماما مع الحل الواجب للمشكلة الأخرى وهما العجز الهائل فى الموازنة، والكساد الكبير فى النشاط الاقتصادى. عجز الموازنة يتطلب تخفيض الإنفاق، والخروج من الكساد يستلزم زيادة الإنفاق، لذا حل إحدى المشكلتين سيكون على حساب الأخرى.