قبل شتاء 2006، لم نعتد على سماع صياح الدجاج إلا عند الذبح، لكن حالة الاستقرار التى كانت تعرفها صناعة الدجاج تحولت إلى حالة من الصراخ المستمر، من القائمين على هذه الصناعة، وفى مقدمتهم أصحاب محال بيع الدواجن الحية. فمع تطورات مرض إنفلونزا الطيور فى مصر، أصبح تداول الدجاج الحى، كتجارة المخدرات، التى يجرمها القانون، وأصبحت محال بيع الدجاج تقدم على بيعها خلسة، بعيدا عن أعين الجهات الرقابية أو تحت مظلة معرفتها وتجاهلها، أو من خلال مراوغتها. سالم سالم، واحد من أصحاب محال الدواجن، الذى أصبح يعانى من المطاردة من قبل الجهات الرقابية، لا لشىء سوى أنه يقوم ببيع الدجاج الحى. ورث سالم المحل الذى يعمل فيه عن أبيه، ومنذ ثلاثين عاما وهو يعيش فيه مع أبيه. أما معاناته فبدأت مع بداية ظهور مرض إنفلونزا الطيور، فبعدها بدأ يشعر كأنه يتاجر فى المخدرات، ومطارد من كل الجهات الرقابية. «مفتش التموين، ومفتش الصحة، وموظف البيئة، وحتى العسكرى، وأمين الشرطة، كلهم أصبحوا يطاردون أصحاب محال الفراخ». تبعا لسالم. يضيف سالم أصبح من حق مسئولى الصحة، أو التموين، بعد أزمة إنفلونزا الطيور بحجة مرض إنفلونزا الطيور أن يقتحموا المحل بدون تصريح نيابة، وأصبح من حق من يقتحم المحل أن يأخذ ما فيه من طيور. سالم يقول من المفترض قبل أن يتم اقتحام المحال، والاستيلاء على ما فيها من بضاعة أن يتم تحليل عينة من الطيور الموجودة داخل المحل، ويتم التأكد من أنها مصابة بالفيروس. «لا يصح أن تقتحم المحلات بدون وجه حق، المحل ملكية خاصة، مثل الشقة، كيف يتم اقتحامها»، تبعا لسالم. يقول سالم إن محله تعرض للاقتحام من شهر، وتم الاستيلاء على ما فيه من بضاعة، وكانت تقدر بنحو ألف جنيه، ولم يتمكن من أن يسترجعها. اعتراض واتهامات لا يقر صاحب محل الدواجن الطريقة التى تكافح بها الحكومة انتشار مرض إنفلونزا الطيور، ويقول إنه إذا كان الهدف هو محاربة المرض فلا بد من أن يتم منع تداول الطيور الحية بين المحافظات، أو يكون لدى العربات، التى يتم عبرها نقل الطيور الحية، تصريح يسمح لها بالتنقل. ويتم إيقاف العربات المحملة بالطيور الحية، وفقا لسالم، «حتى تذهب الحمولة إلى المجزر الآلى، ويباع الكيلو ب 10 جنيهات، وهو الثمن الذى يدفعه التاجر فى الكيلو، وبالتالى فإن المستفيد هو صاحب المجازر الذى يحصل على الدجاج بسعر رخيص، ويقوم بعدها بتوريدها إلى زبائنه من المطاعم، والفنادق بسعر يصل ل32 جنيها للكيلو»، على حد تعبيره. ويتهم سالم اللجان الطبية التى تراقب حركة الطيور الحية بين المحافظات بالتواطؤ مع أصحاب المجازر على حساب التجار، مضيفا أنه برغم أن تداول الدجاج الحى بين محافظة وأخرى لا يتم إلا بتصريح يقر بسلامة المزرعة التى تربى فيها الطيور، «فإن هذا التصريح يتم بيعه ب50 جنيها»! الطلب مازال موجودا على الطيور الحية و رغم الأزمة التى أصبحت تواجه محال بيع الدواجن الحية، والتحذيرات المستمرة من بيع الدواجن الحية، هناك زبائن ما زالوا يترددون على المحل. يقول سالم: ما زالت حركة البيع من الزبائن كما هى لم تتغير، لأن الناس، برغم كل شىء، تفضل شراء الدجاج الحى، للتأكد من صلاحية الدجاجة قبل الذبح. « الناس طالما شايفين الفرخة حية بتطمئن، لأن ما فيش حد بيحب المستورد»، كما جاء على لسان سالم. أزمة إنفلونزا الطيور، بما أدت إليه من تراجع للمعروض منها، أثرت على أسعار الدواجن ولكن بشكل معكوس لما حدث من قبل. حيث ارتفع سعر الكيلو من ما يتراوح بين 5-6 جنيهات للكيلو إلى 14 جنيه للكيلو فى الوقت الحالى، وهو ما عاد فأثر على حركة البيع، حيث انخفضت القوى الشرائية للزبائن. « بعد ما كان الزبون ممكن يشترى فرختين، وتلاتة، الآن فرخة أو اتنين على الأكثر».تبعا لسالم. سالم يقول أن حركة البيع فى فصل الشتاء( فصل الأزمة) تنخفض، مما يؤدى إلى تراجع إجمالى دخل المحل بنحو 50% عن فصل الصيف. كان انتاج مصر من الثروة الداجنة يدور حول 2.3 مليون طائر يوميا قبل ظهور انفلونزا الطيور مما احدث طفرة فى هذا القطاع أدت إلى الوصول للاكتفاء الذاتى من اللحوم البيضاء واستقرار الاسعار وبلغت صادرات مصر من الدواجن نحو 28 مليون دولار فى أكتوبر2005 حسب إحصائية اتحاد الدواجن. وتسبب المرض، مصر إحدى أبرز أهم مناطق ظهوره، فى خسائر فادحة لصناعة الدواجن فى مصر قدرتها الهيئة العامة للاستعلامات فى أكتوبر 2006 بمليارى جنيه. وتراجع الإنتاج إلى 500 ألف طائر يوميا ثم تحسن تدريجيا إلى 800 ألف ثم مليون ثم 1.2 مليون طائر يوميا خلال أغسطس 2006 وبعدها تم فتح الاستيراد لأول مرة منذ 17 عاما بعد أن أصبحت هناك فجوة تقدر بنحو 700 ألف طائر يوميا بعد أن غيرت الأزمة من هيكل الصناعة بحظر التجارة فى الطيور الحية، وقصر الذبح على المجازر المرخص لها بذلك. لكن بقيت حقيقة أن طاقة هذه المجازر لا تكفى لكل الإنتاج ،مما فتح بابا خلفيا للمحال للاستمرار فى تداول الدواجن الحية. الدواجن فقط وهكذا أدت الإجراءات فقط إلى استغناء سالم عن عرض أو بيع الكثير من الطيور التى كان يتاجر فيها قبل ظهور إنفلونزا الطيور فى مصر، وأصبح المحل قاصرا على عرض الدواجن فقط، بعد أن كان يبيع الأرانب، والحمام والبط. واقتصرت حركة البيع فى المحل على الدجاج الحى، و«البانيه» الذى يباع الكيلو منه فى محل سالم ب30 جنيها. يقترح سالم لعلاج مشكلة تداول الدجاج الحى أن يتم توزيع خريجى كليات الطب البيطرى على محال بيع الدواجن، للإشراف على صحة الدجاج فى المحال. «بدلا من معاناة ٪90 منهم من البطالة» تبعا لسالم. يرى سالم أن الحكومة قامت بتضخيم مشكلة مرض إنفلونزا الطيور «وأعطت الموضوع أكبر من حجمه»، فى حين أن كثيرا من الدول النامية، ودول أفريقيا، لم تقم باتخاذ إجراءات تعسفية ضد تجار الدواجن الحية. «المشكلة فى تربية الدواجن فى البيوت، وليس فى محال الفراخ»، تبعا لسالم. يقول سالم، دفاعا عن وضعه المخالف للقانون: «لم نسمع عن إصابة أى تاجر أو صاحب محل بمرض إنفلونزا الطيور، ولم يصب أى متعامل مع الدجاج من أصحاب المحلات منذ بداية ظهور المرض». سالم يؤكد أن متابعة الجهات الرقابية للمحال لا تتم إلا فى المناطق الراقية أو القريبة من أعين المسئولين، فى حين تتجاهل هذه الجهات مراقبة المحال التى توجد فى المناطق العشوائية. «المناطق العشوائية ما فيش حد بيراقب عليها»، تبعا لسالم. خلال حديث سالم إلى الشروق الذى استغرق نحو 10 دقائق، دخل المحل زبونان، وأثناء بيع سالم لأحدهما، قرر سالم أن يغلق المحل، بشكل مفاجىء، وكأنه حصل على إشارة بأن هناك حركة مرور، سالم أغلق المحل، وظل مساعده بالداخل يقوم بتجهيز طلب أحد الزبائن، الذى تسلم طلبه من تحت باب المحل.