هل الدولة مسئولة عن أخلاق مواطنيها؟ الإجابة الفلسفية التقليدية من أيام كونفوشيوس وحامورابى وأفلاطون وحتى الزكى النجيب محمود فى مصر ورئيس وزراء سنغافورة الأسبق (لى كوان يو)، هى بالقطع واليقين. وهناك مدرستان ناقشتا لماذا ينبغى على الدولة أن تتدخل من أجل تربية مواطنيها على حد أدنى من الأخلاق. فهناك من رأى أن من واجبات الدولة الأصيلة أن تسمو بمواطنيها ماديا وأخلاقيا من قبيل أنه «فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا»، بغض النظر عن أى حسابات أخرى. وهناك الفلسفة النفعية التى ربطت الأمر بأن التزام المواطنين بحد أدنى من الأخلاق سيكون أقل تكلفة وأكثر نفعا للدولة والمجتمع؛ فزيادة أعداد السارقين والمغتصبين والكاذبين يستتبع زيادة مباشرة فى الإنفاق على الأمن، والسجون، والمحاكم لمواجهة المخاطر والمنازعات. وللمدرستين أتباع ينافحون عنهما ليس ضد بعضهما البعض وإنما ضد مدرسة الدولة النهّابة (predatory state) التى ترى أن فساد مواطنيها مصلحة لها، لأنهم سينشغلون بفسادهم عن فسادها، وبتظالمهم عن ظلمها لهم، وبتراجع أخلاقهم عن تراجع أخلاقها، وبالتالى ينتقدون المحكومين مع أن القضية كلها أن فساد حاكميها انتقل إلى محكوميها. المعضلة فى مصر أننا نقترب من النموذج الثالث، أغلب الظن بدون وعى كافٍ، لأن الدولة تبنت إستراتيجية «لا نحول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا»، وهى مقولة تنسب لمعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهما. لمصلحة من، غير الدولة، أن يتصدر المشهد الإعلامى والسياسى هؤلاء الذين يخرجون علينا بعبارات وإشارات وإيحاءات تؤكد أن الأخلاق غائبة وأن النجاح فى مصر يقتضى لغة البلطجة والسوقة بلا خطوط حمراء؟ وواضح أنهم عرفوا أن الخط الأحمر الوحيد فى مصر هو إغضاب السيد الرئيس. لفت نظرى صديق لبرنامج تليفزيونى فضائى رياضى يتحدث فيه مذيع بلغة لا أعرف كيف يُسمح بها أن تدخل بيوتنا. فكان السؤال هو لماذا لا يوجد مجلس أعلى للآداب العامة تضع قائمة بالكلمات والمصطلحات والإشارات التى لا يجوز استخدامها فى أى مطبوعة أو برنامج تليفزيونى أو إذاعى؟ ولكننى وجدت الإجابة بأن هذا غير ممكن فى برنامج النخبة الحاكمة لأنها المستفيد الأكبر من أن نتحول جميعا إلى مجتمع بلا أخلاق.