«الأوسكار».. مكانة قد تحمل لعشاق السينما فى مصر نفس الدلالة، التى تحملها مكانة «كأس العالم» لعشاق كرة القدم.. ولكن الفارق أننا شاركنا فى الأخير مرتين، لكننا لم نتجاوز الرقم صفر حتى الآن مع جوائز الأوسكار حتى ولو من باب الترشيح النهائى.. لذا أتت أخبار ترشيح فيلم مصرى للأوسكار هذا العام لتفتح جراحا قديمة، وتثير عاصفة من جدال وأقاويل، تارة حول سبب عدم مشاركتنا العام الماضى، وأخرى حول عدم مشروعية اللجنة ومرة ثالثة حول وجود أسماء لأفلام دون المستوى فى قائمة الترشيح.. ولكننا هنا نحاول أن نرى الموضوع من زاوية أخرى ألا وهى.. هل الترشح للأوسكار فى تلك الفترة المتردية للسينما المصرية يجوز شرعا؟! هل ترشيحنا لفيلم مصرى لينافس أفلاما من 65 دولة يعتبر نوعا من سد الخانة أم حلما مشروعا؟ وأخيرا هل تفلح رائعة داود عبدالسيد رسائل البحر فى فك طلاسم تلك الجائزة الذهبية، التى لم ينجح أحد منذ عام 1958 حتى الآن فى حلها؟. فى البداية تحدثنا مع المخرج الكبير رأفت الميهى ليعلق على فكرة الترشيح فى ذاتها، وهل يراها فعلا تتم لسد الخانة أم أن للموضوع جوانب أخرى فأكد الميهى أن الترشيح من قبل لجنة سهل، ولكن الصعب هو ما بعد الترشيح، وقال: نحن غير مؤهلين لأى مسابقة أو مهرجان من المهرجانات الكبيرة، لأن كثيرا من أفلامنا مستواه الفنى والتقنى ضعيف. وأكد الميهى أننا صناعة قديمة وعجوزة وطوال عمرنا نرشح أفلاما للأوسكار، ولكن لم ينجح احد فى تخطى الترشيح الأول أبدا.. ولكن عاد الميهى وأكد أن الصناعة كانت يوما ما مهمة وثقيلة، وبها أسماء أمثال كمال الشيخ وصلاح أبوسيف وشاهين وشادى عبدالسلام، ولهذا لا يجوز أن نحكم على السينما من خلال أيامنا تلك، لأننا كنا ذات يوم أصحاب يد فى الصناعة، كما يجب ألا ننسى إسهامات جيل الثمانينيات الذى غزا المهرجانات وحصد العديد من الجوائز. وأما عن ترشيح فيلم داود عبد السيد فأكد الميهى أنه بالفعل فيلم أكثر من رائع، ويستحق الترشيح بقوة لما يحمل من رؤية وإبداع، وربما يكون قادرا على الترشح للأوسكار. أما الناقد مصطفى درويش فقال إن ترشيح أفلام مصرية للأوسكار يعتبر سد خانة لأنه لا يوجد أى فيلم مصرى يرقى لأن يصل إلى مستوى أحسن خمسة أفلام فى العالم، ويضيف: ما لا يرد على فكر الكثيرين أن مسابقة أوسكار أحسن فيلم أجنبى هى أصعب من مسابقة الأفلام الأمريكية نفسها.. لأن فى الأخيرة تتنافس مجموعة من الأفلام الأمريكية مع بعضها، أما فى أوسكار أحسن فيلم أجنبى فيتم التنافس بين 56 دولة ليخرج فى النهاية خمسة أفلام يختار منها الفيلم صاحب الأوسكار.. ولا أعتقد أبدا أن هناك أى فيلم مصرى يستطيع تحقيق هذه المعادلة الصعبة خصوصا أن أكثر الأفلام إيرادا الآن فيلم «أولاد البلد»، ومن قبله كان «نور عينى» لتامر حسنى!.. وأنا أتساءل: هل سينما بهذا المستوى تريد المنافسة فى الأوسكار؟! كما استمر درويش فى شن هجومه على السينما، وأفلامها الآن فقال: انظر إلى الأفلام التى يتم النقاش حولها الآن.. ستجد جميعها دون المستوى، وأعتقد أن هذه اللجنة تجتمع لسد الخانة، ولأننا نمتلك شعورا زائفا أننا فى خير حال. وضرب درويش مثلا بفيلم «المسافر» الذى تم إنفاق ما يقرب من 25 مليون جنيه عليه، وعندما دخل فينيسيا تفوق عليه فيلم إسرائيلى لم يتكلف مثل هذا المبلغ.. أما عن فيلم رسائل البحر والذى أبدى كثير من الفنانين تفاؤلهم بترشيحه العام فقال درويش إن هذا الفيلم سيقول عنه الغرب إنه فيلم ملىء بالادعاء والغموض وليس صادقا.. كما انتقد درويش كون أن اللجنة يرأسها رجل لا علاقة له بفن السينما. وتعجب درويش من كون بلاد وليدة فى فن السينما مثل كوريا الجنوبية صارت تنتج وتصدر فنها للعالم كله، وما زلنا نحن نتطلع لتحسين أحوالنا. وختم درويش حديثه بقوله إن الدخول للأوسكار لا يتحقق بالتطلع إليه بل يتحقق بشىء من اثنين، الأول هو توافر مناخ لحرية التعبير، والثانى مناخ صراع من أجل حرية التعبير، كما يحدث فى إيران، التى افتتن العالم كله بفنها وأفلامها لأنهم مناضلون بحق. أما الناقدة خيرية البشلاوى فعلقت على كون الترشيح حقيقيا أم سد خانة، وقالت: إن هذه القاعدة لا تجوز لكل السنوات، كما لا يجوز أن ننكر إنها تحدث فى سنوات أخرى أيضا. كما قالت البشلاوى إنها متفائلة خيرا برسائل البحر هذا العام لأنه فيلم ذو مستوى عالٍ قد يحقق بعض الآمال. أما الناقد أحمد يوسف فقال إن الترشيح حدث هذا العام نتيجة لثورة بعض السينمائيين بخصوص تجاهل ترشيح فيلم مصرى منذ فترة، وهو شخصيا غضب جدا عندما وجد دولا كبنجلاديش قدمت أفلاما العام الماضى فى حين لم تفعل مصر.. وعندما سئلنا وجدنا ردا سقيما جدا، وهو أن الأوسكار لم يطلبنا.. وأما إذا كان ترشيح فيلم مصرى يأتى فى إطار سد الخانة أم أنه حلم مشروع، فقال يوسف: أنا مؤيد تماما للترشيح حتى، وإذا كنا لا نملك فيلما مؤهلا، فذلك يجعلنا على الخريطة وربما نفلح ذات يوم، ولا نستطيع أن نمنع عن مصر هذه المحاولة لأن هناك 65 دولة تقدم أفلاما، كما أكد يوسف أن هناك علامة استفهام كبيرة حول تولى وزارة الثقافة مهمة ترشيح فيلم مصرى للأوسكار فى حين لم تدع هيئات سينمائية متعددة موجودة على أرض الواقع لتقوم بالأمر.. كما أنى أرى أن اللجنة لا تتمتع بالمؤهلات الواجبة للقيام بهذه المهمة، فكثير منهم غير سينمائيين ولا يدرون إلى أين وصل مستوى السينما العالمية، لذا حتى تشكيل اللجنة عليه علامات استفهام. كما رفض يوسف أن يدخل فى القائمة أفلاما مثل «كلمنى شكرا» و«عسل أسود»، وقال إن أمريكا تقدم أفلاما تجارية صيفية، ولكنها لا ترشحها للأوسكار وترشيح مثل هذه الأفلام من البداية يدل على مدى التدهور الذى وصلنا إليه، ولهذا يؤكد يوسف أن الطريقة التى اتبعتها اللجنة فى عملها تثبت أن النية لديهم هى سد الخانة وليس العمل الجدى. أما الفنان عزت أبوعوف رئيس مهرجان القاهرة الدولى فقال إنه سعيد جدا بترشيح رسائل البحر لنيل ترشيح الأوسكار، ونفى تماما أن يكون الترشيح بشكل عام من باب سد الخانة، وأكد أيضا أن الترشيح لم يكن أبدا كذلك ولكن سبب عدم حصول مصر على وجود قوى فى ساحة الجوائز العالمية يعود إلى أن كثيرا من المهرجانات لها مرجعيات سياسية كثيرا ما تؤثر على الحق المصرى.. كما رفض أبوعوف الادعاء بقول إن السينما المصرية ذات حال متدهور. ونأتى إلى أحد نجوم العمل الذى حاز الترشيح لهذا العام بإجماع آراء اللجنة، كما أكد رئيسها محمد سلماوى، وهو الفنان آسر ياسين، الذى قال: أشعر بفخر كبير جدا نتيجة لهذا الترشيح، خاصة أنه يدفع الفيلم إلى آفاق أوسع وأرحب، ويعتبر خطوة فى عالمية فيلم المخرج داود عبدالسيد، الذى أخرج فيلما طاف العديد من المهرجانات، وحاز العديد من الجوائز. وأكد آسر أن هذا الترشيح سيكون فارقا معه إلى حد كبير لأن متعته الشخصية تكمن فى رؤية الفيلم من قبل جمهور الدول الأخرى، ولهذا يؤكد آسر أنه لا يستطيع القول إن الفيلم قادر على المنافسة أم لا ولكن ميزة الاختيار هو دفع الفيلم إلى آفاق أوسع.. ولكنه عاد وقال إنه يستطيع أن يتكلم «بقلب جامد» عن قوة الفيلم لما حققه فى عدة مهرجانات. وأضاف آسر قائلا: هذا هو المتوقع من مخرج كداود عبدالسيد.