يمكن القول بضمير مستريح إن حكم المحكمة الإدارية العليا صباح الأربعاء الماضى بتأييد حكم القضاء الإدارى ببطلان عقد مدينتى يعنى إعلانا دامغا لنهاية دولة إبراهيم سليمان. يفترض أن الحكم نهائى وواجب النفاذ، ويفترض أن تنفيذه سيحافظ على الحقوق القانونية المكتسبة لملاك الوحدات الذين اشتروها بحسن نية، وسواء تم التنفيذ فعلا أو لجأت مجموعة طلعت مصطفى ومعها الحكومة لإلغاء أو عرقلة الحكم عبر أى ثغرات قانونية فإن ذلك لن يؤثر فى نهاية دولة إبراهيم سليمان. هذه الدولة نشأت عندما تولى الوزير منصبه وزيرا للإسكان عام 1993 وترعرع طوال فترة منصبه الوزارى، واستمرت بصورة أو بأخرى حتى خروجه من الوزارة أوائل عام 2004. بعد إقالة سليمان جرت محاولات متعددة لمحاسبة الوزير على مجمل أدائه الوزارى لكنه أفلت منها جميعا حتى الآن بأعجوبة. التقارير الرقابية اتهمت الوزير بالتربح من منصبه وتوزيع أراضى الدولة وشققها وفيللاتها على الأهل والأقارب وذوى النفوذ «بتراب الفلوس»، ولاتزال نيابة الأموال العامة تحقق فى الأمر حتى الآن. الوزير من جهته يصر على أنه لم يخالف القانون، لكن حكم الإدارية العليا النهائى ينسف كل دفاعاته بل يجعل إعادة النظر فى كل إجراء أو قرار اتخذه هذا الرجل أثناء توليه منصبه أمرا عاجلا، إذا كانت الحكومة جادة فعلا فى أنها لا تحمى أحدا. دولة إبراهيم سليمان مثلت نمطا فى الحكم مفاده ذوبان وتلاشى العلاقة بين الخاص والعام وبين الحكومة والمسئولين خصوصا إذا كانوا رجال أعمال. فى دولة إبراهيم سليمان اغتنى كثيرون فى لمح البصر، بل كما قال جمال الشناوى فى مقاله بالدستور يوم الثلاثاء الماضى، فإنه حتى بعض أفراد الرقابة الإدارية التى كانت مهمتهم مراقبة أداء الوزير والوزارة قد استفادوا من تأشيرات الوزير وحصلوا على قطع أراضٍ مميزة بأموال قليلة ثم باعوها بالملايين. وهو أمر خطير يستوجب فتح باب التحقيق فورا بالمعلومات التى أوردها المقال. لا أستطيع إدانة إبراهيم سليمان شخصيا حتى تنتهى تحقيقات نيابة الأموال العامة، لكن يندر تقريبا أن تجد شخصا يدافع عنه علنا رغم أن عطاياه وصلت إلى كثيرين وتسمع فى هذا الشأن قصصا أسطورية لكنها تحتاج لأدلة موثقة. المستفيدون من إبراهيم سليمان كثيرون حاولوا بطرق كثيرة مساعدته من بعيد، لكن حكم المجتمع كان نافذا وغير قابل للنقد. انتهت دولة إبراهيم سليمان إعلاميا باختفاء كل المروجين لعهده تقريبا باستثناء بعض البؤر القليلة، وانتهت هذه الدولة سياسيا بإقالته من رئاسة شركة الخدمات البترولية وإسقاط عضويته فى مجلس الشعب، كما انتهت قانونيا بحكم القضاء الإدارى فى مشروع مدينتى قبل يومين. انهارت هذه الدولة وتهاوت تحصيناتها وتهدمت معظم أركانها، لكن رمزها لايزال حرا طليقا فى انتظار انتهاء التحقيقات معه. أسطورة إبراهيم سليمان انتهت رغم كل أنواع الحمايات التى كان يتمتع بها والفضل فى ذلك لبعض الشرفاء فى الحكومة وفى مواقع رقابية كثيرة وفى بعض وسائل الإعلام، لكن المشكلة ليست شخص إبراهيم سليمان لكنها فى النظام أو «السيستم» الذى يعيد إنتاج مثل هذه النوعية من المسئولين. إبراهيم سليمان فى منزله الآن بلا حصانة أو وزارة، لكن انظروا وتأملوا كم شخصا مثله فى مراكز الحكم يعيدون إنتاج الحكاية بنفس تفاصيلها المملة، على هؤلاء أن يتعظوا ويفكروا ولو قليلا أن لا حماية لأى شخص يعيث فسادا ضد مصالح الناس مهما طال الزمن. يا أيها الفاسدون اتعظوا: المال لم ينقذ طلعت مصطفى والنفوذ لم يحمِ إبراهيم سليمان.