للموسيقار الكبير عمر خيرت بصمة واضحة فى عالم الموسيقى المصرية والعربية. وهو من القلائل الذين يقدمون موسيقاهم وفق رؤية خاصة تضعه بين صفوة من يقدمون هذا اللون أمثال «عمار الشريعى» و«ياسر عبدالرحمن». موسيقاه لا تخاطب الوجدان المصرى فقط لكنها تتخطى الحدود لأنها ببساطة خليط من المقامات الشرقية والغربية التى تقدم فى إطار أوركسترالى. وبالتالى تتسع قاعدة جماهيريته بشكل كبير لتعكس قيمة ما يقدمه. كما أن رؤيته الموسيقية للأعمال الدرامية التى يؤلف موسيقاها جعلت منها مطلبا جماهيريا فى حفلاته. هذا العام قدم عمر خيرت موسيقى مسلسل «الجماعة» وهى كالعادة تتميز بالرقى المعهود فى موسيقاه، كما أنها تعكس شخصيته. لذلك كل من استمع إليها قال «إنها تعبر عن شخصية عمر خيرت أكثر من تعبيرها عن شخصية المسلسل». خاصة أنه لم يستخدم التيمات الموسيقية المعتادة المرتبطة بالبيئة التى تدور الأحداث فيها. فالريف مثلا له جمل موسيقية خاصة به وكذلك الصعيد، والبادية وأى مؤلف موسيقى يعتمد فى موسيقاه على هذه التيمات ليدلل على البيئة وبالتالى ينقل للمشاهد الإحساس بالمكان. فى مسلسل «الجماعة» لم نشعر بهذا، فالموسيقى أقرب إلى الشكل العالمى منه إلى الشكل المصرى التقليدى. فى البداية سألت عمر خيرت لماذا كانت الموسيقى تعبر عنك أكثر من تعبيرها عن مضمون المسلسل ؟ قال.. دائما وفى كل أعمالى أحاول أن أقدم شخصيتى. هذا هو العرف بالنسبة لى. لاننى فى النهاية أقدم رؤيتى للأحداث من خلال شخصيتى. وأنا اختار نوع الموسيقى حسب رؤيتى للأحداث. لكن أنت فى النهاية مرتبط بواقع تعبر عنه؟ من قال أنى بعيد عنه، هناك جمل شرقية منفذة بالناى والعود مثل كثير من أعمالى. لكن ربما وضعها فى إطار اوركسترالى، يجعل البعض يشعر باختلاف، خاصة أن هذا غير معتاد. وأنت تضع موسيقى الجماعة ما الفكرة التى سيطرت عليك؟ أول شىء قررته أن أضع موسيقى عالمية لذلك أنت وجهة نظرك صحيحة فيما يتعلق بأن الموسيقى غير مرتبطة بواقع معين أو بيئة مع الوضع فى الاعتبار كما قلت بوجود جمل شرقية. لاحظت أن العمل لا يعتمد على تيمة معينة كما يحدث فى الدراما التليفزيونية؟ هذا المسلسل نفذ على طريقة السينما، بمعنى أننى وضعت الموسيقى على المشاهد، ولم استخدم تيمة معينه مثل الدراما التليفزيونية، حيث توضع تيمة رئيسية للعمل ككل ثم يتفرع منها مجموعة تيمات مرتبطة بالمشاهد الرومانسية وأخرى لمشاهد التوتر. لكن مثل هذا النوع مرهق بالنسبة للدراما التليفزيونية عن السينما لأن المسلسل يصل عدد ساعاته إلى 25 ساعة تقريبا والسينما ساعتين؟ أعلم أن الأمر مرهق جدا لكننى أهوى التحدى وأشعر بمتعة وأنا أقدم التجارب الجديدة، ثم أننى لا أعمل سوى مسلسل واحد وأعطيه كل وقتى. لأننى أرى أن العمل فى أكثر من مسلسل فى نفس الوقت عمل غير إنسانى بالمرة. ليس صحيا فقط لكن فكريا وأدبيا. هناك جدل كبير حول هذا المسلسل ألم تتخوف من أمر مشاركتك فيه؟ العمل على المستوى الفنى عال جدا من حيث الإخراج والديكور والسيناريو والحوار والملابس والأداء التمثيلى، وأعتقد أن هذا المسلسل نرد به على الدراما السورية التى قالوا عنها إنها سحبت البساط منا. وبعيدا عن كونه يتحدث عن الإخوان فهو يتحدث عن تاريخ هذا الوطن، وأعتقد أن هذا المسلسل سيترك بصمة كبيرة فى عالم الدراما وكذلك على المستوى الجماهيرى. وأؤكد لك أن مسلسل «الجماعة» عمل وطنى من الدرجة الأولى. لماذا تنحاز دائما للموسيقى فى التترات ولا تفضل التتر المغنى؟ الموسيقى أعمق من الكلمة المباشرة وللأمانة كان صاحب الاقتراح وحيد حامد، وهو ما يتفق مع شخصيتى لأننى أميل إلى الموسيقى رغم أننى قدمت أغانى بشكل جيد. لكن قضيتى طوال عمرى هى الموسيقى لأننا لا يوجد لدينا موسيقى بحتة بالقدر الذى يتوافق مع أهميتنا. وللأسف نحن لا نستطيع التعبير عن أنفسنا سوى بالأغنية وهو أمر لا يليق بنا. كيف ترى هذا الزحام من المسلسلات؟ فى النهاية لا يصح إلا الصحيح ومن حق الناس أن تقدم إبداعها ودائما الجيد سيفرض نفسه، لكن ليس بهذه الكثافة وأنا أعلم أن هناك مؤلفين للموسيقى وملحنين وضعوا موسيقى لأكثر من ثلاثة أعمال والفرق بالتأكيد سوف يظهر للناس خاصة أن هناك أناسا مما ذكرتهم يدخلون الحكاية وهم فاتحون صدورهم، والنتيجة لا شىء. الاهتمام بالموسيقى التصويرية كيف تراه؟ الآن اختلف الوضع عن الماضى صحيح الميزانية أقل مما يوضع لبنود أخرى فى الإنتاج. وأنا حتى وقت قريب كنت أدفع من جيبى الخاص حتى يظهر العمل بالشكل الذى أتمناه. لكن هل الاهتمام الآن بنفس قدر اهتمام دول الغرب؟ إحنا فين وهما فين. هناك ميزانية الموسيقى تصل لمليون دولار أما هنا كلام فارغ، رغم أن الموسيقى عمود من أعمدة العمل الدرامى. ما أسباب هذه النظرة؟ جهل بعض المنتجين، وعدم فهم البعض الآخر. هل من بين أسباب الجهل الاستعانة بملحنى الكاسيت لوضع الموسيقى والألحان؟ عدد الموسيقيين الجيدين قليل لذلك فهم جروا خلف من ذكرتهم خاصة أنهم أقل فى السعر من الأسماء الكبيرة، وهناك رغبة من المنتج فى الاستسهال. خاصة أن بعض الأسماء ممن يلحنون فى الكاسيت يقومون أيضا بعرض أنفسهم على الشركات. دخول المطرب العربى غناء التترات كيف تراه؟ أرى أنها ظاهرة إيجابية لأن الفن ليس له حدود بشرط أن يكون الصوت جيدا ويضيف للعمل. والفن دائما خلق لكى يكسر الحدود، والدليل أننا نستمع إلى موسيقى من الشرق والغرب، ودائما ننبهر بالشىء الجيد. ولو نظرنا بمنطق هذا عربى وهذا غربى لأصبحنا متخلفين عن العالم. 33 عملا دراميا يقدمها تليفزيون الدولة ألا ترى أن هذا عدد كبير؟ أنا شخصيا مش فاهم من أين جاءوا بهذا الكم. والسؤال الذى أطرحه هل استطاعت هذه القنوات تحقيق عائد يعوض المبالغ التى أنفقت لشراء هذه الأعمال، وأنا شخصيا أعلم أن هناك مستفيدين من كثرة الإنتاج لكن المهم ماذا يقدم العمل وعلى التليفزيون أن يهتم بالكيف وليس الكم. وعيوب الصوت التى نلاحظها أثناء عرض التتر حيث تبدو الجودة أقل مما تبدو عند الاستماع لها فى الأستوديو أو كاسيت السيارة؟ هذا صحيح وهى مشكلة نعانى منها جميعا، ويعود سببها إلى كثرة الطبع من العمل الأصلى لأن المسلسل ينسخ بكثرة وبالتالى لا يكون الصوت بنفس جودة العمل الأصلى. وللأسف الشديد القنوات والمنتجون لا يراعون ذلك، رغم أن هناك وسائل حديثة تقضى على هذه الظاهرة التى تعد اغتيالا لإبداع المؤلف الموسيقى، وهى قضيه مهمة أتمنى أن نتلاشها فى المستقبل.