عندما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكعبة ففتحت رأى الصورَ تملؤها من داخلها وفيها صورتان يزعم المشركون أنهما لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهما يستقسمان بالأزلام، فقال رسول الله سخطا على المشركين: «قاتلهم الله(!) والله ما استقسما بها قط». وأمر بتلك الصور كلها فمحيت من داخل الكعبة، وأصبح البيت الحرام خالصا للتوحيد: فالتماثيل التى كانت أصناما مقدسة تعبد، أو يتقرب بها إلى الله، عادت إلى أصلها ترابا وحجارة بعد أن هدمها نبى التوحيد وهو يتلو القرآن. والصور التى صنعها أهل الشرك داخل الكعبة أصحبت أثرا بعد عين، ويروى أهل السير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يومئذ أهل مكة فقال لهم ما تظنون أنى فاعل بكم؟ فقالوا خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال إنما أقول لكم ما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء، أى الذين لن يؤسروا. وروى أحمد، والبخارى فى صحيحه، وأصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى خطبته يوم الفتح: «الحمد لله الذى صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، يا معشر قريش ماذا تقولون؟ ماذا تظنون؟» قالوا نقول خيرا ونظن خيرا نبى كريم وأخ كريم، وقد قدرت. فقال لهم مقالته السابقة فخرجوا، كأنما نشروا من القبور، فدخلوا فى الإسلام. وتلا عليهم رسول الله قول الله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» وقال لهم «إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهى حرام بحرمة الله، لم تحل لأحد كان قبلى، ولن تحل لأحد كائن بعدى». وذكر مظاهر الحرمة، وأن المسلم أخو المسلم، وأن المسلمين إخوة، وهم يد على من سواهم، وحرم زواج المرأة على عمتها وخالتها، وبين أساس الحكم بالحقوق فقال: «والبينة على من ادعى واليمين على من أنكر». وكان من حديث فتح مكة، كما يروى أهل السير، أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثى أراد قتل رسول الله يوم الفتح، وهو يطوف بالبيت، فناداه رسول الله وقال أفضالةَ قال نعم. قال ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال لا شىء.. كنت أذكر الله، فضحك رسول الله، ثم قال استغفر الله. أطلعه على خبيئة نفس فضالة رَبُّ العالمين ففضحها له فأسلم وحسن إسلامه. ودخل صلى الله عليه وسلم الكعبة فى نفر من أصحابه فمكث فيها مدة من الزمن، وكبر فى زواياها وأرجائها، وصلى ركعتين، وحمد الله تعالى قبل أن يخرج إلى قريش ويخطب فيهم خطبته يوم الفتح. ثم لما خرج من البيت الحرام صلى ركعتين قِبَلَ الكعبة وقال هذه القبلة. وقال جماعة من الأنصار عندما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه بحمد الله ويذكره ويدعو ما شاء الله له أن يدعو، قالوا أمَّا الرجل فأدركته رغبة فى قريته ورأفة بعشيرته. فجاءه الوحى بذلك، فقال يا معشر الأنصار قلتم كذا وكذا؟ قالوا قد قلنا ذلك يا رسول الله. قال كلا إنى عبدالله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، المحيا محياكم والممات مماتكم، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون والله يا رسول الله ما قلنا ذلك إلا ضنا بالله وبرسوله، فقال لهم فإن الله ورسوله يعذرانكم ويصِّدقانكم، وبايع الرسولُ صلى الله عليه وسلم الناس يومئذ على الإسلام، وجاءه الصغار والكبار والرجال والنساء، فبايعهم على الإيمان بالله تعالى وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، ومنذ يوم الفتح الأكبر فى رمضان من السنة الثامنة من الهجرة أصبحت مكةالمكرمة عاصمة الإسلام لا يفارقها ولا تفارقه، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.