نجحت محال السوبر ماركت الصغيرة، المنتشرة فى الأحياء المختلفة والقريبة من المنازل، فى اجتذاب شريحة كبيرة من مستهلكى السوق من الهايبر الكبيرة، إلا أنه مع الأزمة العالمية وتزايد الضغوط المالية، عاد الهايبر ليحتل المقدمة فى الصورة مرة أخرى. فاتورة المشتريات المنزلية عبء شهرى على كل أسرة مصرية، عبء ازداد من شهر إلى شهر مع زيادة الأسعار، خاصة الغذائية منها. ومع بداية الأزمة العالمية وتراجع الأسعار على المستوى العالمى، لم تسجل الأسعار انخفاضا ملموسا داخل السوق المصرية، مما «ضاعف العبء علينا، خاصة أن زوجى قد تم خفض راتبه بعد أن اكتفت شركته بعمله لمدة ثلاثة أيام فقط، لتقليل تكاليفها»، كما تقول سناء السيد، ربة منزل وأم لطفلين. رب ضارة نافعة بالفعل، فإن عدم انخفاض الأسعار قد دفع بكثير من الأسر، منها أسرة سناء، إلى التوفير فى فاتورة مشترياتها الشهرية. وأول وسيلة للتوفير، كما تقول سناء، هى الذهاب مرة أو اثنتين فى الشهر للهايبر ماركت الكبير لتلبية هذه المشتريات، «بدلا من الاستسهال والشراء من أى من السوبر ماركت المجاور»، كما جاء على لسانها، مضيفة أنه «قبل انخفاض راتب زوجى للنصف، كنا فى كثير من الأحيان، نحسبها ونقول مش فارقة، نوفر المجهود والمشوار والوقت، وندفع شوية زيادة، الآن لا يمكن، فهذه المشتريات تبتلع القسط الأكبر من دخل الشهر». الهايبر ماركت، عبارة عن محل تجزئة كبير به كل ما تحتاج إليه الأسرة من مواد غذائية، سلع معمرة، أدوات نظافة، لحوم، دواجن.. إلخ. والأهم من ذلك أنه يبيع بأسعار الجملة، مع إضافة هامش ربح بسيط، وفى نفس الوقت، دائما هناك عروض تخفيضات فى هذه السلاسل الكبيرة من التجزئة. اشترى علبة جبنة واحصل على الأخرى بنصف الثمن، كيلو لحمة كندوز فقط ب34 جنيها، خصم 20% على مكنسة كهربائية، وكثير من العروض المتنوعة التى شجعت أيضا الناس بتفضيل الذهاب إلى هذه الهايبرات لتقليل فاتورة مشترياتها المنزلية. وتقول سعاد فرحات، موظفة بوزارة الشباب، «لقد قارنت بين فاتورة المشتريات منذ أن قررت الذهاب إلى الهايبر وبين تلك التى كنت أصرفها حين أشترى من محل عادى إلى جانب منزلى فى السادس من أكتوبر، فوجدتنى أوفر على الأقل مائة جنيه». يبدو أن فرحات ليست الوحيدة التى اكتشفت هذا الفرق فى التكلفة بين الماركت العادى وبين الهايبر. فالعديد من الأسر لاحظته، خاصة، كما توضح نادية شبراوى، موظفة فى وزارة الزراعة، أن «العروض التى تقدمها هذه المحال منذ بداية الأزمة تجعل هذا الفارق أكبر». ويقول محمد زين، أحد العاملين المسئولين بمحال الهوارى، إحدى سلاسل التجزئة فى مصر: إن العروض المتنوعة والتخفيضات المستمرة التى يقدمها المحل نجحت بالفعل فى جذب شريحة كبيرة من العملاء. «لم تعد الزحمة لدينا تظهر فقط فى بداية الشهر، أو فى المناسبات بل أيضا فى أيام متعددة على مدار الشهر»، تبعا لزين، مشيرا إلى أنه خلال الشهرين الأخيرين هناك زيادة فى حجم المبيعات بما يتراوح بين 25 و35%. «هذه الزيادة ترجع فى الأساس إلى زيادة عدد المشترين وليس إلى زيادة المشتريات»، كما يوضح زين. ويؤيد أحمد، أحد العاملين على الكاشير فى محل كارفور، الزيادة فى عدد المشترين من كارفور خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. «دائما ما كنا نعانى ضغطا فى بداية كل شهر، أو فى إجازة نهاية الأسبوع، إلا أن الوضع الآن قد اختلف، فالطوابير مستمرة طوال أيام الأسبوع»، كما يقول أحمد، مشيرا إلى أن هناك شرائح جديدة من المستهلكين انضمت إلى مستهلكى كارفور. الهوارى وكارفور ليسا إلا مثلين من بين الكثير من سلاسل التجزئة التجارية التى نجحت فى سحب البساط من تحت محال السوبر ماركت العادية، المنتشرة فى المناطق المختلفة، والتى كانت لفترة طويلة سببا رئيسيا لشكاوى سلاسل التجزئة. فهناك أبوذكرى، سبينيز، الحسين، فرج الله، وغيرها كثير. فحين تمر من أمام أى من هذه المحال، أصبحت تبحث عن العروض والتخفيضات التى أصبحت العلامة المميزة لها، ومن يكن عرضه أفضل يجذب شريحة أكبر من المستهلكين. ولعل ذلك، كما قال وزير التجارة والصناعة، رشيد محمد رشيد، قد يكون أخيرا سببا فى زيادة الوعى الشرائى، وصرف الناس عن تشجيع مغالاة التجار فى تحديد هامش الربح الخاص بهم. «لا أستطيع أن أجبر التاجر على تخفيض أسعاره مادام هناك المستهلك الذى يقبل الشراء بهذا السعر، ولكن امتناع المستهلك عن شراء المنتج بالسعر الغالى وبحثه عن الأرخص هو الذى سيدفع بالتجار إلى تخفيض أسعارهم»، كما جاء على لسان رشيد. وهذا ما رصده عماد الشافعى، مهندس، حين قال إنه بعد ثلاثة أسابيع من امتناعه عن طلب مشترياته من السوبر ماركت الذى يقع إلى جوار منزله وجده يرسل له أيضا قائمة بالعروض والتخفيضات المتاحة لديه. «اضطررنا إلى القيام ببعض التخفيضات لأننا وجدنا أنفسنا نحقق تراجعا فى حجم المبيعات يزداد من شهر إلى آخر خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة ليصل إلى 30% فى شهر مارس»، كما يقول علاء البربرى، صاحب سوبر ماركت فى المهندسين. «القوة الشرائية فى مصر إذن من أهم الكروت الرابحة»، كما تقول أمنية حلمى، أستاذة الاقتصاد فى المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، خاصة أن الغذاء، وهو الذى تنفق عليه الأسر ما يقرب من 80% من دخولهم، من أهم البنود الشرائية. ولذلك، «فمن يحسبها صح يستطع أن يحقق ربحا كبيرا بهامش ربح صغير» ، كما جاء على لسانها. ولذلك على الرغم من الإجراءات التى اتخذتها الحكومة فى مايو 2007، من وقف الصادرات إلى إنهاء الإعفاءات التى يتمتع بها العاملون فى المناطق الحرة، فقد استمر الكثير من المستثمرين، خاصة فى مجال سلاسل التجزئة، فى البحث عن فرصة للدخول إلى السوق المصرية. ومن بين هذه الشركات، الشركة الألمانية مترو كاش آند كارى، التى أعلنت العام الماضى عن رغبتها فى الدخول إلى السوق المصرية لما تتمتع به من معدل استهلاك عال وعدد سكان هائل»، كما جاء على لسان فرانس مولير، المدير التنفيذى للشركة. ومترو كاش آند كارى ليست إلا مثالا من بين الكثير من سلاسل التجزئة المتعددة التى سعت إلى الانضمام إلى السوق المصرية، حتى فى أوج الأزمة، لأن «هذا المجال (الغذائى) هو الأضمن للاستثمار فى الوقت الحالى، خاصة فى مصر»، كما تقول حلمى.