سعر جرام الذهب يتراجع 110 جنيهات.. كم بلغت خسائر المعدن الأصفر في شهر؟    حماس: إذا أقدم الاحتلال على الحرب في رفح سندافع عن شعبنا    القاهرة الإخبارية: تعرض رجل أعمال كندي يقيم بالبلاد لحادث إطلاق نار في الإسكندرية    عزت إبراهيم: تصفية الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة عملية مخطط لها    مفيد شهاب: ما قامت به إسرائيل يخالف اتفاقية السلام وتهديد غير مباشر باستخدام القوة    عودة الروح للملاعب.. شوبير معلقًا على زيادة أعداد الجماهير بالمباريات    عاجل.. أول رد من صالح جمعة على إيقافه 6 أشهر    مكاسب الأهلي من الفوز على الاتحاد السكندري في الدوري المصري    حالة الطقس الأيام المقبلة.. الأرصاد تحذر من ظاهرة جوية على القاهرة وسيناء    ياسمين عبدالعزيز ل«صاحبة السعادة»: لا أفرق في الحب بين أبنائي    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 8 مايو.. «هدايا للثور والحب في طريق السرطان»    حسن الرداد: لو حد ضايقني هضايقه ومش هنام مظلوم    تليجراف: سحب لقاح أسترازينيكا لطرح منتجات محدثة تستهدف السلالات الجديدة    البيضاء تعود للارتفاع.. أسعار الدواجن والبيض اليوم 8 مايو 2024 بالبورصة والأسواق    نائب رئيس المصري: مش هنفرط في بالمشاركة الإفريقية    «إنت مبقتش حاجة كبيرة».. رسالة نارية من مجدي طلبة ل محمد عبد المنعم    الأونروا: مصممون على البقاء في غزة رغم الأوضاع الكارثية    بالمفتاح المصطنع.. محاكمة تشكيل عصابي تخصص في سرقة السيارات    تسلا تنهار.. انخفاض مبيعات سياراتها بنسبة 30% في إبريل    نشرة التوك شو| تغيير نظام قطع الكهرباء.. وتفاصيل قانون التصالح على مخالفات البناء الجديد    واشنطن: القوات المسلحة المصرية محترفة ومسئولة ونثق في تعاملها مع الموقف    إسعاد يونس تقرر عرض فيلم زهايمر ل الزعيم في السينمات المصرية... اعرف السبب    موعد عيد الأضحى 2024.. وإجازة 9 أيام للموظفين    الأردن وأمريكا تبحثان جهود وقف النار بغزة والهجوم الإسرائيلي على رفح    ياسمين عبد العزيز: محنة المرض التي تعرضت لها جعلتني أتقرب لله    شاهد.. ياسمين عبدالعزيز وإسعاد يونس تأكلان «فسيخ وبصل أخضر وحلة محشي»    ندوة "تحديات سوق العمل" تكشف عن انخفاض معدل البطالة منذ عام 2017    ماذا يحدث لجسمك عند تناول الجمبرى؟.. فوائد مذهلة    5 فئات محظورة من تناول البامية رغم فوائدها.. هل انت منهم؟    متحدث الزمالك: هناك مفاجآت كارثية في ملف بوطيب.. ولا يمكننا الصمت على الأخطاء التحكيمية المتكررة    تحت أي مسمى.. «أوقاف الإسكندرية» تحذر من الدعوة لجمع تبرعات على منابر المساجد    «العمل»: تمكين المرأة أهم خطط الوزارة في «الجمهورية الجديدة»    مغامرة مجنونة.. ضياء رشوان: إسرائيل لن تكون حمقاء لإضاعة 46 سنة سلام مع مصر    الداخلية تصدر بيانا بشأن مقتل أجنبي في الإسكندرية    رئيس البورصة السابق: الاستثمار الأجنبي المباشر يتعلق بتنفيذ مشروعات في مصر    قبل مواجهة الزمالك.. نهضة بركان يهزم التطواني بثلاثية في الدوري المغربي    رئيس جامعة الإسكندرية يشهد الندوة التثقيفية عن الأمن القومي    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    معجبة بتفاصيله.. سلمى الشماع تشيد بمسلسل "الحشاشين"    «خيمة رفيدة».. أول مستشفى ميداني في الإسلام    موقع «نيوز لوك» يسلط الضوء على دور إبراهيم العرجاني وأبناء سيناء في دحر الإرهاب    عاجل - "بين استقرار وتراجع" تحديث أسعار الدواجن.. بكم الفراخ والبيض اليوم؟    فوز توجيه الصحافة بقنا بالمركز الرابع جمهورياً في "معرض صحف التربية الخاصة"    بعد تصريح ياسمين عبد العزيز عن أكياس الرحم.. تعرف على أسبابها وأعراضها    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    ما هي كفارة اليمين الغموس؟.. دار الإفتاء تكشف    دعاء في جوف الليل: اللهم امنحني من سَعة القلب وإشراق الروح وقوة النفس    صدمه قطار.. إصابة شخص ونقله للمستشفى بالدقهلية    دار الإفتاء تستطلع اليوم هلال شهر ذى القعدة لعام 1445 هجريًا    وفد قومي حقوق الإنسان يشارك في الاجتماع السنوي المؤسسات الوطنية بالأمم المتحدة    عزت إبراهيم: الجماعات اليهودية وسعت نفوذها قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي    طريقة عمل تشيز كيك البنجر والشوكولاتة في البيت.. خلي أولادك يفرحوا    الابتزاز الإلكتروني.. جريمة منفرة مجتمعيًا وعقوبتها المؤبد .. بعد تهديد دكتورة جامعية لزميلتها بصورة خاصة.. مطالبات بتغليظ العقوبة    إجازة عيد الأضحى| رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    ضمن مشروعات حياة كريمة.. محافظ قنا يفتتح وحدتى طب الاسرة بالقبيبة والكوم الأحمر بفرشوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات هيكل الجزء الثانى والثلاثون
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 07 - 2010

كانت اجتماعات القمة التى عقدت فى موسكو 30 يونيو سنة 1970 بين عبدالناصر والسوفييت واحدة من أهم الاجتماعات فى تاريخ العلاقات المصرية السوفييتية ذلك لأنها جاءت فى مرحلة يتوجب فيها تدعيم علاقات كانت على وشك أن تدخل اختبارات بالنيران، فى ظروف حرب لا أحد يعلم متى ستبدأ بالتحديد. لكن عبدالناصر كان قد وقع خطة العمليات (جرانيت واحد) قبل سفره إلى موسكو.
وكانت الطلبات فى موسكو كثيرة، وذات طبيعة خاصة لأنها كلها كانت تتصل بالطيران وبالدفاع الجوى والحرب الإلكترونية وبالتشويش وبكسر الشفرات، ويكفى أن أقول إنه مع نهاية هذه الاجتماعات كان حجم ما تم الاتفاق عليه يساوى 660 مليون روبيل أى 660 مليون دولار وبأسعار اليوم تقريبا كانت تصل هذه الصفقة فى حدود 3 بلايين دولار كلها دفعناها ببضائع مصرية ليس بينها القطن وجزء كبير جدا لم ندفعه وأعفينا منه فى ظروف لاحقة.
وكان التوقيت الذى تجرى فيه الاجتماعات منتهى الأهمية والظروف فى منتهى الحساسية والنتائج، التى ترتبت عليها عمليا وسياسيا كان لابد من التأكد باستمرار أنها فى طريق محدد ومتفق عليه وواضح لأنه ظروف معركة قادمة يعد لها لا تحتمل أى خلافات.
فى الجلسة الأولى أثار برجنيف المشكلة، التى أشرت إليها فى الحلقة السابقة، والتى تعلقت بوزراة الإرشاد، وكنتُ وزيرا لها فى ذلك الوقت. وكنا اتفقنا فى البداية على أن يكون العمل ليوم واحد فى جلستين: صباحية مسائية، على أن يذهب عبدالناصر اليوم التالى ليجرى فحوصات طبية فى مصحة دال بيقة، وكان الرئيس برجنيف نفسه فى إجازة صحية، وهم عادة يقضون إجازاتهم فى مصحات، وجاء لمباحثات موسكو واتفق على أن يكون يوم 30 يونيو يوم عمل مكثفا، على أن يذهب كل شخص فى اليوم التالى للمصحة التى سيذهب لها.
أهمية الموضوعات المطروحة جعلت العمل فى ذلك اليوم متعبا للغاية، وكانت المشكلة الأكبر بالنسبة لبرجنيف حينما أثار موضوع وزارة الإرشاد، وقال لعبدالناصر: كيف تطلبون خبراء ونحن نعلم أن الشعب المصرى قد لا يكون مؤيدا لهذا؟ ثم أشار باتجاهى وهو يقول: إن السيد هيكل يعرف ذلك.
ولما استوضحنى الرئيس عبدالناصر حول الموضوع قال برجنيف إن وزارة الإرشاد القومى أجرت استفتاء على شريحة كبيرة من الرأى العام المصرى، أظهر أن 75% من المثقفين لا يريدون الخبراء الروس. وسألنى عبدالناصر حول حقيقة هذا الموضوع، فاستأذنت لأتصل بمكتبى فى القاهرة وأفهم منهم.
كنت أشعر بحساسية المفاوضات فى هذه اللحظة، فنحن نطلب خبراء ونطلب زيادة التسليح، ونحن مقبلون على معركة أنا أعلم أن قرار بشأن عملية جرانيت واحد تم توقيعه.خرجت من قاعة الاجتماعات لمكتب ملاصق، واتصلت بصديقى، والقائم على أعمال مكتبى فى نفس الوقت، الدكتور عبدالملك عودة وسألته عن الموضوع، كان يبدو مندهشا، وقال لى إنه سيتقصى ويعاود الاتصال، ونظرا لسخونة الموضوع لم نتفق كيف سيحدثنى مرة أخرى.
بعد الانتهاء من الجلسة جاءت لى ورقة من السفارة المصرية فى موسكو بأن مكتبى فى القاهرة سأل عنى، وأنهم سيعاودون الاتصال فى الثانية والنصف، فقلت لعبدالناصر إننى سأذهب للسفارة وأتصل بمكتبى وإنهم سيبلغونى بنتيجة شىء ما، وبالفعل دخلت السفارة قبل الموعد ووجدت الدكتور عبدالملك عودة يحدثنى.
الموضوع كان غريبا للغاية. لأننى كنت أحاول أعيد تنظيم وزارة الإرشاد القومى وكان رأيى يتجه لحلها، لأنها بلا معنى، وأن تتحول الإذاعة والتليفزيون لمؤسسة مستقلة مثل نظام بى بى سى، وتكون تابعة لمجلس الأمة، وتقدم تقريرها السنوى إليه، واخترت الدكتور مصطفى خليل ليكون مسئولا عنها.
وكنت أرى أن مصلحة الاستعلامات لا لزوم لها، فيكفى أن أقول إنه كانت هناك مكاتب لمصحلة الاستعلامات فى الخارج ومكاتب أخرى لوكالة أنباء الشرق الأوسط ومكاتب صحفية ثالثة فى السفارات. ومعنى ذلك أنه كانت هناك ثلاثة تقارير يومية تستقى أخبارها من مصدر واحد: هو الصحف، أى أنها تكرر نفسها، وكنت أعتقد أن هذا إهدار للموارد. هذا بالإضافة إلى أن مكاتب الاستعلامات فى الداخل مشغولة بتقديم تقارير للوزارة عن اتجاهات الرأى العام يوميا، وأعتقد أنه ليس منطقيا ولا معقولا أن تقاس اتجاهات الرأى العام بشكل يومى. ولذلك طلبت إنشاء لجنة لتقييم عمل مكاتب الاستعلامات فى الداخل.
وحكى لى عبدالملك عودة أصل ما تحدث فيه بريجنيف فى الكرملين. فما حدث أن اثنين من هيئة المستشارين فى مكتبى، وهما الأستاذ تحسين بشر، والذى اشتهر فيما بعد كمتحدث رسمى باسم السادات، والدكتور عبدالوهاب المسيرى، ذهبا لكفر الزيات، والتقوا هناك بمدير مكتب الاستعلامات، وسألوه عن طريقة إعداد تقارير الرأى العام، فأخبرهم الرجل أن موظفى المكتب يذهبون للمقاهى أو مواقع العمل بشكل عشوائى، ويتحدثون مع الناس فى القضايا المثارة على سطح الأحداث.
وسأله الدكتور المسيرى عن طريقة تحديد الموضوعات، التى يناقشون فيها الناس، فقال له مدجير مكتب الاستعلامات فى كفر الزيات أنه يسمع الدعايات المضادة على راديو لندن أو صوت أمريكا، ومن خلالها يحددون القضايا المثارة، ويسألون فيها الرأى العام، إلى جانب بعض المشاكل أو القضايا الداخلية أو توافر الخدمات.
وتدخل تحسين بشير فى المناقشة طبقا لما رواه لى عبدالملك عودة وسأله عن الموضوعات، التى يستقصون آراء الناس فيها، فقال إنهم سألوا فى موضوع الخبراء السوفييت بعد أن سمعوا نقاشا طويلا على راديو لندن حول الموضوع، وقال الرجل إنهم وجدوا الناس منقسمين بين الموافقة والرفض.
أنهيت مكالمتى مع عبدالملك عودة، وطلبت أن أتحدث للدكتور أسامة الباز، ثم تحدثت معه هيئة المستشارين جميعا، وأثناء عودتى من السفارة المصرية إلى الكرملين، وطوال ثلث الساعة كنت أفكر: كيف انتقل هذا الموضوع بهذه السرعة من كفر الزيات إلى الكريملين؟، لأجده بعد 15 يوما فقط يتفجر كلغم فى جلسة محادثات على هذا المستوى، وعندما عدت وجدت الرئيس عبدالناصر يتمشى بين ثلاثة أجراس من الحديد فى فناء الكرملن، صنعها بطرس الأكبر الامبراطور الروسى الشهير، من مدافع خصومه فى معارك مختلفة، وسألنى عن الموضوع فقلت له كل شىء.
فيما بعد عرفنا أن مدير مكتب الاستعلامات تحدث مع إحدى وحدات الاتحاد الاشتراكى فى ذلك الوقت ثم إذا بالموضوع يصل لأحد أعضاء التنظيم وعضو فى إحدى النقابات، ثم وصل إلى مندوب لوكالة أنباء تاس.
جاء ميعاد الاجتماع الثانى الساعة الثالثة والنصف وطلب منى عبدالناصر أن أشرح الحكاية، وحينها تدخل برجنيف قبل أن أتحدث وقال إنه اطلع على هذه المعلومة فى تقرير ليس للنشر من وكالة تاس، فشرحت ما حدث فى منتهى الهدوء، فقد بدا لى أن وقت قمة بهذا المستوى لا يمكن أن يضيع فى مناقشة أمر بهذا الحجم، لكن أحيانا تتولد بذور جنينية لقضايا وخلافات قد تكون موجودة بالفعل محليا لكن يتجاوز البعض فى طريقة عرضها، وعلى أى حال شرحت الموضوع.
وقال برجنيف إنه يريد لهذه المهمة تنتهى بكل وسيلة، وأن نحقق ما نريده لأنه يريد أن يخرج رجاله ويبعد عن هذا الموضوع، ولا يريد أحد أن يتهمهم ب«الاستعمار الروسى».ورد عبدالناصر بأنه يعتز بوطنيته، وقال: أنا لو وجدت شبهة استعمار فيما تقومون به لكنت أول من يتصدى لهذا، ولا كنت طلبته أو تناقشت فيه»، فقال برمانيوف إن المسائل بها التباس لأن الوزير هيكل يحب الأمريكان، فسأله عبدالناصر: كيف يحب هيكل الأمريكان، فقال المترجم الذى يرد عن برمانيوف هو يريد صداقة الأمريكان، فقال عبدالناصر وأنتم تريدون صداقة الأمريكان.
وقال عبدالناصر: أريد أن أكون واضحا فأنا لست عدوا للأمريكان ولا هيكل عدو للأمريكان ولا أنتم أيضا، فيما يتعلق بنا فنحن نقاوم شيئين عند الأمريكان: انحيازهم لإسرائيل، ورغبتهم فى السيطرة. وهاتان النقطتان هما مبعث الخلاف، وقال عبدالناصر إن حكاية مصادقتى للأمريكان كلام غير معقول.
وحينها بدأ الروس فى الاعتذار، وقال عبدالناصر: أنكم لا تعرفون المجتمع المصرى، ولابد أن تفهموا أولا أن الغرب موجود فى المنطقة مبكرا جدا، فنحن لما بدأنا التعلم فى المدارس كانت اللغة الانجليزية هى اللغة الثانية بعد العربية، وهناك مواد كانت تدرس بالإنجليزية، ونحن مصادرنا للمعرفة مفتوحة على الغرب أكثر من انفتاحها على أحد آخر، وأنا حين كنت أدرس أركان حرب كانت تدرس لنا الاستراتيجى باللغة الانجليزية، وهناك بعض الكليات تدرس موادها بالإنجليزية، مثل كلية الطب.
وأكمل عبدالناصر: أرجوكم أن تعرفوا وضع العالم العربى باستمرار لأن العالم العربى هو دائرتنا الكبرى وهو مفتوح ولا ولاية للدولة المصرية عليه ولا تستطيع أن تصله، ولكن نستطيع أن نصل إليه بالنموذج، ونصل إليه بالاتصال والخطاب، ولابد أن نعطى لكم أهمية كبيرة لأن هذا سيؤدى إلى قدر كبير من الانفتاح مع الزمن.
وأظن أن الأمور وقتها اتضحت وقال برجنيف أظن أننا نتفهم هذا الأمر، ووجهوا لى كلمة رقيقة، ثم ودخلنا فى عرض الطلبات، وكان أصعبها طلب الفريق فوزى نقل كبير الخبراء، الذى كان يطلق عليه «البايخ»، وقد حاولوا بالتطبيق العملى بالاستجابة للطلبات، ورتبوا تدريبات عملية للدفاع الجوى، وطلبوا من الفريق محمد على فهمى قائد الدفاع الجوى أن يحضر بعض هذه التدريبات فقد كانوا يعتقدون أننا قد نستفيد منها، وطلبوا أن يحضر القادة المصريين، وبالفعل كان هناك قدر من التعاون.
وفى اليوم التالى وقبل رحيلى من موسكو ذهبت لعبدالناصر، وكان سيذهب إلى بربيخا، وكان برجنيف سيذهب لمكان الاستشفاء، على أن يعودوا للمقابلة بعد عشرة أيام، وقرر على صبرى أن يذهب مع عبدالناصر لبربيخا لأنه كان لديه مشاكل فى القلب ويريد أن يقوم بعملية فحص طبى والفريق فوزى سيظل ليقوم ببعض المحادثات مع القادة السوفييت حول الجانب العسكرى، ولديه اجتماعات محددة مع جرتيشكوف، وكان محمود رياض لديه ظرف يقتضيه ليعود للقاهرة، فذهبت لعبدالناصر فى جناحه وتناولت الإفطار معه وقال: لى أرجو ألا تكون متضايقا وقلت له طبيعى إن صحفيا فى الوزارة سيقوم بمشكلات، استأذنته أن أعود للقاهرة، وهنا جاء الفريق فوزى وطلب منى أن آخذ معى مجموعة ورق أسلمها للفريق صادق، وكانت عبارة عن مراسلات رأيتها فيما بعد.
وكتب الفريق فوزى رسالة للفريق صادق: «عزيزى الأخ صادق أهديك سلامى وأبعث تحياتى لكل أفراد القوات المسلحة بداية الرحلة والمفاوضات مشجعة للغاية، وقد أنهى الرئيس جمال كلامه عن كل الناحية السياسية والأوضاع فى مصر والعالم العربى بصفة خاصة فى ليبيا وكان الاهتمام باديا من الجانب السوفييتى والقيادة جميعا، وكانت ليبيا فى ذلك الوقت ونتيجة للتغير، الذى حدث فى الإستراتيجية نتيجة الثورة الليبية، وكان لها عامل كبير جدا فى ذلك الوقت وبدا يتحدث عن الطيران، وقال أننى أنهيت مقابلتى مع جرشكو وزخاروف وباتسكى وقائد الطيران ودجايف وقد أحاول فى هذه الجلسة تقديم الطلبات بأسلوب أحرج كتشكن كثيرا، والطلبات كلها مقبولة فى الغالب، ويقول إن الفريق فوزى كان له أسلوب فى عرض الموضوعات، وفتحنا موضوع الذخيرة واستعجب برجنيف، وقال جريتشكو بالروسى وقال مراد غالب إنها شتيمة وتريقة وعشان كده أقول إن القرار سوف يجيئ لصالحنا». وهى استنتاجات سياسية للفريق فوزى وهى فى بعض الأحيان تكون غريبة.
وهنا برقية أرسلها فوزى لصادق يرجو فيها الأستاذ سامى شرف أن يطلع على الخطابات بصفة مستمرة. وهنا جواب تحدث فيه فوزى عن عدم ظهور خبر نقل البايخ كتشكن خصوصا بعد أن شرح السيد الرئيس لسكرتير اللجنة المركزية موقفه المخادع فى مصر وتقاريره الخاطئة، وكان كتشكن دائما لديه ملاحظات على التدريب، وكان يتصور أن عمليات التدريب لا بد أن تتم ليلا ونهارا، ودائما نحن نضيق من خبراء الخارج وقد تكون خبرة مغرضة. وعلى أى حال عدنا إلى القاهرة، وتقصيت موضوع مكاتب الاستعلامات وثبت أن كل ما قلته صحيح.
انتهت زيارة موسكو بعد الجلسة الثانية التى لم أحضرها ولم يحضرها برجنيف نظرا لحالته الصحية وجاء كوسيجين، وكانت جلسة تقريبا غير رسمية ولم يكن هناك داعٍ لأذهب وعلى أى حال لم يكن حضورى مهما، لأنها كانت جلسة مخصصة للنواحى العسكرية، وأنهم سيردوا على طلباتنا وقد ردوا، وأظن أنهم ردوا بطريقة كانت مرضية جدا، فقد استجابوا تقريبا ل80% من الطلبات، ووصلت قيمة الصفقة إلى 660 مليون روبيل وهذا رقم مهول.
ولما عدنا للقاهرة قابلت الرئيس عبدالناصر وكان ينوى قبول مبادرة روجرز وكان سيلقى كلمة الاحتفال ب23 يوليو وسيتحدث عن قبولنا ويعرض أسباب قبولنا، وحاولة مقابلته لمعرفة هل أثاروا موضوع مكتب الاستعلامات مرة أخرى لأننى كنت أعتقد طول الوقت أن الموضوع انتهى، وأستغرب كيف ذلك، وكان ما يقلقنا أن دلالاته فى الخلل الداخلى الموجود لدينا. كما أنه كان هناك موضوع إضافى، وهو ما الذى سيقوله عبدالناصر فى 23 يوليو لأنه أن يعلن موضوع قبول مبادرة روجرز قد يبدو لأول مرة أنه مخالف مع الاتجاه العام للسياسات بمعنى أن كل سياسة لها مواقفها والمجرى العام التى تندفع فيه، وهو ما أوقع السادات فى مشكلة رفضه لمبادرة روجرز دون أن يعرف التفاصيل ولا يعرف ما هو الاتجاه وما هى القضية لكن قاس على اتجاه المجرى العام، ولكن هناك فرقا بين المجرى العام والحركة فى المجرى العام لأنه فى بعض المرات تأتى رياح أخرى تأخذ تيارا إلى اتجاه يبدو عكسيا لاتجاه المجرى العام، وهنا قضية كبيرة جدا ستعرض على الرأى العام وجمال عبدالناصر.
وعندما ذهبت له كنت أود معرفة آخر ما حدث فى موسكو ولكى أقول له إننى تأكدت من صحة المعلومات، التى تحدثت فيها فى الكرملين. ذهبت للرئيس جمال عبدالناصر لكنه فاجأنى بشىء آخر.
بدأت بالتحدث، لكنى وجدته يقول لى إنه يعاتبنى أنه أثناء سفره جاءت لى ورقة تعليمات وعادة لما تأتى تعليمات من مكتب الرئيس يرسلون تعليمات من السيد سامى شرف، من المكتب الرئيسى، وقالت تعليمات سيادة الرئيس فى موسكو إنه يكلف محمد حسنين هيكل للسفر لطرابلس لمقابلة الرئيس القذافى، ويبلغه رساله من السيد الرئيس، وأننا لا نريد أى مشاكل معهم بسبب الوحدة، ويقوم السيد محمد حسنين هيكل بإبلاغ العقيد القذافى البرقية الملتقطة وإطلاع باقى مجلس قيادة الثورة فى الجمهورية العربية الليبية عند عودته للقاهرة، ويمر على مصطفى الخروبى فى بنى غازى ليطلعه على البرقية، ويتم هذا قبل وصول البعثة العراقية فى طرابلس.
وما حدث أن أجهزة الالتقاط التقطت برقية من وزارة الخارجية العراقية آتية لها من السفارة العراقية لطرابلس، وتقول السيد رئيس الجمهورية العراقية من قطرى قدورى وزير الاقتصاد العراقى، يقول: «أعلمنى عمر المحيشى (وكان رائدا وعضوا فى مجلس قيادة الثورة) إن اجتماعات القذافى وعبدالناصر والأتاسى أسفرت من لجنة لهذه الدول الثلاث تجتمع خلال أسبوعين لبحث صيغة وكيفية إقامة وحدة بين الدول الثلاث، وطلب منى عمر المحيشى إعلام الحكومة العراقية والنظر بتحديد مشروع الوحدة هذا وفهمت أن عمر المحيشى ينادى بعرض الموضوع على العراق والجزائر لتحديد موقفهما رسميا من هذه القضية ولأن عبدالناصر والأتاسى أبدوا ممانعتهم لدعوة العراق إلى هذه الوحدة، إن السودان امتنع عن المشاركة فى هذه الوحدة لأسباب داخلية، وللعلم فقد يكون من التصرف إرسال وفد عراقى لليبيا لعرض موقف العراق رسميا فى هذه الوحدة والسعى للجزائر لاتخاذ موقف مماثل.
وجاءت التعليمات لى أن أسافر لليبيا كوزير إعلام وأقابل القذافى كمبعوث خاص، لكنى اعتذرت، وقلت إنى لا أعتقد أنها مهمة ضرورية، وطلبت إبلاغ الرئيس أن رأى أن هذه المهمة ليست ضرورية وأنا ضد القيام بها، لأسباب شرحتها ولكنى كنت خائفا أن يكون الشرح غير مفهوم فكتبت جوابا لجمال عبدالناصر شرحت له فيه أسبابى وطلبت من مكتبه أن يبعثه.
وملخص الجواب أننى تلقيت توجيهكم بشأن الجواب والسفر لليبيا، وإذا أذنتم لى فإننى أريد أعرض النقاط التالية على أن أناقشها لحين عودتكم من السفر، وكانت وجهت نظرى أن هناك مسألة مهمة فى علاقتنا لكل الناس خصوصا الليبيين فى ذلك الوقت، وأنا رأى أن أفضلية التعامل عن بعد بمنتهى المودة، وبمنتهى التعارف لابد أن نكون مهتمين ومن على مسافة بمعنى أنه ليس لنا أن نتصرف بناء على برقية ملتقطة باللاسلكى، والشىء الآخر أنه يبدو أن ثمة مشكلات بدأت تظهر بين مجلس قيادة الثورة فى ليبيا، ربما بحكم الطبيعة البشرية، وأنا لا أريد الدخول فى هذه المشكلات.
وقال لى الرئيس: لقد قرأت جوابك وأنا أعتب عليك لأن القاعدة فى الجيش نفذ ثم تظلم، بينما كنت أرى أنه لا فائدة من التنفيذ ثم التظلم بعد ذلك. وأنا أحكى هذه الواقعة لكى أبين إلى أى مدى كان هذا الرجل على عكس ما يقال كان مستعدا للنقاش والخلاف معه، ولم يكن عصبيا كما يقال ويأمر ويطاع ويشير ويهرع كل البشر لتنفيذ إشارته.
وقال عبدالناصر: أنا أعرف أنك لا تستطيع أن تنفذ وبعدها تتظلم، لكن هناك قضية أن تبدى كل الحجج، وتترك لى القرار لكنك قررت أنك لن تسافر، فقلت له: إنك معك حق ولكن بالنسبة الزمن وجدت أن الثقة المتبادلة دفعتنى لهذا، ولكن من ناحية المبدأ أعترف بأنك على حق.
وسألنى: هل غيرت رأيك فى الليبيين، قلت له إطلاقا ولكن لى رأى فى التعامل معهم، فقال لى أنه أرسل لى أن هناك مؤتمرا لوزراء الاعلام وقلت لك إن تذهب للمطار تقابل وزير الإعلام الرائد الخولد الحميدى ولم تذهب، فقلت له إننى اتفقت مع وزراء الإعلام أننا سنحذف من برنامجنا حكاية استقبال المطارات وقلت له إننى حينما قبلت أمرك بأن أكون وزيرا طلبت إعفائى من الحفلات والاستقبالات فى المطارات لأنها مضيعة للوقت ولا لزوم لها.
وقال لى إنه لم يرد مناقشتى حول موضوع حدثنى فيه، وهو موضوع بعثة الشرف المرافقة للقذافى، وكان القذافى سيأتى فى زيارة رسمية للقاهرة، ووجدت يومها السيد صلاح الشاهد رئيس التشريفات فى الرئاسة يحدثنى أنه أصدر توجيهه بأن «معاليك والهانم» تكونان ضمن بعثة شرف مرافقة للقذافى والسيدة حرمه وقلت له إن هذه مهمة من المهام التى يمكن أن أقوم بها.
فقال لى إن هناك تعليمات فقلت له سأحدث عبدالناصر فقلت له يعنى أنا أقبل بعثة الشرف، وأنا فى الحقيقة سأجدها بشكل ما بالنسبة لصحفى صعبة، وقلت له إنك حدثتنى وقتها بعدها بربع ساعة، وقلت لى إننى لم أرض وتحدث مع حسين الشافعى، والذى انزعج جدا، ولما وجدت التصرفات متلاحقة ولم ترد استقبال وزير وبعثة الشرف، والقذافى وموضوع المحيشى، فقال لى إنه تصور أننى غيرت رأيى فقلت له إطلاقا لكننى أقلق من أسلوب المجاملة الزائدة عن الحد، وأتصور بمنطق ما أن هؤلاء الشباب فى ليبيا اكتشفوا أنهم أغنياء جدا وأن العالم العربى كله يجرى نحوهم وأن العالم العربى يتصور أنه أصبح لها حكمة محصنة وأنه وحدها كافية أن تتكلم وأن تفرض وأن تملى فى بعض المرات. وهذا وضع يقلقنى جدا.
وقلت له إننى أرى الصراع العالمى وأرى التسابق نحو ليبيا، وأظن أننا تحت أى ظرف من الظروف لا بد أن يكون لنا موقف واضح وموقف صريح لأنها بلد مجاورة لنا، وعلى عمق طبيعى واستراتيجى موجود معنا، وأن ثورة هذه البلد وقدرته بدت جدا وأخشى على هؤلاء الشباب أن هذه الثورة التى لها حكمة مصانة ومحصنة لابد أن نعطيها فرصة أن تجرب لكى تكتشف بالخبرة والخطأ، أننا لا نستطيع أن نجرى نحو الآخرين ولا نستطيع أن ندخل فى سباق نحوهم، وأن التاريخ معنا وحقائق الجغرافيا معنا وعلى هذا الأساس كنت أخاف من هذه الأشياء، وبعد ذلك زادت المخاوف على العالم العربى فى مواقع الثورة أصبحت مراكز حكمة لدرجة أن أول وفد مصرى يحضر فى القدس، باع الإسرائيليون لنا زجاجات فارغة مختومة على أنها هواء معبأ من الأرض المقدسة. فقلت لبعض إخواننا إننى أخاف من زيادة الحكمة عندنا ومنابعه تنهمر فى كل مكان أننا قد نجد مناسبا أن نصدر ونبيع للآخرين حكمة معبأة فى زجاجات مثل زجاجات الهواء المقدس التى باعها الإسرائيليون.
حوارات هيكل (الجزء الأول)
حوارات هيكل (الجزء الثاني)
حوارات هيكل (الجزء الثالث)
حوارات هيكل (الجزء الرابع)
حوارات هيكل (الجزء الخامس)
حوارات هيكل (الجزء السادس)
حوارات هيكل (الجزء السابع)
حوارات هيكل (الجزء الثامن)
حوارات هيكل (الجزء التاسع)
حوارات هيكل (الجزء العاشر)
حوارات هيكل (الجزء الحادي عشر)
حوارات هيكل ( الجزء الثاني عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثالث عشر)
حوارات هيكل (الجزء الرابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الخامس عشر)
حوارات هيكل (الجزء السادس عشر)
حوارات هيكل ( الجزء السابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثامن عشر)
حوارات هيكل( الجزءالتاسع عشر)
حوارات هيكل (الجزء العشرون)
حوارات هيكل (الجزء الواحد والعشرون)
حوارات هيكل الجزء(22)
حوارات هيكل الجزء الثالث والعشرون
حوارات هيكل الجزء الرابع والعشرون
حوارات هيكل الجزء الخامس والعشرون
حوارات هيكل الجزء السادس والعشرون
حوارات هيكل الجزء السابع والعشرون
حوارات هيكل الجزء الثامن والعشرون
حوارات هيكل الجزء التاسع والعشرون
حوارات هيكل الجزء الثلاثون
حوارات هيكل الجزء الواحد والثلاثون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.