وزير الأوقاف: الخطاب الديني ليس بعيدًا عن قضايا المجتمع .. وخطب الجمعة تناولت التنمر وحقوق العمال    يواصل الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الأحد 19 مايو 2024    متحدث الحكومة: الدولة بحاجة لحصر شركاتها لتطبيق الحوكمة والدعم    تحركات جديدة في ملف الإيجار القديم.. هل ينتهي القانون المثير للجدل؟    أول تعليق رسمي من مصر على اختفاء طائرة الرئيس الإيراني    تعرف على الأندية المتأهلة إلى الدوري الإنجليزي الممتاز موسم 2024-2025    بالصور.. حريق يلتهم مخزن خردة ومقهي بعزبه ذكريا في المنيا    تفاصيل المؤتمر الصحفي للإعلان عن تفاصيل الدورة الأولى لمهرجان دراما رمضان    هيئة الطوارئ التركية: إيران طلبت تزويدها بمروحية ذات رؤية ليلية    «يحالفه الحظ في 3 أيام».. تأثير الحالة الفكلية على برج الجوزاء هذا الأسبوع (التفاصيل)    أسامة كمال: "إسرائيل طول عمرها تعالج أزماتها بالحرب والافتراء على الضعيف"    مستشار الرئيس للصحة يكشف آخر تطورات متحور كورونا الجديد    اقرأ غدًا في «البوابة».. المأساة مستمرة.. نزوح 800 ألف فلسطينى من رفح    «النواب» يوافق على مشاركة القطاع الخاص فى تشغيل المنشآت الصحية العامة    رئيس اللجنة البارالمبية: نشكر لجنة الساق الواحدة لمجهوداتهم في كأس الأمم الأفريقية    مدينتي تطلق الحدث الرياضي "Fly over Madinaty" لهواة القفز بالمظلات    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    متحف «طه حسين».. تراث عميد الأدب العربي    داعية: القرآن أوضح الكثير من المعاملات ومنها في العلاقات الإنسانية وعمار المنازل    دعوة خبراء أجانب للمشاركة في أعمال المؤتمر العام السادس ل«الصحفيين»    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    بايدن: دعيت إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    الرعاية الصحية: 5 ملايين مستفيد من التأمين الصحي الشامل بمحافظات المرحلة الأولى    جامعة حلوان تنظم قوافل طبية توعوية بمناطق الإسكان الاجتماعي بمدينة 15 مايو    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    أبرزهم «اللبن الرائب».. 4 مشروبات لتبريد الجسم في ظل ارتفاع درجات الحرارة    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    دار الإفتاء توضح ما يقال من الذكر والدعاء في الحرّ الشديد.. تعرف عليه    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    إصابة 4 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    عرض تجربة مصر في التطوير.. وزير التعليم يتوجه إلى لندن للمشاركة في المنتدى العالمي للتعليم 2024 -تفاصيل    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات هيكل ( الجزء الثالث عشر)
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 04 - 2010

لو أننى قلت لأحد من أجيال الشباب الذين يتابعون بعض هذه الأحاديث إن تشيكوسلوفاكيا كان لها دور كبير فى حرب الاستنزاف فى مصر لبدا القول غريبا لأنه يبدو لأول وهلة أن تشيكوسلوفاكيا بعيدة جدا عن مصر، ومن الممكن أن يتصور أحد إن دور تشيكوسلوفاكيا يقتصر على إرسالها صفقة سلاح مما كانت تنتجه مصانع سكودا فى ذلك الوقت، لكن أيضا لم يكن الموضوع متصلا بالسلاح ولكن كان متصلا اتصالا مباشرا بالسياسة الداخلية والأوضاع الداخلية لتشيكوسلوفاكيا وهذا أظنه يصدق ويؤكد نظرية أن السلاح امتداد للدبلوماسية بطريقة أخرى وأن كل بلد فى واقع الأمر يمر فى ثلاث مراحل وهو يتحرك إلى مستقبله وإلى أهداف.
المرحلة الأولى هو أنه يبنى قدرته والمرحلة الثانية هى أنه يعرض هذه القدرات لتؤكد للآخرين دون أن يفعل هو شيئا أن له دورا وأن له مهابة وأن له قدرة مكتملة.
والمرحلة الثالثة استعمال هذه القدرة بكل وسائلها وأولها الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية والعلمية والثقافية وفى آخر هذه القدرات كلها تأتى الدبلوماسية ويأتى السلاح كتقريب وجهين لعملة واحدة لتحقيق أهداف أى بلد تريد أن تتقدم ويريد أن يؤكد لنفسه مكانة ومكانا فى وسط هذا العالم الذى أصبح فى واقع الأمر كما يقال قرية واحدة.
وفى ذلك الوقت وأنا أتحدث عن تشيكوسلوفاكيا وحرب الاستنزاف وأقصد هنا الشهور الحاسمة وهى يوليو وأغسطس سنة 1968 وهذه هى الفترة التى كان فيها عبدالناصر فى موسكو يتحدث مع قيادات الاتحاد السوفييتى فى أن الظروف تقتضى إحداث نقلة نوعية بالمقاومة المتفرقة إلى مقاومة منظمة وهذا يحتاج إلى إمداد بأنواع جديدة بالسلاح خصوصا فى مجالات الصواريخ والحرب الإلكترونية إلى آخره وكنت أقول إن الرئيس عبدالناصر ترك الفريق عبدالمنعم رياض وهو العسكرى المسئول عن التخطيط للمعركة فى ذلك الوقت وقيادة معركة فى ذلك الوقت و تركه فى موسكو لاستكمال هذه المحادثات، ويستكمل عسكريا ما بدا أنه مواضع سياسية ونحن وفى المناقشة السياسية وكان جمال عبدالناصر موجودا هناك وكان جمال عبدالناصر يتحدث ويلفت نظر الاتحاد السوفييتى إلى وجود هجمة استعمارية واضحة تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وهذه الهجمة تستهدف فى المقام الأول حركة الاتحاد الوطنى ثم أوروبا الشرقية ثم تطويق الاتحاد السوفييتى وحصاره و حاصروه فى النهاية وكل الناس كانت ترى ما يلى بعده، وكان ما يحدث فى الكتلة السوفييتية معرض جدا إلى سقوط إذا لم يكن هناك ترقب كاف. و سقط بالفعل لأن هناك متغيرات تحدث فى العالم.
جس نقاط الضعف
وعندما ظل عبدالمنعم رياض فى موسكو بعد أن غادرنا ظل هناك ليومين وعاد بعدها يقدم تقريرا عن مهمته التى كانت ناجحة ولم يستجب لكل طلباته وبعد القادة السوفييتيين عن المحادثات وتركوا المناقشات للعسكريين والذين كانوا أكثر تنبها بالأخطار المحيطة بالكتلة السوفييتية من القادة السياسيين، فالقادة السياسيون متنبهون ولكن القادة العسكريين بشكل أو بآخر يشعرون بالحافز للعمل ويشعرون بضرورة أن يأخذ عرض القوة دورا أكثر فاعلية فى حين أن القادة السوفييت متحفظون لأسباب طويلة تحدثت عنها قبل ذلك.
ويعود عبدالمنعم رياض وهو يعتقد أن المحادثات نجحت وأنه حصل على أقل تقدير على 80% مما كان يطلب خصوصا فى مجال الحرب الإلكترونية، وحاول إقناع القادة السوفييت العسكريين به وهو أن نواصل حرب الاستنزاف من الضفة الغربية لقناة السويس نحو الضفة الشرقية وهناك حاجز قناة السويس هذا معناه أنه ليس هناك اشتباك فعلى لقوات مع العدو.
وهناك دوريات تشتبك ومدافع تضرب وهناك طائرات تذهب، ولكن هنا احتُل جزء من أراضى البلد فعليه التقدم لكى يشتبك، فعلى الرغم من رأى عبدالمنعم رياض بنقل جبهة بأكملها إلى شاطئ القناة، لكن القادة العسكريين فى الاتحاد السوفييتى لم يكونوا ليتصوروا ذلك فى هذا الوقت، وعاد عبدالمنعم رياض يقول إنهم تفهموا الحاجة الشديدة للاشتباكات إلى ما سموه إغارات وأنه لا بد من أن نتقدم وأن تجرى عمليات عبور متفرقة على الجبهة وحتى تمنع تماسك الإسرائيليين فى خطهم الدفاعى وتغلق ولكن حتى تكون فى شكل غارات.
وعاد عبدالمنعم رياض وكان مطمئنا إلى أنه يستطيع أن يخطط لعمليات إغارة واسعة بدا يحكى عن الكلام الذى حدث بينه وبين القادة السوفييت العسكريين وبدأ يرتب لعمليات أكبر وأوسع نطاقا لما كان يحدث من قبل وبدا يعمل ترتيباته، وأنا أتذكر بعض النقط الأساسية فى كلامه كما كان يقوله إنه يقدر تكثيف عمليات العبور ويستطيع أن يدخل قوات كبيرة تقوم بعمليات تستمر ليومين أو ثلاثة وتدخل فى حماية صواريخ وتحاول أن تمنع تمركز الخطوط الإسرائيلية فى سيناء، وبدا يقول أنه بدأنا فى الضرب بالمدفعية وكنا ندمر بعض الدبابات لإسرائيل لكن نريد بشكل أو بآخر أن ندفع نقطا وتستطيع أن تقاتلها بالأجناب وتستطيع أن تقيم يوما أو يومين أو ثلاثة لكى تمنع أى تمركز منها وقال للقادة السوفييت إن هذا كله لن يؤدى لمواجهة شاملة لأن هذا فى تقديره إسرائيل ستحاول بالقدر الكبير أن تقلل منه لأنه إذا كبرت من حجمه بما يساويه فسوف تضطر لإعلان حالة تعبئة عامة أو قدر من حالة التعبئة العامة، لأنه بعد سنة 1967 أعادت الحياة المدنية جزءا من القوة البشرية الموجودة والمحشودة فى الحرب وهى مسألة مهمة جدا وهى أن إسرائيل لا تستطيع الاحتفاظ بقوات كبيرة تحت السلاح لفترة طويلة خصوصا فى ذلك الوقت قبل موجات الهجرة التى أتت من الاتحاد السوفييتى فيما بعد فى الثمانينيات ولكن فى ذلك الوقت كانت القدرة البشرية محدودة.
وكان يتحدث عبدالمنعم رياض عن عمليات كثيرة وكان يصفها بأنها ليست فقط إقلاقا وليس فقط اشتباكا وليس فقط قتالا أو نزيف دم ولكن فى رأيه أن هذه العمليات لأنها ستساعدها وأنها بمثابة مجسات لمواقع الضعف فى إسرائيل وفى مناطق ضعف القوات الإسرائيلية والمناطق التى يمكن منها أن يطول إسرائيل وهى مجسات ستساعده على وضع ما يسمى إطار خطة.
وفى ذلك الوقت كانت فكرة الإغارات مقبولة ولكن بالنسبة للمخطط المصرى فى ذلك الوقت ليس فقط عبدالمنعم رياض ولكن كل هيئة أركان الحرب المصرية أمامها عملية الإغارات الواسعة فى حرب الاستنزاف مجسات للاختبار على الطبيعة نوعية المقاتل وليس هو من يختبرها ولكن العسكرى والمقاتل الشاب الجديد من يختبرها، ويريد معرفة نقط الضعف فى السلاح والفراغات الدفاعية وهو فى ذلك الوقت أرادها أن تكون عملية مجسات تمهد للتصور لإطار خطة وبالفعل لم تمض شهور حتى بدأت تتبلور فى إطار خطة وكان الموضوع هنا هو زيارة عبدالمنعم رياض للسوفييت وما أنتجته خصوصا فى مجال الحرب الإلكترونية، لأنه هنا كانت بدأت عمليات كان لها سوابق من قبل، يعنى بدأناها سنة 1964 وبدأناها بفك شفرت الإسرائيليين وفك شفرات الوحدات المقاتلة للإسرائيليين وبدأت سنة 1964 ثم توقفت لأنه لم تكن هناك معدات.
ولكن عبدالمنعم رياض وغيره من القادة كانوا يريدون معدات تنصت وفك شفرات لأنه بدا أن حرب الاستنزاف معمل اختبارات أو مجسات، حسب ما كان يقول عبدالمنعم رياض.
وكان فى ذهن عبدالمنعم رياض تصور معين لم يكتمل بعد فى إطار خطة، والعسكريون السوفييت تفهموا أنه لا يمكن أن يتحدث أحد على حرب حقيقية مؤثرة دون اشتباك أو تلاحم قوات.
وتناقل الكلام عن إغارات قوية على الناحية الأخرى وهذه الإغارات تحدث أثرها بالاشتباك ويقوم بها جيل جديد من الشباب وليس فقط شباب المؤهلات، ولكن نوعية القوات فى اعتقادى بدأت تتغير لأنه بدأت نواقيس الإنذار تدق فى كل أذن وأنه كل فرد بدأ يشعر بأنه لا بد من أن يدافع عن منزله خصوصا وأنه فى ذلك الوقت كان هناك مهجرون كثيرون من قناة السويس وكان هناك تنبه بأن هذه المواجهة ليست بعيدة عنا كما يتصور بعض الناس لأنه ليس ميدان قتال وإنما هو قتال داخل البيت المصرى.
وبدا أن يكون هناك إحساس بالسلاح الجديد وبدا هناك استعداد للقيادة السياسية فى مصر بأن تأذن فى فتح الاحتياطي الاستراتيجي وأن تخرج أسلحة لم تكن تخرج وتدخل قوات لميدان القتال لم تكن دخلته لأنه باستمرار فى القيادة العليا للقوات المسلحة لابد أن تكون لديها احتياطى من المعدات والرجل جاهز لإخراجه عند اللزوم وهى تحافظ عليه.
ولكن لم تعرف أنه سيأتى لها امدادات وبدأت هذه الامدادات تأتى، وشحن ومواعيد ووصول إلى آخره، تبقى أن تكون القيادة مستعدة، ولا تقلق بعض الطاقات التى تنتظر التى تضعها تحت تصرفها فى حالة الطوارئ، وفى هذا الوقت بدأت تنشط حرب الاستنزاف بطريقة معقولة.
تشيكوسلوفاكيا فى الصورة
ولكن فجأة حدث شىء وليس لم يكن فى التقدير لكنه حدث فى تشيكوسلوفاكيا لم يكن أحد يتصور أنه سيصل لهذا المدى، وفى هذا الموعد كنت مع موعد مع الرئيس جوزيف تيتو فى جزيرة برونى وفى شرفة البيت الأبيض جلست مع الرئيس تيتو ساعتين وربعا، وكتبت هذا الحديث والذى قدر له أن يكون سببا لمشاكل لم أكن أتوقعها.
وجلست مع الرئيس تيتو ونشرت الحوار معه وسألته عن التحدى الأمريكى الذى كان موجودا لأنه كان وقتها صدر كتاب لمؤلف فرنسى مهم اسمه شوريبر كتب مع الأمريكيين تشلنج، وهو أن التحدى الأمريكى سوف يكتسح العالم، وقال تيتو إنه لم يقرأ هذا الكتاب لكنه سمع عنه، وأنه اعتقد أن هذا العالم أعقد جدا من أن تتحكم فيه قوة واحدة، وانه من الممكن أن ترى جهودا أمريكية فى الظروف التى نعيشها من حرب باردة وغيرها وفى ظهور أمريكى لكنه لا يعتقد أن هذا موضوع يمكن أن يستمر.
تحدثت معه عن الأوضاع الراهنة فى الكتلة الشرقية وكان عبدالناصر تحدث عنها فى الاتحاد السوفييتى، وتوقف تيتو طويلا أمام ما حدث فى تشيكوسلوفاكيا وظهر من سنة 1963 أن الحزب الشيوعى التشيكوسلوفاكى متأثر بجهود كبيرة جدا موجودة شارك فيها سواء الحزب الشيوعى التشيكوسلوفاكى أو الحزب الشيوعى الإيطالى والذى قام بدور مهم جدا فى تجديد شباب الفكر الشيوعى وأن فكرة الديكتاتورية أصبحت متعارضة مع العصر وبقى هناك دور للإنسان ووجه آخر للشيوعية ووجه إنسانى للشيوعية والحرية الضرورية.
وبدا فى أول يناير سنة 1968 فى تشيكوسلوفاكيا شىء مهم جدا وهو أن رئيس الحزب الشيوعى السابق سقط وجاء بعده وهو رجل معروف بآرائه التحررية وبدأ دوبشك يقول إن الشيوعية لا تعنى قهر حرية الإنسان وأن الاشتراكية أو الشيوعية لا يمكن أن تحقق أى عدالة اجتماعية ولا يمكن أن تتحقق عدالة اجتماعية بدون حرية فردية بدون حرية صحافة وغيرها.
وبدا أن هذا التفكير يهدد التفكير التقليدى الموجود فى القيادة الشيوعية الموجودة فى ذلك الوقت فى موسكو وبدأ يظهر أن السوفييت غير راضين عن ذلك خصوصا أن بودشك بدأ بتشيكوسلوفاكيا والتى لم تكن بلدا عادية، فبراج بالتحديد كانت العاصمة البديلة لفيينا فى وقت والذى كان يذهب ليطل على هذه العاصمة يعرف إلى أى مدى كانت هذه العاصمة تعيش أزهى عصور النهضة الفنية والفكرية والثقافية.
وبدا أن ما يحدث فى تشيكوسلوفاكيا يهدد الاتحاد السوفييتى وبدا الكلام عن الحرية الشخصية وحرية الرأى والأحزاب والسلام البدنية، فهناك أفكار كثيرة جدا بدت تطرح وبدت القيادة السوفييتية تتحسب ودعت بالفعل لاجتماع فى فبراير واجتمع فيه حزب والسو لكى يتحدثوا عن هذا التهديد الخطير الذى يجرى فى تشيكوسلوفاكيا، وبتشيك فى ذلك الوقت الذى كان السكرتير العام للحزب الشيوعى كان يعبر عن تيار موجود فى الحركة الشيوعية كلها يطالب بتجديدها وموجود تحديد بلاد لها حيوية خاصة منها تشيكوسلوفاكيا ومنها برايك وهى كانت مسرح قتال وعملية ربط الإنسانية بأى تجربة للعدل الاجتماعى، لأن أى أحد يتحدث فيه مقبول ومفهوم ولكن أى عدل اجتماعى بدون حرية للإنسان لكى يستطيع أن يتأكد من سلامته ومن إبداء رأيه ومن حقه فى تحقيق مستقبله تصبح منقوصة وبقسوة.
تأثيرات خطيرة
وبدا كلام دوبشك يرن خصوصا إذا وضع بجوار حركات سبقته قمعت فى وقتها مثل حركة بولندا وحركة فى ألمانيا الشرقية قمعت، وحركة فى المجر قمعت وقت السويس. وبدا أن يكون هناك تأثيرات كثيرة وتداعيات شعرت وأنا أقابل الرئيس تيتو وهو يتحدث عما حدث فى تشيكوسلوفاكيا ويتحدث بتفصيل وكنت مهتم أن أسمعه وكتبت عنه فى الحديث، ولكن قبل أن ينشر هذا الحديث والذى كنت قد أجريته يوم الجمعة 7 يوليو بعد رحلة موسكو مباشرة، وعندما جئت لنشره قلت للرئيس تيتو قبل أن أغادر، وفى حقيقة الأمر كان حوارا وكان هناك مترجم لأن تيتو كان يتحدث بالصربية ولكنه تحدث بالإنجليزية لوقت.
وطلب منى الرئيس تيتو أن يكون الحوار فى مقالتى يوم الجمعة ووافق على ذلك، ولكن أثناء تحضيرى للحديث لأنشره مع المقال الأسبوع القادم فوجئت بأننى تلقيت رسالة من مدير وكالة اليوغسلافية الرسمية يقول فيها إنه حصل على نسخة من الحديث وأنه سيذيعه على الفور ويسألنى عن التنسيق معهم، لكننى كتبت لرئيس التحرير أن ذلك يخالف ما تم الاتفاق عليه وطلبت من مكتب الرئيس مراجعة ذلك بعد أن وافق الرئيس تيتو عليه، ورد مدير الوكالة وقال لى إن الرئيس لا يزال مصرا على إذاعة الحديث، واتصلت أنا بمكتب الرئيس تيتو وكان السفير جرجل والذى كان مختصا بالشئون الثقافية والفكرية، فقال لى أن أعطيه فرصة للرد، فلم أنتظر واتصلت بنائب الرئيس كارلن وترجيته أن يضم صوته مع أصوات من تحدثت إليهم لكى يتأجل الموضوع، وبعدها حدثنى مدير الوكالة قائلا إن الرئيس لا يستطيع الانتظار فى الجزء الخاص بتشيكوسلوفاكيا، وبعدها حدثنى نائب الرئيس يقول لى هل من الممكن أن تقسم الحديث لنصفين نصف لتشيكوسلوفاكيا يذاع أولا ولا ينتظر، لأنه هناك احتمالات تطورات تحدث فوافقت على الفور، ونشرت ما يتعلق بتشيكوسلوفاكيا فى نفس الوقت وبعد ذلك فى يوم الجمعة نشرت وهو اليوم الطبيعى والذى كان مقررا وقلت إن هذا الحديث تعبنى للغاية وتحدثت عما حدث من إذاعة وتقسيم للحديث والرسائل التى جاءتنى، وحكيت ما حدث فى المقدمة ثم تحدثت فى الحوار ما جرى بالضبط فى حديثى مع الرئيس تيتو.
وبدا لى الرئيس تيتو أن هناك تدخلا فى تشيكوسلوفاكيا وكان يعتقد أن الجزء الخاص فى حديثه عن تشيكوسلوفاكيا هو تحذير للاتحاد السوفييتى من عواقب القيام بأى عمل عنيف ضد تشيكوسلوفاكيا ولم يكن يمضى أسبوع أو عشرة أيام ووجدنا تدخل الاتحاد السوفييتى فى تشيكوسلوفاكيا وفى هذا التدخل حدثت أشياء غريبة، لأن السفير السوفييتى فى مصر ذهب للإسكندرية ليقابل جمال عبدالناصر ويبلغه أنهم سيتخذون إجراءات ضد تشيكوسلوفاكيا وبعد ذلك وأنا أمامى المحضر الذى أملاه الرئيس عبدالناصر بعد المقابلة التى جرت الساعة الرابعة صباحا.
تهديدات روسية
حيث طلب السفير السوفييتى موعد مقابلة الرئيس وكان متعبا للغاية وقتها وكان فى المعمورة يأخذ إجازة، بعد رحلة موسكو. فذهب السفير السوفييتى يلحق بها إلى هناك وذهب إلى المعمورة ليقابل الرئيس قبل الفجر ضرورى. وأيقظ الرئيس حتى يسمع الرسالة التى تأتى له من القادة السوفييت والتى تقول له إن الأوضاع فى تشيكوسلوفاكيا تتدهور وإن القيادة التشيكوسلوفاكية الجديدة تستجيب لدعاوى أمريكية، ونحن كنا نعرف بالفعل بوجود تحريض أمريكى كبير ومحطات إذاعة سرية إلى آخره، وانهم عرفوا بدخول جهاز المخابرات الأمريكى السى آى إيه وأنهم يضطرون إلى اتخاذ إجراءات عنيفة وأن القيادة التشيكوسلوفاكية الجديدة منساقة إلى حيث لا تدرى وأن الاتحاد السوفييتى لا يمكن أن يقبل هذا وأنه يطلب من أصدقائه أن يتفهموه.
وبعد أن سمع الرئيس جمال عبدالناصر هذه الرسالة أرسل خطاب تغطية من مكتبه لمحمود رياض وزير الخارجية لكى يعرف ما الذى حدث.
ولكن كان من الواضح أن الاتحاد السوفييتى أخذ أبعادا أكثر من تقدير أى أحد لأنه ببساطة فى ليلة 21 و22 يوليو هبطت قوات بالبراشوت احتلت مطار براج ثم دخلت أربع دول من حزب وارسو والوحيدة التى امتنعت ألمانيا الشرقية، لكن الاتحاد السوفييتى دخل رومانيا دخلت والمجر دخلت وإذا بقوة من 250 ألف جندى تحتل تشيكوسلوفاكيا وبدا أنه أمام وضع فى منتهى الخطورة والعالم كله كذلك لأنه الكلام الذى حذر منه تيتو فى حديثه معى والذى طلب إذاعته مبكرا قبل موضوع الحديث وإنه كان حريصا ألا ينتظر مقالتى 3 أيام بدا أنه ما رآه قد تحقق وما كان يخشى منه قد تحقق بالفعل، وحدث تدخل كان من أكبر الأخطاء التى وقع فيها الاتحاد السوفييتى وكنا نحذر منه وغيرنا حذرهم والقادة السوفييتيون كانوا قلقين لكن ما حدث الدخول ب250 ألف جندى بهذا الشكل واحتلال البلد بهذه الطريقة بدا أنه غير معقول وبدا أنه غير مقبول فى أجزاء كثيفة جدا فى العالم.
وبالعودة لوضعنا هنا كنا فى موضع بالغ الصعوبة فهناك قضية دولة وهناك قضية إحراج للاتحاد السوفييتيى خطيرة جدا وهى أيضا تؤثر علينا، وهنا قضية أخلاقية ومعنوية بالدرجة الأولى، ونحن نتحدث ونحن دولة من دول عدم الانحياز وبالرغم مما تعرضناها واحتياجنا للاتحاد السوفييتى احتياجا حيويا فإن هنا قضية معنوية لا يستطيع أحد أن يهرب منها.
ولكن بالفعل فى القاهرة عاد الرئيس عبدالناصر من المعمورة وأصبح هناك مناقشة عن الموقف الذى نتخذه وأتذكر أنه فى ذلك الوقت أرسل الرئيس تيتو جوابا لعبدالناصر، وأنه يريد أن يحيطه علما بالتطورات التى حدثت فى تشيكوسلوفاكيا وأثرها على العلاقات فى أوروبا وأثرها على العالم.
وأنه حاول نصحهم بأن هذا هو التطور الطبيعى للأمور وأنه علينا أن نقبل الأوضاع مثل ما نقدها خرشوف فى تقريره السرى للجنة المركزية سنة 1956 وأنها لم تعد قادرة على البقاء وأنه إذا أريد للاتحاد السوفييتى أن يعيش وأن يستمر الوضع فى أوروبا الشرقية فعليه أن يقبل أن العصر الجديد جاء بمتغيرات لا يستطيع أحد تجاهلها وبالفعل ليس من الممكن، وحتى إذا قال لى أحد فى ذلك الوقت أن السى آى إيه كانت تعمل فى تشيكوسلوفاكيا بنشاط وأن هناك محطات إذاعة بحالها نقلت إلى النمسا وإلى الحدود مع تشيكوسلوفاكيا وأنها بدأت توجه عمليات تظاهرات وتحريض وبشدة عن الأوضاع فى تشيكوسلوفاكيا، ولكن هنا قضية مهمة جدا سياسية ولها تبعات أخلاقية، فقضية سياسية لا يستطيع أى أحد أن يستغل إلا شيئا موجودا بالفعل على الطبيعة، فلما يأتى الأمريكان محاولين استغلال الأوضاع فى تشيكوسلوفاكيا وهناك فرق بين الاستغلال والاختراق، فهو يستغل أوضاع حقيقية لها نشأة فى مكان ما وهو يحاول استغلالها وبالتالى هناك فرق بين أن يستغل وأن يخترق وهناك أسباب حقيقية لغضب أناس كثيرين من ما يجرى فى تشيكوسلوفاكيا وفى غيرها من البلدان، وهناك رفض لهذا كله.
وبالتالى هناك فرق بين وجود شىء ووجود شىء محرج تتنبه له مبكرا وأنت لم تحاول أن تتلقاه مبكرا وبين أن تتدخل بقوة السلاح وبهذه الغلاظة التى لم تكن مقبولة فى ذلك الوقت.
وقال تيتو فى رسالته لجمال عبدالناصر إنه كان يشعر منذ البداية أن الاتحاد السوفييتى سيتصرف خطأ، ولهذا السبب لفتنا النظر للعواقب الوخيمة لهذا الاجراء على أمل أن يقلع الزعماء السوفييت عن الإقدام عليه، ومن هذا القبيل حديثى مع السيد هيكل.
-----------------------------------------------
اقرأ أيضا الأجزاء السابقة :
حوارات هيكل (الجزء الأول)
حوارات هيكل (الجزء الثاني)
حوارات هيكل (الجزء الثالث)
حوارات هيكل (الجزء الرابع)
حوارات هيكل (الجزء الخامس)
حوارات هيكل (الجزء السادس)
حوارات هيكل (الجزء السابع)
حوارات هيكل (الجزء الثامن)
حوارات هيكل (الجزء التاسع)
حوارات هيكل (الجزء العاشر)
حوارات هيكل (الجزء الحادي عشر)
حوارات هيكل ( الجزء الثاني عشر)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.