أعلنت الحكومة الجزائرية، فى بيان رسمى لها أمس، عن سلسلة من الإجراءات الجديدة للاستثمار الأجنبى بها، والتى تمنح الشركات المحلية أفضلية على حساب نظيراتها الأجنبية. وتنص هذه الإجراءات، كما نقلتها وكالة رويترز للأنباء، على أن أى عقد جديد تقدمه الحكومة، سيتم طرحه فى مناقصة وطنية أولا، تتقدم لها الشركات الجزائرية المؤهلة لها، ولا يمكن دعوة الشركات الأجنبية للمنافسة على هذه العقود، إلا فى حالة عدم إرسائها على شركة محلية. كما نصت القواعد الجديدة على أنه بإمكان شركة محلية أن تنافس للفوز بعقد رسمى إذا تقدمت بعطاء يزيد بنسبة 25% على نظيره المقدم من شركة أجنبية، بعدما كانت هذه النسبة 15% فقط من قبل. «الجزائر تسعى إلى تضييق النطاق على المستثمرين الأجانب، وبصفة خاصة المصريون، فمنذ أن باعت أوراسكوم للإنشاء والصناعة وحدتها هناك إلى شركة لافارج الفرنسية، تتخذ الحكومة الجزائرية موقفا سلبيا تجاه الاستثمارات المصرية»، على حد تعبير محمد إبراهيم، صاحب شركة رواد الهندسة الحديثة للمقاولات فى الجزائر. وهو ما يتفق عليه أيضا إبراهيم محلب رئيس مجلس إدارة المقاولون العرب، ورئيس مجلس الأعمال المصرى الجزائرى مضيفا أن «السوق الجزائرى تربة خصبة للاستثمارات، وطاقته الاستيعابية كبيرة، وهذا هو السبب الرئيس فى اتجاه المستثمر المصرى إليه، وللأسف تضييق النطاق على المستثمرين الأجانب سيضر بمصر أكثر من أى دولة أخرى، خصوصا إذا أخذنا فى الاعتبار حجم الاستثمارات المصرية، وظروف المنافسة هناك»، على حد تعبيره، مشيرا إلى أن أغلبية الاستثمارات المصرية هناك تتركز فى مجالات المقاولات والاتصالات وتصنيع حديد التسليح، إلى جانب قطاعى الأسمدة والأسمنت. إلا أن أحمد الحمصانى، مدير علاقات المستثمرين بالسويدى للكابلات. يقول إنه يجب فهم نص إجراءات الاستثمارات الجديدة قبل الحكم عليه، «فيجب أن نعرف إذا كانت الحكومة الجزائرية ستعاملنا كشركة وطنية أم أجنبية، فنحن بصفتنا القانونية هناك شركة محلية، وليس أجنبية»، كما جاء على لسانه مشيرا إلى أنه قد تكون هذه القوانين فى صالح الشركات المصرية وليست ضدها. وتعد الإجراءات الجديدة استكمالا لما بدأته الحكومة الجزائرية منذ العام الماضى عندما أعلنت عن إدخالها تعديلات على قوانين الاستثمار الأجنبية المباشرة بها، والتى قضت بألا تقل مشاركة المساهم الوطنى عن نسبة 30% فى أى مشروع استثمارى أجنبى على أن تصل هذه النسبة إلى 50% فى بعض القطاعات مثل البترول، كما وضعت التعديلات وقتها قيودا على تحويلات أرباح الشركات الأجنبية المستثمرة بها. وتضمنت أيضا فرض رسم بنسبة 5% على كروت الشحن، تدفعه شهريا شركات الهاتف المحمول العاملة فى الجزائر. «هذه التعقيدات المتتالية قد تدفع كثيرا من المستثمرين المصريين، إلى الخروج من السوق، ووحدة جيزى التابعة لأوراسكوم تيليكوم خير دليل على ذلك»، يقول صاحب شركة الرواد، الذى حقق خسارة 75% خلال العام الأخير فى الجزائر، معتبرا أن «المنافسة فى الجزائر أصبحت تميل بشكل أكبر إلى الشركات المحلية خلال الفترة الأخيرة، وقد جاءت القرارات الجديدة لتعزز من هذا الاتجاه». ويتضح هذا الاتجاه بصورة واضحة فى تصريحات الرئيس الجزائرى، أمس، عندما قال، فى تعليقه على القرارات الجديدة، «الشركات الأجنبية تلعب دورا لكن القواعد الجديدة مطلوبة لمنح الشركات المحلية نصيبا أكبر فى الاقتصاد للمساعدة فى تخفيض البطالة بين الشبان وكذا محاربة الفساد». ويضيف الرئيس الجزائرى فى البيان الرسمى «الأمر متروك لرجال الأعمال الجزائريين كى يغتنموا الفرصة المعروضة من خلال برنامج الاستثمار العام وكذا المعاملة التفضيلية المطروحة لهم»، بحسب قوله، والذى اعتبر أن «الأمر يعود للشركات الأجنبية المهتمة بالسوق الجزائرية، كى تنضم لشراكة تقوم على تساوى المصلحة والربح». وتبعا لإبراهيم فإن «الجزائر ليست مثل مصر، فهى لا تعبأ باجتذاب استثمارات أجنبية تعضد من وضع الاقتصاد بها، فيكفى الإشارةإلى أن حجم الاحتياطى بها يصل إلى 145 مليار دولار، بينما لا يتجاوز عدد السكان بها 30 مليون نسمة». وتعد مصر أكبر مستثمر أجنبى فى الجزائر، فبينما بلغت الاستثمارات العربية فى الجزائر 524 مليار دينار فى الفترة الممتدة ما بين 2001 و2007، استأثرت مصر بنحو 163 مليار دينار منها، تم استثمارهم فى 27 مشروعا، أى ما يعادل 60% من قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة هناك لتأتى بذلك مصر فى مقدمة الدول العربية، تلتها الإمارات العربية المتحدة ب 76 مليار دينار، أُنفقت على خمسة مشاريع، ثم الكويت بواقع 38 مليار دينار، وفقا لبيانات الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمارات فى الجزائر. ومن الشركات المصرية الكبرى التى تستثمر فى الجزائر، السويدى للكابلات وشركة آسيك للأسمنت، والمقاولون العرب، بالإضافة إلى شركتى أوراسكوم تيليكوم، والمصرية للاتصالات. ويرى إبراهيم أن هذه القرارات لن تؤثر على إجمالى الاستثمارات الموجودة فى الجزائر، «فالشركات القطرية والسورية، وغيرها يبذلون قصارى جهدهم لكى يأخذوا مكان الشركات المصرية خصوصا بعد فقدها أيا من المزايا التى كانت تحصل عليها لأسباب سياسية معروفة.