على الرغم من التقدم العلمى المذهل الذى نعيشه فى عصرنا الحالى تظل بعض القضايا عالقة لا حل لها ولا فهم واضح. الفيروسات تلك الكيانات بالغة الدقة والتى تغيب عنها الروح فلا حياة فيها ولا نفس يتردد بين أغشيتها أحد تلك الألغاز التى مازالت تحير العلم والعلماء، لها من القدرة المذهلة على النفاذ إلى الخلايا الحية والاستيلاء على مقاديرها وتسخيرها لهدف محدد تختاره لها يقلب موازينها ويهدد قدرتها على أداء وظيفتها فتظهر على الإنسان أعراض مختلفة لأمراض معروفة وأخرى غريبة. فيروس الايبتستين بار هو أحد تلك الكيانات الضارية متناهية الصغر والتى تحدث زوبعة من الأعراض القاسية قد تنتهى فى فنجان. لا يسلم منه الأطفال وإن كان يختار ضحاياه دائما فى سن المراهقة والشباب. مرض كثرة الوحيدات المعدية (infectious Mononucleosis) الذى يسببه فيروس الإبتستين بار (Epstein Barr) قد يطلق عليه أى الاسمين أو أحد الاختصارات التى قد تحد من تعدد تسمياته وغرابتها (Mono). أحد الأمراض المحيرة التى يجد الطب والأطباء حتى الآن صعوبة بالغة مبررة فى تشخيصه إذ تتعدد أعراضه فى تنافر واضح لا يجدى معه الربط بينها كل للآخر. فيروس الإبتستين بار هو أحد أعضاء عائلة فيروسات الهربس الشهيرة تم عزله فى وقت قريب نسبيا (عام 1964) على الرغم من معرفة أعراضه منذ عهد بعيد. وقد أطلق عليه اسم العالمين البريطانيين اللذين رصداه. يصيب الفيروس الأطفال أيضا بمجرد انتهاء مظاهر المناعة التى تمنحها الأم لوليدها لكنه يترفق بالأطفال فيمر ربما دون تشخيص لتشابه أعراضه فى تلك السن مع أعراض البرد العادى. ينتشر المرض بين الرجال والنساء على حد سواء خصوصا فى بدايات الشباب وحتى سن الخامسة والثلاثين وهو مرض معدٍ لا يسلم منه الكثيرون وإن تم علاجه فى أحوال كثيرة على أنه مرض آخر نظرا لاختلاف أعراضه وكثرتها. العدوى بالفيروس تنتقل عن طريق اللعاب لذا فهو فى أحيان كثيرة يسمى تجاوزا مرض القبلات إذ إنه ينتقل أيضا بالرذاذ واستخدام أدوات الآخرين الشخصية كالأكواب والمناشف وفرش الأسنان. يهاجم الفيروس الخلايا البيضاء وحيدة النواة (Monocyt) داخل العقد الليمفاوية فيتسلط عليها فتبدأ فى التكاثر والانقسام بسرعة حتى تنتفخ العقد الليمفاوية وتهاجر الخلايا للشرايين محدثة العدوى والأعراض فى سائر أعضاء الجسم لذا يسمى مرض كثرة الوحيدات نسبة للخلايا وحيدة النواة الليمفاوية. أعراض المرض: فى البداية تتشابه أعراض المرض مع أعراض البرد العادى واحتقان الزور إلى أن تتمكن العدوى من جسم الإنسان فيبدأ التداعى: إرهاق بدنى شديد وفتور الهمة. صداع قاس غير مبرر. احتقان شديد فى الزور والتهاب واضح. حرارة شديدة قد تصل للأربعين. رعشة تصاحب الحرارة. ألم قاس فى العضلات. عاصفة من الأعراض التى تنال من الإنسان فلتزمه الفراش غير قادر على الحركة أو المقاومة.خلال أيام قليلة تتضح بعض معالم المرض التى قد تساعد فى تشخيصه انتفاخ وتورم الغدد الليمفاوية خصوصا فى العنق والتقاء عظمتى الذراع والفخذ. اصفرار العينين فى بعض حالات إصابة الكبد. تورم الطحال إلى درجة قد ينفجر معها إذا ما أصاب الإنسان ولو خبطة بسيطة غير مقصودة تحت الضلوع فى الجانب الأيسر. قد يصاب الإنسان بالطفح الجلدى الأحمر (المشابه لطفح الحصبة) إذا ما بدأ فى تناول مضاد حيوى مثل (الأموكساسلين) (amoxicillin) كعلاج لاحتقان الزور.قد يصاب الإنسان أيضا بما يشبه السحجات الداكنة فى الغشاء المخاطى المبطن للفم.كل هذه الأعراض القاسية التى تختلف فى حدتها من إنسان لآخر وفى مظاهرها من مريض لآخر تحير الطبيب مما توافرت له من مهارة فى التشخيص. تشخيص المرض: سن المريض ووجود أعراض الحمى والتداعى والإرهاق واحتقان الزور وتورم الغدد الليمفاوية قد تكون المفاتيح الأساسية لتشخيص المونو كما يطلق عليه معظم الأطباء اختصارا للاسم. يعتمد تشخيص المرض أيضا على عدد من تحاليل الدم المعروفة مثل: صورة الدم الكاملة. صورة لخلايا الدم البيضاء تشمل عدد الخلايا ونوعها ورصد الزيادة المتوقعة فيها وشكل الخلايا البيضاء التى تنتج من مهاجمة الفيروس لها. وجود الأجسام المضادة التى يفرزها الجسم (الجهاز المناعى) لمقاومة غزو الفيروس له والذى يعد بالطبع جسما غريبا. وجود الأجسام المضادة وقياس نسبها هو أدق التحاليل التى يعتمد عليها التشخيص. علاج مرض المونو المعدى: فى أغلب الأحيان تنتهى العاصفة وتصفو الأمور إذا لم تصاحب عدوى الفيروس عدوى أخرى بكتيرية تحتاج لعلاج حاسم مثل العدوى بميكروب (Streptococci) التى تلحق بالزور والجهاز التنفسى. ينصح الأطباء عادة بالراحة التامة فى الفراش مع تناول غذاء خفيف به قدر من الطاقة السهلة (العسل والفاكهة واللبن الزبادى) مع قدر من السوائل على اختلافها قد يضطر الطبيب لاستخدام الكورتيزون إذا ما استمر تورم الغدد الليمفاوية.لأدوية المعاونة لخفض الحرارة ومقاومة الألم والداعمة لجهاز المناعة مثل فيتامين ب المركب، فيتامين ج، فيتامين أ مع الماغنسيوم والبوتاسيوم الأدوية الداعمة لعمل الكبد والدافعة لتنشيطه. النصح بالراحة التامة وعدم أداء أى نشاط جسدى مفاجئ فى حالة احتقان الطحال الذى قد يتعرض للانفجار وتلك أحد المضاعفات الخطيرة التى يجب تجنبها.تضيف أحد المجلات الطبية المعنية بالعلاجات المنزلية أن دعك جسد المريض خصوصا الظهر بمستخلص اللافندر قد يفيد إلى حد كبير فى انتعاش الإنسان وانحسار مشاعر الإرهاق والتعب. «المونو» مرض واسع الانتشار بين المراهقين والشباب، تنافر أعراضه واختلاطها وتشابهها مع أمراض أخرى أكثر خطورة مثل السل الرئوى أو سرطانات الدم «اللوكيميا» أو سرطانات الجهاز الليمفاوى والتهابات الكبد الفيروسية أيضا مرض نقص المناعة «الايدز». تلزم الأسرة بواجب قد يقيها شر أيام قاسية من التخبط بين التشخيصات المختلفة المحتملة. احتمال الإصابة به يجب أن يكون احتمالا حاضرا فى الذهن لذا يجب التعرف عليه إذ يغيب ذكره فى مجتمعنا على الرغم من حضوره القوى.