مرت الذكرى الرابعة لعملية اختطاف جلعاد شاليط الجندي الإسرائيلي، والتي يطلق عليها "الوهم المتبدد"، منذ ثلاثة أيام، ولا تزال هذه العملية ووضع الجندي الأسير ذاته، يمثل رمزاً لقوة المقاومة الفلسطينية، وتجسيداً لضعف دولة الاحتلال الإسرائيلي. عملية "الوهم المتبدد" فحين دخل جلعاد شاليط، الفرنسي الأصل مرحلة التجنيد الإجباري بلواء جفعاتي التابع لسلاح المدرعات في الجيش الإسرائيلي بموقع عسكري قرب معبر كرم أبو سالم على الحدود الموازية لغزة بين رفح وإسرائيل في يوليو 2005، لم يكن يعرف أن ساعات فجر 25 من يونيو لعام 2006 هي الأخيرة له بين أهله وأفراد وحدته، فقد كان مقاتلو كتائب الشهيد عز الدين القسام ذراع حماس المسلح قد أعدوا اللمسات الأخيرة بالتعاون مع ألوية الناصر صلاح الدين، الذراع العسكري للجان المقاومة الشعبية وجيش الإسلام للقيام بعملية اقتحام نوعية أسموها "الوهم المتبدد". العملية النوعية غير المسبوقة وصفها "أفيف كوخابي" قائد القوات الإسرائيلية في قطاع غزة وقتها،بأن مقاتلي المقاومة دخلوا عبر نفق طويل جدا يمتد من مكان ما في القطاع حتى عمق 280 مترا، ما يعني أن طول النفق لا يقل عن 400 مترا بعمق 9 أمتار تحت الأرض وأن حفره استغرق شهورا طويلة، وعندما خرج المسلحون الفلسطينيون من النفق توزعوا، حسب قوله، إلى ثلاثة فرق: الأولى،هاجمت برج المراقبة واشتبكت مع الجنود الصهاينة في المكان ومن جراء الاشتباك قتل اثنان من المسلحين وجرح ثلاثة جنود الصهاينة، إصاباتهم بليغة. والقوة الثانية، هاجمت مدرعة وهمية وضعت في المكان بهدف التضليل، ولم يكن فيها جنود. والمجموعة الثالثة، هاجمت دبابة صهيونية بالصواريخ وألقت عدة قنابل داخلها، فقتل قائد الدبابة وهو ضابط برتبة ملازم أول، وجندي آخر، كما أصيب جندي ثالث، فيما خطف الجندي الرابع الذي كان شاليط. عناصر المقاومة وقتها عادوا إلى قطاع غزة سيرا على الأقدام على سطح الأرض وليس عبر النفق، فقد أطلقوا صاروخا على السياج الأمني وبذلك فتحوا فيه فتحة كبيرة أتاحت لهم العبور السريع، ثم اختفت آثارهم، ولم تتمكن المروحيات في تتبعهم، كما فشل الجيش الإسرائيلي في تتبع النفق الذي وجدوه ملغما بعد انسحاب المقاومين. عمليات البحث وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، قام جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الداخلي الشين بيت بتنشيط مئات من عملاءه في قطاع غزه للبحث وللتحري عن مصير شاليط ومكان اعتقاله وهوية محتجزيه. وشن الجيش سلسلة من العمليات الخاصة في مناطق متفرقة في القطاع في محاولة لتحرير الجندي المختطف أو إلقاء القبض على فلسطينيين يشتبه في ضلوعهم في احتجازه.. لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل. بقاء شاليط على قيد الحياة لم يكن مجالا للشك في نظر بعض المحللين، حتى 16 يوليو 2008، حين اكتملت عملية الوعد الصادق بتبادل الأسرى بين حزب الله اللبناني وإسرائيل بعملية اشتملت على تحرير عميد الأسرى العرب سمير القنطار وخمس فلسطينيين وعدد كبير من رفات الشهداء، مقابل الجنديين أيهود جولدفاسر وإلداد ريغف الذين كان حزب الله قد أسرهما في12 يوليو 2006. لكن العلامة الأبرز التي أكدت أن شاليط مازال حيا، كان الشريط الصوتي المسجل الذي بثه آسروه في ذكرى مرور عام على أسره في 25 يونيو عام 2007، والذي أكد والده ناعوم شاليط أنه كان بصوت ولده، لكن بكلمات ليست كلماته! وفي يونيو 2008 توصلت حماس المسيطرة على غزة لهدنة مدتها ستة أشهر مع الاحتلال الإسرائيلي برعاية مصرية، تضمنت وقف إطلاق الصواريخ من غزة ومنع قيام المقاومين الفلسطينيين بأي عمليات ضد إسرائيل مقابل وقف الهجمات الإسرائيلية ورفع الحصار عن غزة، لكن هذه الالتزامات الإسرائيلية جرى التملص منها، ما دفع قادة حماس للإعلان في مهرجان انطلاقة حركتهم الحاشد في ساحة الكتيبة الخضراء بغزة في 14 ديسمبر عن موقف واضح برفض تمديد التهدئة دون إجبار الراعي المصري لإسرائيل على الالتزام بشروطها. الأداة العسكرية هذه الخروقات برزت بشدة قبل انتهاء التهدئة في 4 نوفمبر 2008، حيث قامت إسرائيل بخرق جديد بتنفيذ غارة على قطاع غزة نتج عنها قتل ستة أعضاء مسلحين من القسام، ومنذ انتهاء التهدئة يوم الجمعة 19 ديسمبر 2008 قامت عناصر تابعة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة بإطلاق أكثر من 130 صاروخاً وقذيفة هاون على مناطق في جنوب إسرائيل، وهو ما انذر باقتراب المشهد من الاشتعال. لكن السلطات الإسرائيلية عمدت إلى تضليل حماس فقامت إسرائيل بفتح المعابر وأدخلت 428.000 لترا من الغاز الصناعي ونحو 75 طناً من غاز الطبخ بالإضافة إلى 105 شاحنة إغاثة قبل يوم واحد من العملية، كما أعلنت إسرائيل يوم الجمعة 26 ديسمبر 2008 عن مهلة 48 ساعة لوقف إطلاق الصواريخ، مهددة حماس بعملية عسكرية واسعة في حال عدم الاستجابة. وقبل مضي 24 ساعة على بدء المهلة، استيقظ قطاع غزة استيقظ يوم السبت 27 ديسمبر 2008 في الساعة 11:30 صباحاً بالتوقيت المحلي لمدينة القدسالمحتلة على سلسلة غارات إسرائيلية في حرب ضروس أسمتها إسرائيل "الرصاص المصبوب" وادعت أن من بين أهدافها تحرير شاليط. وقد أسفرت المعركة التي كادت أن تشهد ضم المقاومة الفلسطينية لأسرى إسرائيليين جدد بجوار شاليط، عن مقتل 13 إسرائيليا وإصابة 228 آخرين حسب اعتراف الجيش الإسرائيلي، لكن المقاومة أكدت أنها قتلت قرابة 100 جندي خلال المعارك بغزة، فيما وصل عدد الشهداء الفلسطينيين إلى 1328 شهيداً والجرحى إلى 5450، وانتهت الحرب التي أطلقت عليها المقاومة "معركة الفرقان" دون تحرير شاليط. شاليط .. ورقة رابحة للضغط على إسرائيل خلال الحرب وبعدها انطلقت تصريحات من قادة حماس تحذر من أن شاليط مرشح للخضوع لنفس مصير رون أراد وطيار إسرائيلي فقد في لبنان عام 1985، وظل مصيره مجهولا حتى الآن، لكن هذا الخوف الإسرائيلي من تعرض شاليط لهذا المصير تبدد في أكتوبر 2009 حين أصدرت كتائب القسام لأول مره شريط فيديو يظهر فيه شاليط لمدة دقيقتين مرتدياً الزى العسكري وحاملاً جريده إخبارية فلسطينية بتاريخ 14 سبتمبر 2009 وتحدث بالعبرية مخاطباً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو مطالبا إياه بالموافقة على شروط حماس وتأمين الإفراج عنه في أسرع وقت ممكن قبل فوات الأوان. كما وجه شاليط رسالة شخصيه إلى عائلته قال فيها أنه يتطلع إلى اللقاء بهم عما قريب، وأكد بأن وضعه جيد وأن كتائب القسام تعامله معامله ممتازة. وقد ظهر شاليط في حاله صحية وبدنيه جيده وهادئة على عكس توقعات الجهات والدوائر الأمنية الإسرائيلية المتابعة لقضيته والتي تحدثت كثيراً عن احتمال تعرضه لإصابات بالغه أثناء عمليه الأسر. ومن خلال هذا الشريط نجح الجناح العسكري لحركة حماس في 2 أكتوبر 2009 بوساطة ألمانية مصرية في تأمين الإفراج عن 20 أسيره فلسطينية من ذوات الأحكام ذات المدد الطويلة. وتحملت مصر ووسيط ألماني مهمة التوسط بين حماس وإسرائيل لإطلاق سراح شاليط، ولكن المفاوضات تعرقلت مرات عديدة خاصة بعد تولي حماس الحكم على قطاع غزة في يونيو 2007، مما أدى إلى إغلاق مصر الحدود مع القطاع. وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية اتفقت كل من إسرائيل وحركة حماس على إطلاق سراح 1450 معتقلا فلسطينيا في سجون إسرائيل مقابل تحرير شاليط، ولكن إسرائيل رفضت قائمة أسماء المعتقلين التي أرسلت إليها حماس عن طريق الوسيط المصري. مفاوضات الوساطة مازالت تتعثر بين الحين والآخر، لكن تقارير إعلامية إسرائيلية تحدثت عن عدم وجود مصدر للخطورة في إطلاق سراح عشرات الفلسطينيين الذين تصر حماس على إطلاقهم بينما ترفض إسرائيل، وهو ما يوحي بإمكانية إتمام صفقة قريبة للتبادل.