كالعادة، تثور أزمة حرية الإبداع كلما حدثت مصادرة لكتاب أو ملاحقة قضائية لرواية، فنطرح أسئلة حول تلك الحرية وهل هى مطلقة أم لها حدود تفرضها تقاليد المجتمع؟ فجر هذه الأسئلة من جديد حكم القضاء الإدارى القاضى بإلغاء ترخيص مجلة «إبداع» التى تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بسبب قصيدة الشاعر حلمى سالم «شرفة ليلى مراد» التى رأى البعض أنها تسىء للذات الإلهية، وقبله بأيام محاكمة مجدى الشافعى. مؤلف رواية «مترو»، ومحمد الشرقاوى مدير دار ملامح ناشر الرواية بعد أن أحالتهما نيابة حوادث جنوبالقاهرة للمحاكمة لاتهامهما بأنهما صنعا وحازا بقصد الاتجار والتوزيع مطبوعات منافية للآداب العامة. وبعيدا عن تلك الملاحقات القضائية، وهل من حق القضاء الإدارى أن يلغى ترخيص مجلة أو يحاكم روائى وناشر؟ فإن حرية الإبداع فى مصر تواجه معوقات كثيرة من خارج القائمين على العملية الإبداعية ومن داخلها. «حرية الإبداع ليست مطلقة مائة بالمائة ولا يفهمها سوى المستنيرين».. بهذه الجملة علق الدكتور جابر عصفور على ملاحقة الإبداع قضائيا، مؤكدا أن الاستنارة لا تعنى الخروج على الدين أو الإلحاد، وأضاف أن حرية الإبداع لها حدود يشكلها القانون وفئات المجتمع، ولكنه تساءل: من الذى يملك هذا، هل هى الفئات المحافظة أم الفئات الوسطية؟ وأشار إلى أنه يحترم مبدأ عدم التعليق على أحكام القضاء ولكن «ليس من المنطقى أن يقف المثقفون موقف المتفرج على قضية تمس حرية التعبير، فلابد أن نتخذ خطوات متعددة للاحتجاج على ما يجرى، وأن تستأنف وزارة الثقافة هذا الحكم، فلا يمكن أن نحاسب مجلة بأكملها بسبب قصيدة واحدة، خاصة أن إدارة المجلة أصدرت طبعة ثانية محذوف منها ما اعتبره البعض مساسا بالذات الإلهية، وهذا موقف إيجابى لابد أن نحمده لا أن نلغى المجلة بأكملها، وبدلا من معاقبة الجزء نعاقب الكل». اختلف مع ذلك الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، رئيس تحرير مجلة إبداع، مؤكدا أن حرية الإبداع مطلقة مادامت أتيحت للجميع، فهى قادرة على حماية نفسها، ولكن حين يحتكرها شخص تصبح سيئة وغير مطلوبة ومدمرة. وأضاف حجازى أن هناك تيارا فكريا تدعمه جهات رجعية وقوى سياسية يريد «تدمير الثقافة المصرية»، وأن تكف مصر عن لعب دورها التنويرى فى المنطقة، هذا الدور المشروط بالحرية أما الذين يرفعون شعارات دينية فيقصدون إعاقة مصر عن التفكير والعمل، وأشار إلى أن المجلة ستستأنف الحكم بما تملكه من دفوع واعتراضات لنقضه. يعتقد البعض والكلام مازال لحجازى أن الملاحقة القضائية للإبداع حديثة العهد فى مصر ولكنها قديمة، مشيرا إلى أنها زادت فى الآونة الأخيرة فلا يمضى عام دون أن نشهد ملاحقة قضائية أو مطالبة بمصادرة كتاب أو رواية، ووصل الأمر إلى حد إقامة دعاوى حسبة ضد المفكرين والمبدعين، والتاريخ يشهد على ما حدث للدكتور نصر حامد أبوزيد. حلمى سالم، مؤلف القصيدة التى فجرت المشكلة، يقول: إن الأدب يقرأ قراءة مجازية؛ لأنه تخييل وترميز للحياة ومن ثم يتلقى تلقيا مجازيا، أما القراءة الحرفية فتقتله وتقتل نفسها وتوقعنا أسرى قراءة ضيقة وعاجزة وبوليسية، بعض الحرية حق، وبعض ثوابت الحياة وقيم المجتمع حق، والحق لا يضاد الحق مثل مقولة ابن رشد، فلماذا لا نأخذ بهذا؟ يذكر أن قصيدة حلمى سالم أثارت جدلا واسعا بعد أن اتهم مجمع البحوث الإسلامية سالم بالكفر لتصويره الله فى قصيدته كشخص قروى يطعم بطا، وزاد من ذلك الجدل حصول سالم على جائزة الدولة للتفوق فى العام قبل الماضى، ما دعا الشيخ يوسف البدرى إلى إقامة دعوى قضائية لاسترجاع قيمة الجائزة، وبالفعل حصل على حكم لصالحه فى القضية، بل وصل الأمر إلى أنه قدم بلاغا للنائب العام يتهم فيه وزير الثقافة فاروق حسنى بإهدار المال العام.