يفتح الباحث عصام تليمة سكرتير الشيخ القرضاوي السابق، في حواره لموقع الشروق الإلكتروني، العديد من الملفات ويثير عدداً من القضايا الشائكة فيما يتعلق بالشريعة، والأحكام الشرعية المختلفة ذات الأبعاد السياسية. فبعد أن أجاز في بحث له حكم المسيحي لبلاد إسلامية، طالبت العديد من الأصوات - التي انتقدت هذه الفتوى وبلغت ذروتها إلى حد التكفير - الشيخ تليمه بالتوبة عن هذه الآراء. وفي حواره مع موقع الشروق، يشرح الشيخ أدلته ويرد على معارضيه، ويفجر مفاجأة أخرى تتمثل في جواز الاستفتاء على الشريعة.. إلى نص الحوار.. - في البداية.. من هو الشيخ عصام تليمه؟ مسألة التعريف بالنفس قد يكون فيها حرج، وأحب دوما أن يكون التعريف بي عن طريق ما أقدمه من فكر وما أكتبه من آراء، وفي كل كتبي التي طبعت، لم أطلب من أي مؤلف كبير ولا عالم، أن يكتب لي مقدمة، رغم صلاتي العميقة والقوية والحمد لله بمعظم العلماء الكبار، وعلى كل: أنا عصام تليمة، مواليد 1974، أدخلني والدي رحمه الله الأزهر، من المرحلة الابتدائية حتى الجامعة، وحفظت القرآن وعمري 14 عاما، ومنذ هذا التاريخ وأنا أرتقي المنبر، وكانت معظم خطبي في مصر بمساجد الجمعية الشرعية، ثم سافرت لقطر للعمل سكرتيرا للشيخ القرضاوي، ثم حصلت على الماجستير في علوم القرآن. - ما الذي دفعك للبحث في مسألة تولي غير المسلمين للحكم في بلاد ذات أغلبية مسلمة؟ معظم أبحاثي وكتبي إما أن تكون عن طريق مخالطة الناس، ورؤية ما يهمهم، وإما بالقراءة واكتشاف مساحة ما في موضوع تحتاج تناول، أو بطلب لمؤتمر علمي، لأني لا أحب حضور المؤتمرات لمجرد الحضور، وغالبا أشارك ببحث إلا إذا ضاق الوقت. وفي الحقيقة هذا البحث تحديدا كان باقتراح الصديق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، في جلسة نقاش بدولة قطر على هامش مؤتمر علمي كان يحضره، فأثار أسئلة جعلتني أبحث، وكتبت البحث بصورة مختصرة منذ ثلاث سنوات، وكلما جد أمر في قضية العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين ضممت أوراق المسألة الجديدة للبحث القديم، وكان بحثي القديم يبحث في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من المواطنة، والتطبيق التاريخي للمواطنة عند المسلمين، والنصوص التي توهم الانتقاص من الآخر في القرآن والسنة وتحليلها، ومن أين أتت النظرة الإقصائية للآخر التي نراها في بعض كتب التراث الإسلامي؟.. أما بقية القضايا التي ربما أثارت بعض القراء، فهي مسائل ملحة في البحث العلمي، ومطلوب من الإسلاميين إجابة حاسمة عليها، أيا كانت إجاباتهم، وليس من المقبول أن نتهرب منها، وهي تسأل ليل نهار. وأثارني لإكمال بقية البحث ما قرأته مؤخرا عن عزم جماعة الإخوان المسلمين بحث ودراسة ملف الأقباط والعلاقة بهم، فأكملته، ليكون لبنة في لبنات البحوث الفكرية الإسلامية، التي من الممكن أن تستفيد منها الحركة الإسلامية، وهي قابلة للأخذ والرفض، والحذف والإضافة. - هل يمكن أن نتعرف على الأدلة الشرعية لإجازة حكم غير المسلم لدولة مسلمة؟ أولا دعينا نتفق على أمر مهم: أن تناولي لقضية حكم غير المسلم لدولة ذات أغلبية مسلمة هي مسألة حاليا افتراضية، لأننا نعيش في ظل نظام لا يقبل لا بمسلم ولا غير مسلم، ولا يقبل بمعارضة أصلا تصل لحكم، ولا غير معارضة تحت جناح النظام، هذه مسألة. أما أدلتي، فيطلب ممن يمنع الأدلة على المنع، ولا يملك المانعون إلا دليلا واحدا، هو قوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)، وهو دليل عام، ليس خاصا بمسألة الحكم، وما معنى السبيل هنا؟ إن الآية تتحدث عن الصراع بين الكفر والإيمان، وأن الغلبة لمن؟ قد تكون أحيانا للكفر، لكنها في النهاية للإيمان، وأن السبيل هنا كغلبة وانتصار في قيمة ما يتملكه المؤمن، ينتصر به على الكافر، كما في الحديث: "الدنيا سجن المؤمن، جنة الكافر" فليست هنا بمعنى السجن المادي، بل سجن الروح، وحرمانه من التلذذ بنعمة الإيمان، وقد رد بالتفصيل على هذا الدليل الأستاذ الكبير فريد عبد الخالق في كتابه (في الفقه السياسي). وورد في تاريخنا الإسلامي تولي غير مسلمين الوزارة، أي كان هناك غير مسلم يسمى بوزير الدولة، ووزير الدولة هو متولي كل أمورها، وهو ما يعرف في زماننا الآن: برئيس الوزراء، وقديما كان من يمسك بزمام الأمور كلها هو وزير الدولة، الخليفة أو الحاكم هو في أمور معينة، وقد سرد عدد من المؤرخين عددا هائلا من غير المسلمين ممن تولوا الوزارة في الخلافة الإسلامية. - هل هذا الرأي فقهي يعمم على كل الأوقات أم أنك أفتيت وفقا لظروف وحالة معينة؟ هذا الرأي يرتكز على نظرية معروفة في الفقه السياسي الإسلامي، وهو أن الحكم عقد بين الأمة والحاكم، فلو لاحظنا أن الإسلام ينظر للحاكم أنه يجب أن يأتي بالشورى، ورضا الناس، وهو ما لم يتوافر في حالات كثيرة في تاريخنا الإسلامي، وأن الإسلام ضد توريث الحكم وأن يصبح حكما عائلياً، بدليل أن عليا بن أبي طالب رضي الله عنه لم يتول الحكم بعد رسول الله، ومضت الخلافة الراشدة إلى أن جاء معاوية رضي الله عنه وحولها إلى ملك عضود بالوراثة، وهو ما يعتبر في فقهنا الإسلامي غير صحيح، ثم جاء ما سمي في الفقه الإسلامي بالأمير المتغلب، أي من يحكم بالغلبة بالقوة، وإن لم تتوافر فيه الصفات المطلوبة للحاكم، من باب خوف الفتنة والدخول في فتنة داخلية تضر بالمجتمع، رغم أن الأمير المتغلب ما هو في عرف الإسلام إلا لص سارق، اللص الذي يسرق المال أكثر منه احتراما، أما هذا فهو يسرق شعبا بأسره، وأمة بأكملها، ومع ذلك وجد في الفقه الإسلامي استساغه لمثل هذه الأوضاع، وكيفت فقها وقانونا لتكون إحدى وسائل تولي الحكم المعترف بها، مع عدم شرعيتها الكاملة. وقديما كانت البلاد التي فتحها المسلمون العقد بينهم وبين أهلها يقوم على حقوق وواجبات بالاتفاق، ولم يكن منها أن يحكم غير المسلم المسلمين وهم أغلبية، فلما جاء الاحتلال العسكري لبلادنا، وأنهي ما كان يعرف في تاريخنا الإسلامي بالخلافة الإسلامية، أصبح هناك عقد جديد تتعامل به الأمة، حيث إن المسلمين وغير المسلمين تعاونوا وتكاتفوا جميعا لتحرير بلادهم، فأصبح هناك عقد جديد ومسمى جديد لبلادنا وهي بلاد ما بعد الاستعمار أو التحرير، وهنا جاء دستور جديد، وعقد جديد يقوم على المواطنة، وهي المساواة في الحقوق والواجبات بين أطياف المجتمع وشرائحه، وهي مسألة فصلها وأسهب فيها أستاذنا الدكتور محمد سليم العوا في كتابه (للدين والوطن) والمستشار طارق البشري. - ألم تتوقع أن يهاجمك البعض نتيجة هذه الآراء؟ طبعا توقعت أن أهاجم، لكن كنت أتمنى ممن يهاجم أن يقف بينه وبين نفسه أولا، ليتأمل الكلام على حقيقته، وأتوقع هجوما أكثر، لكن ما كنت أتمناه أن يكون علميا، ويبنى على أسس علمية، لا على التهارج والتطاول. - كيف استقبلت هذا الهجوم؟ لم يفاجئني الهجوم، ولم يسوءني بقدر ما ساءني التطاول على شخص الكاتب، وكأنه هناك عداء مبيت من قبل، وهذا لا يقبل ولا يليق بعاقل، فضلا عن مسلم، إلى درجة أن أقرأ أحد المعلقين في موقع من المواقع يكتب أني نصراني؟! كيف يتصور إنسان أنه يدافع عن دينه باتهام كاتب ما بأنه غير مسلم، أو يكفره؟ الإسلام لا يمكن الدفاع عنه بسوء الأدب، والرأي لا يعبر عنه بالتطاول على الآخر، وعموما الهجوم متوقع وليس مستغربا، ورضا الناس غاية لا تدرك. - يتهمك البعض بمحاولة التوافق مع الأفكار الغربية وتطويع الدين لهذا الغرض.. ما ردك؟ هذا الكلام يقال لإنسان يحمل أجندة غربية، أما أنا فأزهري ومسلم وباحث لا يزايد علي أحد في حبي لديني وإخلاصي له، ومسألة النيات موكول إلى الله وحده، فهل معنى أني أقول برأي معين، قد يتفق أو يختلف مع جهة ما، هل معنى ذلك أني أتفق معه في أجندته الفكرية؟ الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ فكرة حفر الخندق في غزوة الأحزاب، وهي فارسية، هل معنى ذلك أننا أدخلنا في ديننا ما ليس منه من حضارة فارس، الدواوين على عهد الخلفاء الراشدين كلها غير معربة، وأول من عربها عبد الملك بن مروان، فكما أنني كمسلم أعطي أفضل ما عندي للآخرين وأضيف لحضاراتهم، أستفيد بأفضل الوسائل التي عندهم، فالشورى مبدأ إسلامي، لكن آليات الشورى كالانتخاب والإشراف على الانتخابات كلها وسائل سبقنا بها الغرب فهل علي حرج أن آخذ بها؟ أما مسألة تطويع الدين ليتفق مع هذه الآراء، فهذه تهمة لا يليق بمسلم يخشى الله أن يتهم بها أحدا كائنا من كان، حاكموا كلامي لما سقته من أدلة، هل أدلتي من القرآن والسنة، ومن تراثنا الإسلامي، أم أن كلامي مرسلا لا دليل عليه؟. وأضرب مثالا هنا بمسألة ميراث المسلم من غير المسلم، كل الأئمة تمنعه، إلا المذهب الجعفري الشيعي، فهو يجيز أن يرث المسلم من غير المسلم، وأخذ برأي الشيعة ابن تيمية، هل معنى ذلك أن ابن تيمية كان يعمل وفق أجندة شيعية، وهو يحكم عليهم في كتبه حكما شديدا، فهل أتهمه بأنه عميل للشيعة؟! وهذا الكلام يقال لباحث يضع النتيجة أولا ثم يبحث عن الأدلة، وهذا ما لم أفعله ولا أفعله والحمد لله في بحوثي ولا كتبي، بل أترك للأدلة أن تقودني للرأي، أيا كان الرأي. - يرى البعض أنك تسعى من خلال هذه الفتوى تحقيق وحدة وطنية على حساب الوحدة الدينية .. ويرون بالتبعية أنها تفرق أكثر مما تجمع.. أنا ليس من أهدافي تفريق أحد، نحن أتباع دين يجمع الناس كلهم ولا يفرقهم، فالقرآن يقول: (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله)، كما أني لا أغازل ببحثي أحدا، إن كتبت بحثا قلت فيه رأيا علميا، يأخذ به من يأخذ، ويرفضه من يرفض. أما تجميعي للمسلم والمسيحي معا، فهل هذا عيب؟ أو مرفوض أو هدف مشبوه؟ اختلاف الناس ودياناتهم أمر قدره الله عز وجل، يقول تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) أي أن اختلاف الناس في الديانات لا يمانع من توحدهم وتعايشهم، وأنه مقدر من الله هذا الاختلاف، بل خلقوا لذلك، كما قال تعالى: (ولذلك خلقهم) أي وللاختلاف خلقهم. وقضية أن هذا على حساب وحدة المسلمين، فمن قال إن وحدة المجتمع الوطنية، تكون على حساب وحدة أتباع الدين الواحد؟ هذا كلام غير منطقي لا يقول به عاقل، ولا مسلم يفقه دينه، ألم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قدومه إلى المدينة بوضع دستور يحكم العلاقة بين المسلمين واليهود، وقال فيه: وأن اليهود أمة مع المؤمنين، وهو ما يسمى بوثيقة المدينة، وكتب عهدا مع نصارى نجران مماثل فيما بعد، هل كان ذلك من الرسول صلى الله عليه وسلم على حساب وحدة المسلمين؟ - هناك رد على فتواك تقول أن الحاكم مأمور بالجهاد والصلاة بالمسلمين وهو ما لا يستطيع المسيحي أن يفعله.. ردي أنه رأي واحترمه وأقدره، وهو رأي شائع في كتبنا الفقهية، ولا حرج عليه إن أخذ به، فكما أن لي رأيا أطلب من الناس أن تقدره في ضوء أدلتي، فمخالفي صاحب رأي له الحق في التمسك به، والتعبير عنه، والجدال أيضا. لكن ما يتمسك به المخالفون بأن الحاكم مأمور بالجهاد والصلاة بالمسلمين، وهو ما لا يستطيع أن يفعله المسيحي عندما يحكم، هو أمر ليس دقيقا في الاستشهاد، فهذه المهام التي حددها الفقهاء السابقون للحاكم، لم يقم بها الحاكم في السابق، بل رأينا حكام الأمة في الماضي من الأسلاف قاموا بتوزيع هذه المهام على موظفين أو عمال في الدولة الإسلامية، فإمامة الصلاة، وخطبة الجمعة، خصص لها العلماء والخطباء وأئمة المساجد، وأجريت لهم أوقاف تنفق عليهم، والقضاء بين المتخاصمين، خصص له قضاة يتولون أمره، وإقامة الحدود ترك للسلطة التنفيذية في الدولة، تقوم مقام الحاكم، أي أن كل هؤلاء صاروا نوابا عن الحاكم، ولم يعد للإمام أو الخليفة إلا إدارة الأمور السياسية في البلاد، وأيضا الأمور الحربية تترك لمسئولين عن الحرب، وإن كان قرار الحرب يعود في النهاية للحاكم، ولاستفتاء تقوم به الأمة. - من الاتهامات الموجهة إليك أيضاً أنك تسعى للشهرة وتبحث عن "الفرقعة".. لو كنت طالب شهرة فماذا أخرني عنها؟ أنا عملت ست سنوات ونصف مديرا لمكتب الشيخ القرضاوي وسكرتيرا خاصا له، في الوقت الذي كان يحب التودد لي كثير من الصحفيين والمذيعين، فليخرج لي أي منتقد بأني طالب شهرة وفرقعة، تصريحا واحدا صدر عني في فترة عملي مع الشيخ وقد كان من حقي ذلك، وهو ما لن يجده أحد، لأني لا أحب أن أقدم للناس باسم أحد، ولا أن أكون متدثرا بعباءة أحد، على ما أكنه من فضل لكل صاحب فضل علي. ومسألة أن أكون طالب شهرة، هذه مسألة نيات، ولا يطلع عليها إلا الله، فمن هذا الذي ينصب نفسه حاكما على عباد الله، والقلوب لا يطلع عليها أحد؟. ثم دعكم من عصام تليمة تماما، تأملوا كلامي، إن كان صوابا فخذوا به، وإن كان خطأ ردوه بدون إساءة. - هل لوظيفتك السابقة كسكرتير للشيخ القرضاوي علاقة بآرائك .. وهل تأخذ رأيه أو يوافق عليها قبل أن تعلنها؟ عملي مع الشيخ كان عمل "أكل عيش" مثل وظيفة أي إنسان، مطلوب مني مهام قمت بها، ولي راتب تقاضيته، نعم هو يختلف عن أي عمل آخر، بأنه عمل تعيش فيه المناخ العلمي مع علامة كبير كالشيخ القرضاوي، ولكن آرائي هي أفكاري وما أؤمن به، قد يوافق الشيخ على بعض منها، وقد يختلف مع بعضها، ونتناقش فيها، ولست وحدي، بل هذا ديدن كل تلامذة الشيخ، بل هو كثيرا ما يطلب المشورة والنقاش، وعلمنا هذا الأمر، وهو حريص أن نكون تلامذة القرضاوي لا عبيد القرضاوي، التلميذ يناقش أستاذه، ويأخذ منه ويترك، أما العبد فهو أسير قول مولاه، أينما يوجهه لا يأت بخير. ومسألة أخذ رأيه، كل تلامذة الشيخ يأخذون رأيه، وأنا تحديدا أتناقش معه فيما أكتب، أو فيما أبحث، وأسأل، وأقف على رأيه، وأخذ وأترك، ولكني لا استئذان قبل النشر، ولا أقبل بهذا، لأنه يمثل نوعا من الوصاية الفكرية، والشيخ نفسه لا يقبلها، ولا يقبلها أي تلميذ له. بالعودة إلى الفتاوى الفقهية .. هل أنت مع إجراء استفتاء لو أردنا تطبيق الشريعة؟ نعم، وضد أي قرار بتطبيقها بدون إرادة الشعب، باستفتاء عام، فإذا كان الاستفتاء بنعم، يكون هذا مطلب الشعب، وإذا كان بلا، فمعناه أن الناس لا تعرف الإسلام جيدا، وتحتاج إلى جهود لتعريفهم به، وشرح قضيته، لإزالة ما لديهم من هواجس أو لبس، ودليلي على الاستفتاء قوله تعالى على لسان نبي الله إبراهيم حينما أمره الله بذبح ابنه إسماعيل: (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) فهنا استفتاه أو استشاره وأخذ رأيه، فمعنى (ماذا ترى) ما قولك؟ ما رأيك؟ وكنت مرة أقول هذا الكلام لأحد المشايخ فقال لي: "أنت فاهم غلط، إبراهيم عليه السلام كان عارف إن ابنه سيقول نعم، بس بيمرنه!!" .. قلت له يا سيدي الفاضل كلمة (ماذا ترى) معناها إن هناك إجابتين إما نعم وإما لا، شأن كل سؤال، فمعنى إنه سينفذ مهما كانت الإجابة أن السؤال ليس له قيمة، وإذا كان بلا قيمة فلماذا سأله؟ ولماذا يسجله القرآن الكريم؟ فهذه الآية، وهذا الموقف يدل على ذلك، وموقف الرسول صلى الله عليه وسلم من تخيير زوجاته، بين التوسعة في النفقة وأن يطلقهن، وبين أن يصبرن ولهن الأجر عند الله، هو تخيير وأخذ رأي واستفتاء. أرى أن الإسلام لا يكره أحدا عليه، بل تنفذ أوامره بالحب والطاعة، والامتثال لأوامر الله، وليس بالإكراه والتغليظ والتعنيف، وعدم القناعة.