استغرق الأمر قرابة المائة عام حتى تتحول كرة القدم من صورتها البدائية إلى الصورة الحديثة. وكان الإنجليز وراء تهذيب اللعبة وتطويرها، فمنذ صدور القانون الأول فى 26 أكتوبر 1863، شهدت كرة القدم تعديلات مهمة فى قوانينها، وفى ملاعبها وملابسها وأدواتها. فالكرة ذاتها أصبحت مستديرة، وهى لم تكن كذلك. قبل اكتشاف المطاط. وأصبح للملاعب حدود، ولم يكن لها قبل ذلك، واستخدمت العوارض الخشبية فى المرمى، وقد كان يحدد ارتفاعه بشريط من القماش. وأوحت إشارات المرور بألوانها الحمراء والخضراء والصفراء لرئيس لجنة الحكام بالإتحاد الإنجليزى كين أستون باستخدام البطاقات الملونة لإشهار عقوبات اللاعبين. وبدأ الإنجليز فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر فى نشر كرة القدم إلى القارات المختلفة، وإلى عشرات البلاد المحيطة بالقارة الأوروبية من خلال الطلبة الإنجليز أو طلبة البلدان الأوروبية الذين يدرسون فى إنجلترا، وامتدت اللعبة وانتشرت إلى القارات الخمس، بقدر اتساع الإمبراطورية البريطانية، وبقدر ما تستطيع سفن الأسطول أن تقطع من مسافات وتصل إلى أبعد النقاط.. هكذا وصلت كرة القدم إلى أوروبا وأفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية واستراليا. وفى كل بلد كانت هناك قصة تروى غزو الكرة.. ولكل قصة بطلها أو أبطالها الذين نشروا اللعبة. ولكل قصة تفاصيلها التى تصلح كتابا. وخلال الفترة من 1810 إلى 1915 ظل الاهتمام بكرة القدم يتنامى فى إنجلترا وفى خارجها، وأخذ الاهتمام شكلا ثقافيا، بتأليف الكتب عن اللعبة وقوانينها، ومنها كتاب صدر فى فرنسا عام 1898 بعنوان: «الحياة فى الهواء الطلق».. عن أهمية ممارسة الرياضة وكرة القدم. وكانت أوروبا قد بدأت تكتشف وتمارس بعض اللعبات الرياضية قبل مائتى عام من تاريخ صدور هذا الكتاب ومن تنظيم كرة القدم وتهذيبها. كما صدر كتاب آخر فى زيوريخ عن تكنيك كرة القدم. عام 1910. فيما أخذت الصحف التى تصدر فى تلك الأيام فى نشر إعلانات عن اللعبة أو طبع بوسترات وطوابع بريد، ومنه إعلان فى عام 1914 عن مصباح كهربائى جاء فيه أن كرة القدم قادرة على مقاومة تأثير المصباح وضوئه الباهر؟! أثرياء البرازيل نشروا للعبة البرازيل الدولة التى لم تغب شمسها أبدا عن المونديال عرفت كرة القدم منذ 126 عاما عن طريق تشارلز ميلر ابن إحدى العائلات الانجليزية الثرية فى عام 1894 حيث كان يأمل بتحويل هذه الرياضة إلى وسيلة براقة للتسلية ووفقا لما قاله روبرتو دا ماتا مؤلف العديد من الكتب حول هذا الموضوع فإن كرة القدم جاءت من الخارج بواسطة أطفال أثرياء هم أبناء أصحاب أحد المصانع الذين تعلموا فى مدارس راقية فى إنجلترا وعادوا بها إلى البرازيل ويؤكد دا ماتا أنه فى خلال أعوام قليلة تغير المشهد العام ولم تعد كرة القدم قاصرة على الاثرياء بل تسربت إلى رجل الشارع العادى وخصوصا هؤلاء الفقراء والمعدمين.. هؤلاء الذين يقبعون فى قاع السلم الاجتماعى البرازيلى وأضاف «هؤلاء الناس سرقوا كرة القدم وجعلوا منها ما هى عليه اليوم مما جعل البرازيل مركزا لكرة القدم الدولية والدولة الأكثر تصديرا للاعبين والبلد الاكثر إبداعا وواحدة من الدول التى ساهمت فى تصنيع الرياضة». وفى بداية القرن الماضى صارت كرة القدم وسيلة لضمان عتق الاطفال والجدود الذين كانوا يطالبون بحرياتهم من العبودية منذ عام 1888 وأكد كتاب نشر فى عام 1947 للكاتب الروائى ماريو فيليو تحت اسم «ماراكانا» نسبة إلى اسم الملعب الشهير الموجود فى ريو دى جانيرو أنه فى بداية القرن العشرين كانت كرة القدم أفضل وسيلة لأصحاب البشرة السمراء والأجناس المخلطة للارتقاء فى التصنيف الطبقى البرازيلى» ووفقا لدى ماتا فإن عناصر كثيرة ساهمت فى انتشار شعبية كرة القدم سريعا فى البرازيل» فهى رياضة من السهل جدا ممارساتها لأنها لا تتطلب معدات باهظة التكاليف أو صفات جسمانية معينة» كما أن قواعدها بسيطة وواضحة ويمكن أن تلعب كل يوم وفى أى وقت من العام فى البرازيل التى تتسم بمناخ صيفى فى كل أيام السنة». أعظم لاعب فى التاريخ واخرجت البرازيل مئات النجوم الذين أثروا كرة القدم فى العالم مثل بيليه وتوستاو وجارينشا وديدى، وريفيللينو وجونيور وسقراط وغيرهم، إلا أن لاعبا مجهولا ظلمه التاريخ، يعد أعظم لاعبى البرازيل، إنه أرثر فرد نرخ. المولود فى 18 يوليو عام 1892 من أب ألمانى وأم برازيلية ذات أصول أفريقية. وقد لعب لأول مرة فى فريق جرمانيا بالبرزيل وعمره 17 سنة بعد أن لمس والده موهبته، وكافح أرثر فردنرخ لكى يثبت نفسه، ولكى يحارب صيحات العنصرية، فعندما اختير للانضمام إلى منتخب البرازيل كان هو اللاعب الوحيد الأسود بالفريق. سجل أرثر فردنرخ خلال 26 عاما مارس فيها كرة القدم 1329 هدفا، وهو رقم أكبر من الأهداف التى سجلها بيليه وكان أول إنسان يتعدى عدد أهدافه الألف. وعندما توفى أرثر فردنرخ فى سبتمبر 1969 كان بيليه يحتفل بعد ثلاثة أشهر بتسجيل هدفه الألف بالبرازيل. أرثر فردرنخ أعطى كرة القدم المجد والموهبة. فكان لاعبا يتميز بالأداء العبقرى، والألعاب التى لا يتوقعها أحد. وهو أول من أدخل البرازيل تاريخ كرة القدم وأول لاعب فى البرازيل ينقل كرة القدم من مجرد خبر هامشى فى الصفحات الداخلية إلى الخبر الأول فى الصفحة الأولى. فعندما سجل هدف الفوز على أوروجواى فى نهائى كوبا أمريكا عام 1919 كان البرازيليون يعتبرون سباقات الخيل رياضتهم الشعبية الأولى، لكن هذا الهدف الذى منح البرازيل أول لقب دولى وعلى حساب منتخب أوروجواى القوى فى ذلك الوقت حول أنظارهم إلى كرة القدم! فى العشرينيات من القرن الماضى قام منتخب البرازيل بجولة أوروبية لأول مرة ولعب مع ناد فرنسى فى باريس وفاز 7/2. وكان هذا الفوز الكبير أولى صور الإبهار التى قدمها البرازيليون إلى العالم. وهناك مشاهد مصورة نادرة لأرثر فردنرخ من تلك المباراة، وهى المشاهد المتحركة الوحيدة التى سجلت إبداعاته ومهاراته كأعظم لاعب فى تاريخ كرة القدم. ويروى الشاهد الحى الوحيد قصة فردنرخ وهو مراسل الإذاعة البرازيلية نقولا توما 95 سنة ويقول: «ليس له مثيل من قبل، ولا من بعد، ولا يقترب منه بيليه أو مارادونا ولا حتى رونالدينيو». واستند نقولا توما على أن ممارسة كرة القدم فى ملاعب الثلاثينيات وبأدوات العصر تجعلها لعبة شديدة الصعوبة مقارنة بزمن بيليه ثم رونالدينيو. وفى هذا السياق أجرت قناة ناشيونال جيوجرافيك دراسة علمية وعملية حول تطور تكنولوجيا كرة القدم وتأثيره على اللاعبين، واستعانت بعدد من لاعبى ألمانيا والبرازيل، وانتهت الدراسة إلى أن كرة الجلد القديمة لم تكن تسهم فى إظهار مهارات ومواهب اللاعب الفردية كما تفعل اليوم كرات العصر الحديثة.. لكن نحن أمام اكتشاف جديد يؤكد أن أعظم لاعب فى التاريخ ليس بيليه ولا مارادونا ولا رونالدينيو ولكنه لاعب نصفه ألمانى ونصفه الأخر أفريقى ويدعى أرثر فردنرخ.!