عدا الاتصالات والخدمات التعليمية.. ارتفاع قطاعات البورصة في أسبوع بمعدلات تتجاوز 15%    عضو ب«الشيوخ»: قرارات محكمة العدل الدولية تمثل انتصارا للجهود المصرية    مصدر رفيع المستوى: مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الأزمة الإنسانية بغزة    الرئيس السيسي يتلقى اتصالا من نظيره الأمريكي جو بايدن لتناول تطورات الأوضاع في غزة    باسم مرسى يعود لهجوم الإسماعيلي أمام البنك الأهلي    الأهلي يختتم تدريباته استعدادًا لمباراة الترجي التونسي    استعلم عن نتيجتك من هنا.. رابط نتيجة الشهادة الإعدادية الترم الثاني 2024 نتائج الصف الثالث الإعدادي محافظة الإسكندرية    مرسى مطروح تواصل حملات النظافة استعدادًا للموسم الصيفي    بسبب التكييف.. حريق داخل عناية مستشفي السنطة دون وقوع إصابات    توقعات عبير فؤاد لمباراة الأهلي والترجي التونسي في إياب نهائي دوري أبطال إفريقيا    صحة مطروح تنظم قافلة طبية مجانية في منطقتي الظافر وأبو ميلاد (تفاصيل)    مع اقتراب عيد الأضحى.. تفاصيل مشروع صك الأضحية بمؤسسة حياة كريمة    «العمل» تكشف تفاصيل توفير وظائف زراعية للمصريين باليونان وقبرص دون وسطاء    تحديث بيانات منتسبي جامعة الإسكندرية (صور)    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن هضبة الأهرام بالجيزة اليوم    عاجل.. برشلونة يلبي أولى طلبات فليك    سكرتير عام البحر الأحمر يتفقد حلقة السمك بالميناء ومجمع خدمات الدهار    الأمم المتحدة تحذر من انتشار اليأس والجوع بشكل كبير فى غزة    عمليات حزب الله دفعت 100 ألف مستوطن إسرائيلي للنزوح    الترقب لعيد الأضحى المبارك: البحث عن الأيام المتبقية    إستونيا تستدعي القائم بأعمال السفير الروسي على خلفية حادث حدودي    في ثاني أيام عرضه.. فيلم "تاني تاني" يحقق 81 ألف جنيه    بعد جائزة «كان».. طارق الشناوي يوجه رسالة لأسرة فيلم «رفعت عيني للسما»    بعد تلقيه الكيماوي.. محمد عبده يوجه رسالة لجمهوره    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع والتسليم لله    وزير الدفاع الروسي: بيلاروس حليف مخلص وشريك موثوق لموسكو    «الرعاية الصحية» تشارك بمحاضرات علمية بالتعاون مع دول عربية ودول حوض البحر المتوسط (تفاصيل)    ضبط قضايا اتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 11 مليون جنيه في 24 ساعة    بعد ظهورها بالشال الفلسطيني.. من هي بيلا حديد المتصدرة التريند؟    فيلم "شقو" يواصل الحفاظ على تصدره المركز الثاني في شباك التذاكر    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    مبابي يختتم مسيرته مع باريس سان جيرمان في نهائي كأس فرنسا    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    الأزهر للفتوى يوضح أسماء الكعبة المُشرَّفة وأصل التسمية    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور H5N1 في الأبقار.. تحذيرات وتحديات    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    بالأسماء.. إصابة 10 عمال في حريق مطعم بالشرقية    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    تعشق البطيخ؟- احذر تناوله في هذا الوقت    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    مران صباحي ل«سلة الأهلي» قبل مواجهة الفتح المغربي في بطولة ال«BAL»    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    "تائه وكأنه ناشئ".. إبراهيم سعيد ينتقد أداء عبدالله السعيد في لقاء فيوتشر    4 محاور فنية تحاصر «كاردوزو»    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالناصر ومانديلا.. ما لا يسقط بالتقادم
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 01 - 2024


لا ينشأ دور بالمصادفة ولا تسقط قيمة بالتقادم.
من لم يطل على التاريخ بوقائعه وحقائقه قد لا يلم بالأسباب العميقة الكامنة وراء ملاحقة جنوب إفريقيا بالذات دون طلب، أو تكليف من أحد، لجرائم الإبادة الجماعية، التى يتعرض لها الفلسطينيون فى غزة.
إرث التاريخ ماثل فى مشاهد محكمة العدل الدولية.
لأزمان طويلة ارتبطت قضيتا جنوب إفريقيا وفلسطين كأنهما توءم سياسى، ما إن تطرح إحداهما تستدعى الأخرى.
ما زال إرث الفصل العنصرى «الأبارتهيد» ماثلا فى ذاكرة أجيالها الجديدة ويحكم سياساتها.
رمزية جنوب إفريقيا أضفت على دورها فى محاكمة مجرمى الحرب الإسرائيليين بتهمة الإبادة الجماعية قيمة مضافة ملهمة باعتبارها الممثل التاريخى فى النظر الإنسانى المعاصر لانتفاضة الرجل الأسود ضد إرث العبودية والتمييز العنصرى.
اكتسبت صدقية حديثها باسم كل الضحايا من تاريخها نفسه.
عندما تحررت مطلع تسعينيات القرن الماضى، بعد أن رحل «جمال عبدالناصر» بسنوات طويلة، لم تنس دوره فى الوصول إلى هذا اليوم، ولا تنكرت القارة الإفريقية كلها لإرثه التحررى فيما كان التنكر هنا فادحا.
لا يحق لأحد أن ينسى الأدوار التى لعبتها مصر فى نصرة قضية جنوب إفريقيا، حيث احتضنت ودعمت، موّلت وسلّحت واحدة من أعدل القضايا الإنسانية، كما لم تفعل دولة أخرى.
عندما تتصدر اليوم جنوب إفريقيا مشاهد محكمة العدل الدولية للانتصاف للقضية الفلسطينية من مجرمى الحرب فإنها تبدو أكثر إخلاصا لإرث التاريخ المشترك من العرب أنفسهم.
فى لحظة الصعود الكبير تأكدت قيمة الوفاء للتاريخ ولأدوار قادة التحرير فى القارة الإفريقية.
فور إطلاق سراحه من سجنه الطويل، الذى امتد لسبعة وعشرين عاما، زار «مانديلا» دولا إفريقية فى مقدمتها مصر.
كانت مصر قد تغيرت ولم تعد تتبنى السياسات التى ألهمت حركة التحرير الإفريقية كلها، لكنها لم تغادر مخيلته.
فى زيارته القاهرية طلب من بروتوكول رئاسة الجمهورية أن يكون بجواره فى العشاء على شرفه صديقه القديم «محمد فايق»، رجل «عبدالناصر» فى إفريقيا، الذى تعاون معه لإزاحة الحكم العنصرى قبل أن يدخل سجنه الطويل.
حسب رواية «فايق» كما استمعت إليها فإنه ذهب إلى منشية البكرى حيث بيت «عبدالناصر» وبصحبته المناضل الجنوب إفريقى «نيلسون مانديلا» للقاء الرئيس المصرى.
انتظرا سويا أن ينتهى اجتماع بين «عبدالناصر و«تيتو»، غير أن الاجتماع طال عما كان مقررا، وجد «مانديلا» نفسه مضطرا للمغادرة حتى يلحق بطائرته على أن يعود مرة أخرى. وهو لقاء لم يحدث أبدا.
فيما بعد قال «مانديلا» إنه فى سجنه الطويل كان يحاول أن «يشب» على قدميه حتى يرى «عبدالناصر» فى القاهرة.
كانت تلك إشارة تخيلية لحجم الرهان الإفريقى على الدور، الذى كانت تلعبه مصر فى ستينيات القرن الماضى.
ولدا فى عام واحد (1918)، عبدالناصر فى أوله (15) يناير، و«مانديلا» فى منتصفه (18) يوليو.
رحل «عبدالناصر» مبكرا فى سبتمبر (1970) وأطال الله عمر «مانديلا» حتى ديسمبر (2013).
عندما جاء للقاهرة زار ضريح «عبدالناصر»، ووصفه بأنه «زعيم زعماء إفريقيا».
رغم استقباله الرسمى فى القاهرة عندما زارها بعد تحريره، فإن نظام الحكم وقتها لم يدرك القيمة التى اكتسبها فى الضمير الإنسانى المعاصر، ولا ضرورات بناء علاقة خاصة مع جنوب إفريقيا الحرة، أو التوقف عن التنكر للقارة الإفريقية وقضاياها، الذى دفعت مصر ثمنه مروعا من أمنها المائى وحضورها الإقليمى معا.
بعد سنوات من مغادرته الاختيارية لمقعده الرئاسى أشرف على ملف بلاده لتنظيم كأس العالم لكرة القدم.
كان أسوأ ما حدث فى أروقة الحكم، حيث كانت مصر قد رشحت نفسها لتنظيم ذات البطولة، وصف «مانديلا» بأنه «شوية كراكيب» على ما روى لى الأستاذ «محمد حسنين هيكل» نقلا عن مسئول كبير متصل بالملف فى منتصف مايو (2004).
بدا «هيكل» منزعجا من العبارة وحماقاتها: «الرجل وراءه أسطورة».
كان ذلك استهتارا مروعا بقيمته ورمزيته فى العالم دفعت مصر ثمنه موجعا فى «صفر» المونديال.
فى إشارة لها مغزاها قال «مانديلا»: «لو كان عبدالناصر موجودا ما ترددت دولة إفريقية واحدة فى دعم الملف المصرى».
من مفارقات التاريخ أن نظام الحكم، الذى استهتر به، سقط فى (11) فبراير (2011) بعد واحد وعشرين عاما باليوم من إطلاق سراح «مانديلا».
بصياغة «فايق» فى كتابه المرجعى «عبدالناصر والثورة الإفريقية»: «إذا كنا نسلم بأن الزعماء الذين قادوا ثورة إفريقيا هم جمال عبدالناصر وكينياتا، ونكروما، وسيكوتورى، وبن بيللا ولومومبا وفيلكس مومى، وكاوندا وجوشوا مكومو، ونيريرى، ومندلانى وإميل كابرال ومحمود حربى وغيرهم، فإننا نستطيع بكل الاطمئنان أن نقول إن جمال عبدالناصر قد لعب الدور الأخطر والأعظم بشهادة التاريخ وشهادة هؤلاء أنفسهم».
«لن نكون مبالغين إذا قلنا إن ثورة يوليو المصرية قد أحدثت من التغيير وتركت من التأثير فى إفريقيا ما لا يقل بحال من الأحوال عن ذلك التغيير والتأثير الذى أحدثته وتركته الثورة الفرنسية فى أوروبا.
فإذا كانت الثورة الفرنسية قد زرعت مبادئ الحرية والإخاء والمساواة عميقة بين شعوب أوروبا وقضت على الإقطاع وامتيازات النبلاء والألقاب، فإن الثورة المصرية هى التى أعطت الشعوب الإفريقية القدرة على استخلاص حقوقها وفقا لهذه المبادئ والمعانى العظيمة، والتى كان تطبيقها يقف دائما خارج حدود المستعمرات، حيث كان يصطدم هذا التطبيق بمصالح المستعمرين الأوروبيين».
قد تبدو مثل هذه الشهادة تحليقا فى الإنشاء السياسى، لكنها فى الحقيقة تعكس بدرجة عالية من الدقة الدور الذى لعبته مصر، ولا يزال ماثلا فى ذاكرة القارة.
بتعبير «هيكل»: «لا تراهن على التاريخ وحده أيا كان بريقه، فالمصالح تسبقه فى العلاقات بين الدول».. «قد تساعد العلاقات القديمة فى التمهيد لتبادل لغة المصالح بشىء من الود، لكن لا تنس أنها مجرد تمهيد قبل الدخول فى صلب المصالح المتبادلة».
من أسوأ ما جرى بعد «عبدالناصر» أن ما استقر عميقا فى القارة السمراء أهدر فادحا فى السياسات.
رغم كل الانقلابات الاستراتيجية على مشروع «عبدالناصر» وضراوة الحملة عليه فإن المعانى الكبرى لا تسقط بالتقادم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.