أشرقت الشمس على قطاع غزة اليوم السبت، وقد بات أهله ليلة هادئة للمرة الأولى منذ سبعة أسابيع لم يعكر صفوها مرور "سريع" لطائرة حربية إسرائيلية في سماء خان يونس. وعلى الضفة الغربية وقد استعادت عشرات من بناتها وأبنائها المفرج عنهم من سجون إسرائيلية في مشاهد احتفالية بعد أن صمدت هدنة مؤقتة أوقفت أعنف حرب عرفها القطاع المحاصر وأكثرها دموية منذ عقود. حتى إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي المستنفر والمقسمة قواته جنوبا في مواجهة حركة حماس وشمالا في مواجهة حزب الله، أنه أسقط صاروخ أرض جو أطلق من لبنان باتجاه مسيّرة إسرائيلية، اليوم، مر دون كثير من الاهتمام لاتهام إسرائيلي للحزب بإطلاقه وإعلان بالرد بقصف إسرائيلي لمواقع تابعة للحزب في جنوبلبنان. دخلت الهدنة التي توسطت فيها مصر وقطر وأمريكا، حيز التنفيذ في السابعة صباح الجمعة - اليوم الثامن والأربعين للحرب - فاندفع أهل غزة مع لحظاتها الأولى لتفقد بيوتهم التي رحلوا عنها نازحين تحت وطأة القصف الإسرائيلي الذي قتل أكثر من 15 ألف شخص وخلّف أكثر من 35 ألف جريح منذ السابع من أكتوبر الماضي. أم حازم المسنة الفلسطينية النازحة جلست أمام منزلها المدمر عبسان شرق خان يونس تفكر فيما يمكن أن تفعله في الأيام المقبلة. وقالت: "بيت لم يمض على بنائه أكثر من سنة، ولا يعلم أحد إلا الله من أين أتينا بمصاريف بنائه، وزوجنا الولد منذ 7 شهور، والله يعلم كيف دبرنا تكاليف الزواج، كل جهازه راح وكل البيت راح، ماذا سنفعل؟ أمرنا إلى الله". ويفضل عبد الحميد أبو طعيمة، على ما يبدو العودة إلى حياة النزوح لأن منزله لم يبق منه شيء مطالبا وسائل الإعلام بنقل الدمار الذي تعرض له قطاع غزة. ويقول: "سأعود للنزوح إلى أن يأتي الله بأمر، ليأتي العالم ليرى، تأتي الصحافة، يأتي الإعلام الغربي الذي يقول إن إسرائيل مظلومة، يأتوا ليروا ما هو موجود، ليروا المباني في كل مكان، نريد الصحافة والعالم وقنوات العالم كله أن تأتي وتصور وترسل لكل شخص بلغة الدولة التي يعيش فيها". وتقول إسرائيل إن هجوم حماس وعناصر مقاومة فلسطينية أخرى، على مدنها ومعسكرات لجيشها قرب غزة قد أوقع 1200 قتيل، إضافة إلى أكثر من 200 شخص اقتادهم أصحاب الهجوم المباغت في طريق العودة إلى داخل القطاع. من هؤلاء، أطلقت حماس سراح 13 إسرائيليا في إطار اتفاق اليوم الأول للصفقة التي شهدت خروج 39 فلسطينيا بينهم 24 امرأة من السجون الإسرائيلية. وأضافت حماس أن رعايا من تايلاند والفلبين كانوا ضمن المحتجزين لديها لتسلم الصليب الأحمر 24 شخصا. بينما عمت الاحتفالات - صاخبة في الضفة وخافتة في القدس بفعل قيود إسرائيلية – بخروج فتيات وشبان فلسطينيين للحرية، اصطحب الجيش الإسرائيلي العائدين من غزة لإجراء فحوص طبية في مستشفى قرب تل أبيب. - حرية أهل غزة "في اتجاه واحد" ظل المشهد على قسوته كالحلم في غزة، حيث كان بوسع الفلسطينيين قطع الطريق بحرية ذهابا وجيئة من الجنوب إلى الشمال، لكن حرية الفلسطينيين لم تكن يوما مطلقة على ما يبدو، ولم يكن أول أيام الهدنة استثناء. الإذاعة الفلسطينية أفادت باستشهاد شخصين وإصابة آخرين إثر استهداف إسرائيل لفلسطينيين، خلال محاولتهم العودة لمنازلهم في شمال قطاع غزة. ولم تذكر الإذاعة أي تفاصيل أخرى على الفور، لكن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، أعاد التأكيد على حظر العودة على سكان شمال غزة الذين نزحوا جنوبا العودة إلى الشمال خلال فترة التهدئة بينما يُسمح بالحركة العكسية من الشمال إلى الجنوب. وتقول الأممالمتحدة، إن قرابة مليون شخص نزحوا من شمال غزة إلى جنوبها منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر الماضي. بقي في شمال القطاع إذا نحو نصف مليون فلسطيني يتحدون القصف والتوغل البري الإسرائيلي. وربما للمرة الأولى منذ بدء الحرب، كان بوسع العالم أن يسمع ضحكات وأصوات الأطفال الفلسطينيين بعد أن توقف صوت القصف الإسرائيلي الجوي والمدفعي في مختلف أرجاء قطاع غزة. سارع فلسطينيون من الكبار والأطفال إلى منطقة ألعاب على شاطئ البحر في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة للاستمتاع. وقالت الطفلة زينة حلس: "جئت إلى هنا لأن اليوم هو أول أيام الهدنة، وأتمنى أن تستمر لأننا تعبنا من الحرب في كل يوم، وصوت القصف المزعج الذي يمنعنا من النوم". وانطلق الأطفال في منطقة الألعاب بحثا عن ساعات من الترفيه والمتعة بعد أسابيع من غارات متواصلة أوقعت آلاف الضحايا بين قتيل وجريح. وقالت الطفلة صبا الزق "لم نكن نستطيع النوم بسبب الحرب وصوت القصف المتواصل حول منزلنا في شمال غزة. ونحمد الله أننا في هدنة الآن وإن شاء الله تظل قائمة في غزة كلها". ولم يقتصر الاستمتاع بساعات الهدنة على الأطفال فقط بل امتد أيضا للآباء والأمهات الذين قاسوا الأمرين منذ اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر الماضي. ويقول رب الأسرة بسام التوم "مع بدء تطبيق الهدنة أحضرنا الأطفال إلى هنا من أجل تهدئتهم بعد أيام الرعب التي عاشوها بسبب القصف المتواصل الذي يسبب أضرارا نفسية لهم. لهذا جئنا لنهدئ من الأوضاع النفسية للأطفال". - آمال التمديد لم يمر سوى يوم واحد من هدنة الأيام الأربعة، لكن الوسيط القطري لا يريدها أن تظل مؤقتة، فأعربت أنها تأمل أن تشهد الأيام القليلة القادمة تتويج الجهود الجارية بتمديد الهدنة، وصولا إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة. يتحدث الأمريكيون أيضا بانفتاح عن هدن أخرى تسمح بإطلاق سراح مزيد من المحتجزين لدى الجانبين وبدخول مزيد من المساعدات إلى أهل القطاع الذين خرجوا في يوم الحرية الأولى لمتاجر خاوية من البضائع بفعل أسابيع الحصار المطبق. ورحب الرئيس الأمريكي جو بايدن بالهدنة في قطاع غزة، وقال إنها "ليست سوى البداية". وأضاف في مؤتمر صحفي بولاية ماساتشوستس الجمعة إن "الهدنة في غزة تسير على ما يرام"، مؤكدا أن هناك فرصة لتمديد الهدنة من خلال اتصالات يقوم بها مع الوسطاء ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وعاد بايدن للتأكيد على أن حل الدولتين "هو الحل للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين". لكن وقت طويلا لم يمر منذ تأكيد وزير الدفاع الأمريكي يوآف جالانت عن استعداد جيشه لمواصلة القتال بصورة أكثر ضراوة حين ينتهي أمد الهدنة المؤقتة صباح الثلاثاء المقبل. ولم تنس آذان الفلسطينيين أيضا حديث نتنياهو ومجلس حربه عن ترتيبات حكم غزة ما بعد الحرب. اليوم استمعوا لرئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية الذي قال إن إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب "قرار فلسطيني مستقل". وقال "لا توجد قوة في الأرض تحدد للشعب الفلسطيني مستقبله وإدارته وقيادته وإدارة الشأن الفلسطيني هو قرار فلسطيني مستقل". وأضاف هنية الذي يقيم خارج غزة، في مقابلة تلفزيونية في الساعات الأولى من اليوم، إن الحركة تهدف للوصول لما وصفها بأنها "صفقة تبادل شاملة" وإلى رفع الحصار بالكامل عن قطاع غزة. وتوعد هنية في مقابلة مع قناة إم.بي.سي مصر التلفزيونية، إسرائيل بأن "المقاومة ستكون بالمرصاد" إذا قررت إسرائيل استئناف العدوان. وبين آمال بايدن ووعيد هنية، قالت مصر إن 200 شاحنة مساعدات قد مرت من معبر رفح إلى قطاع غزة يوم الجمعة مع بدء سريان هدنة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل. وذكر ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في بيان، أن 15 شاحنة حملت مستلزمات إلى المستشفى الميداني الأردني الذي أقيم في رفح جنوب القطاع، مقابل 11 شاحنة دخلت إلى المستشفى الميداني الإماراتي وبرفقتهم طاقم خاص بهم. وأوضح أن 17 مصابا من قطاع غزة دخلوا مع 15 مرافقا. وقال أيضا إن 134 فلسطينيا علقوا في مصر منذ اندلاع الأزمة في السابع من أكتوبر قد عادوا إلى غزة يوم الجمعة بناء على رغبتهم. - في الضفة أفراح ودموع وحديث عن "جوانتانامو" إسرائيلي أبكى المفرج عنهم الضفة الغربية بقدر ما أثاروا فيها من سعادة، بعد أن امتزجت دموع الفرح بالحزن على 15 ألف شخص قتلوا في القصف الإسرائيلي لغزة. وبقدر ما بكت فاطمة شاهين الشابة الفلسطينية العائدة لمخيم الدهيشة في بيت لحم فرحا بحريتها، سالت دموعها أيضا "حزنا على الشهداء في غزة". وقالت فاطمة لوكالة أنباء العالم العربي (AWP): "شعور لا يوصف.. يعني جدا مبسوطة إني طلعت بالصفقة.. أكيد تحية للمقاومة إللي طلعتني وإن شاء الله عقبى لبقية الأسرى. بس بنفس الوقت يعني أكيد فرحتي جدا منقوصة عشان الشهداء في غزة الله يرحمهم". وأضافت "إحنا صح طلعنا في صفقة الأحرار ويعني الواحد أكيد بيكون مبسوط بهذا الشعور.. بس بنفس الوقت يعني يحز في قلبي أن هناك أسرى لا يزالون موجودين في قلاع الأسر. وبنفس الوقت كمان يعني إحنا طالعين على دماء الشهداء. أتمنى إن شاء الله يا رب الحرية للأسرى وأتمنى الرحمة لشهدائنا وأتمنى يعني الرحمة لشهدائنا وإن شاء الله يا ربي تتحرر فلسطين". وفي نابلس، تحدثت شابتان فلسطينيتان نالتا حريتهما من سجون إسرائيلية ضمن صفقة التبادل عن "ظروف بالغة التعقيد" عشنها وتعيشها أقرانهما الباقيات في السجون. وقالت الشابة نور الطاهر التي قضت مدة حبسها في سجن الدامون "أوضاع الأسيرات في غاية التعقيد. هناك حملة تضييق كبيرة جدا على كل الأسيرات ويتم سلب كل شيء من الحقوق السابقة التي انتزعتها الأسيرات. لا يمكنني القول إلا أن الأوضاع مأساوية جدا، ولا يحتملها إنسان". تضيف نور التي اعتقلت في سبتمبر الماضي إلى أسباب وصفها الأوضاع السجن بالمأساوية الإشارة إلى "رفض إدارات السجون الإسرائيلية إبلاغ أي من المعتقلات المنوي الإفراج عنهم". وقالت إن ذلك يجعل الجميع في ظروف نفسية معقدة وصعبة في ظل غياب أي معلومات عن مجريات صفقة التبادل. وأضافت رفيقتها أسيل الطيطي إلى حديث نور وصفها للسجون الإسرائيلية في الوقت الحالي بأنها أشبه بسجون "غوانتانامو"، في إشارة إلى السجون التي أنشأتها الولاياتالمتحدة في كوبا ونقلت إليها عناصر تنظيم القاعدة المحتجزين لديها في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول 2001. وأغلقت الولاياتالمتحدة معظم أقسام السجن سيئ السمعة، ونقلت أكثر من فيه تحت وطأة ضغوط خارجية وداخلية. قالت أسيل لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "ظروفنا كانت مأساوية.. يتم عزل الأسيرات بشكل انفرادي، ويتم ضربهن". ولم تخالف إسرائيل عادتها في اقتحام مدن الضفة الغربية، فدخلت قواتها نابلس ومخيم عسكر الواقع شرقها اليوم، كما قال تلفزيون فلسطين إن القوات الإسرائيلية اقتحمت أيضا مدينة الخليل. وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية في وقت سابق إن قوات إسرائيلية اقتحمت مدينة البيرة في الضفة الغربية وداهمت منزلا بها في ساعة مبكرة اليوم السبت. ونقلت الوكالة عن مصادر محلية أن القوة الإسرائيلية اقتحمت حي جبل الطويل وداهمت به منزلا يعود لعائلة الجيوسي. وأشارت إلى إطلاق الجنود الإسرائيليين الرصاص وقنابل الصوت والغاز في حي البالوع. في سياق ذي صلة، قال تلفزيون فلسطين إن القوات الإسرائيليين تقتحم مخيم عقبة جبر بمدينة أريحا في الضفة الغربية، دون ذكر تفاصيل إضافية.