الرئيس السيسى يكلف مصطفى مدبولى بتشكيل حكومة جديدة    محافظ بني سويف يعتمد نتيجة الدور الأول للشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 76.2 %    مقابلات للمتقدمين على 945 فرصة عمل من المدرسين والممرضات في 13 محافظة    مجلس النواب يوافق نهائيا على مشروع موازنة 2024-2025    ارتفاع جديد.. سعر الحديد اليوم الإثنين 3 يونيو 2024 في المصانع المحلية    حزب الله يستهدف قوات إسرائيلية في جبل عداثر بالصواريخ الموجهة    أوكرانيا: إصابة 5 مدنيين جراء قصف روسي على إقليم دونيتسك    أنطونيو كونتي يقترب من قيادة نابولى    إصابة نجم منتخب إيطاليا بالرباط الصليبي قبل يورو 2024    إحباط تهريب 2.5 مليون قرص كبتاجون مخدر خارج البلاد    تعليم القاهرة تعلن شروط قبول اعتذارات المعلمين عن المشاركة في امتحانات الثانوية العامة    فوز أعضاء أوركسترا شباب مكتبة الإسكندرية في مسابقة المؤتمر الموسيقي للوتريات    الفيلم الفسلطينى "اللِد" يفوز بجائزتي الجمهور في مهرجانين بأمريكا    لمواليد برج الدلو.. ما تأثير الحالة الفلكية في شهر يونيو 2024 على حياتكم؟    السكة الحديد تُطلق خدمات جديدة لركاب القطارات.. تعرف عليها    نقابة المهندسين بالإسكندرية تطلق مبادرة التدريب والشباب في موسمها الثالث    «ابتعدوا عن الميكروفون».. رئيس «النواب» يطالب الأعضاء باستخدام أجهزة القاعة بشكل صحيح    شكري: الممارسات الإسرائيلية تفتقر إلى الالتزام بقواعد القانون الدولي    توقعات باستمرار حركة النقل الجوي في ألمانيا أقل من مستواها قبل جائحة كورونا    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 12 شخصا    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي داخل المحكمة بعد تأييد حبسه    بدء الدراسة في درجة البكالوريوس لكلية العلوم والتكنولوجيا بجامعة أسيوط الأهلية    أفشة: الجلوس على الدكة يحزنني.. وأبو علي هيكسر الدنيا مع الأهلي    منتخب إنجلترا يواجه البوسنة في البروفة الأولى قبل يورو 2024    "مش عايزه".. مدرب ليفربول الجديد يصدم صلاح    بالأسماء.. شوبير يكشف كل الصفقات على رادار الأهلي هذا الصيف    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    رئيس «شباب النواب»: الموازنة تأتي في ظروف صعبة ولابد من إصلاح التشوهات وأوجه الخلل    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    السكة الحديد تعلن إجراء تعديلات على تركيب بعض القطارات بالوجه البحري    انهيار منزل ونشوب حريق في حادثين متفرقين دون إصابات بقنا    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    «الإسكان»: 220 ألف مواطن تقدم للحصول على شقق «الاجتماعي»    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات اليوم الإثنين    محافظ المنيا: توريد 346 ألف طن قمح منذ بدء الموسم    28 يونيو الجاري .. جورج وسوف يقدم حفله الغنائي في دبي    اتفاق تعاون بين الجامعة الفرنسية وباريس 1 بانتيون سوربون لإطلاق برامج جديدة في مجال السياحة    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    5 خدمات تقدمها عيادة أبحاث الألم بالمركز القومي للبحوث، اعرف المواعيد    «صيادلة الإسكندرية» تطلق 5 قوافل طبية وتوزع الدواء مجانا    "ما حدث مصيبة".. تعليق ناري من ميدو على استدعائه للتحقيق لهذا السبب    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    محافظ القاهرة: 1.5 مليار جنيه لرفع كفاءة الخدمات المقدمة إلى المواطنين    الطيران الإسرائيلي يغير على أطراف بلدة حانين ومرتفع كسارة العروش في جبل الريحان    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    باحثة ل"إكسترا نيوز": مصر لديها موقف صارم تجاه مخططات إسرائيل ضد غزة    هل يجوز ذبح الأضحية ثاني يوم العيد؟.. «الإفتاء» توضح المواقيت الصحيحة    للتدخلات الجراحية العاجلة.. كيف تستفيد من مبادرة إنهاء قوائم الانتظار؟    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    رسومات الأحياء المقررة على الصف الثالث الثانوي.. «راجع قبل الامتحان»    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    شرف عظيم إني شاركت في مسلسل رأفت الهجان..أبرز تصريحات أحمد ماهر في برنامج "واحد من الناس"    فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وفقا لما جاء في الكتاب والسنة النبوية    محمد الباز ل«بين السطور»: فكرة أن المعارض معه الحق في كل شيء «أمر خاطئ»    مقتل شخص وإصابة 24 فى إطلاق نار بولاية أوهايو الأمريكية    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واقع اليوم.. وحقائق الأمس
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 10 - 2023

بعد حرب سريعة، يهجر الأرمن اليوم «قره باخ» (الجبل المسمى أيضا ناجورنو كاراباخ أو أرتساخ) وسيحل مكانهم الآذريون، كنهاية لصراع عرقى دام طويلا فى منطقة متعددة الإثنيات كان الكرد يشكلون سابقا جزءا أساسيا من سكانها. هكذا كانت الحروب دوما فرصة لتغيرات جوهرية فى تركيبة السكان، حيث تعمل القوى المنتصرة فيها على «إدارتها» بهدف إقامة «عالم جديد». هكذا أدت الحرب العثمانية الروسية ثم العالمية الأولى إلى طرد السكان الأرمن والأشوريين من مناطق أضحت اليوم مواطنا للقوميتين الكردية والتركية، وتم فى السياق نفسه طرد الشركس من القوقاز إلى بلاد الشام وتم الاستبدال الكبير بين المسيحيين والمسلمين فى الأناضول واليونان والبلقان. لقد زالت الإمبراطورية العثمانية ذات الأعراق والأديان المتعددة وحلت مكانها دول «قومية». وهكذا أيضا شهدت نهاية الحرب العالمية الثانية ثم الحقبة الستالينية فى الاتحاد السوفيتى تغيرات كبيرة فى حدود الدول الأوروبية وهجرات نهائية للسكان أنهت وجود الكثير من «الأقليات».
• • •
عرف المشرق العربى أيضا تغيرات كبيرة فى سكانه خلال القرن العشرين، من هجرات «السفر بر» نحو الأمريكيتين، وهجرات المسيحيين إلى لبنان من جواره، وتهجير الفلسطينيين من أرضهم، واغتراب العمل إلى الخليج، وصولا إلى النزوح واللجوء الكبير للسوريين خلال حربهم الأهلية الأخيرة.
وخلال القرن العشرين، انبثقت فكرة مشروع «العروبة»، وعلى خلاف القومية التركية، بالتحديد كرفض لشرذمة سكان المنطقة فى دول «قومية» صرفة أو فى دول وحيدة المعتقد الدينى أو ذات المذهب الواحد، وكذلك انبثقت لمواجهة خطر مشروع صهيونى استيطانى لم يظهر فى 1948 بل فى الحقيقة منذ نهايات القرن التاسع عشر.
لكن مشروع «العروبة» عرف هزيمته سنة 1967، مع بداية التحول التدريجى ليس فقط نحو دول وطنية تبقى هوياتها الداخلية متعددة، بل مؤخرا نحو تفكيك الدول الوطنية ذاتها على أسس إثنية أو مذهبية. وأضحت الدولة الصهيونية هى «الواقع» و«النموذج» فى المنطقة فيما يخص طريقة «إدارة» الهجرات الوافدة و«الأقليات» المتواجدة بهدف تهجيرها البطىء. وتغيير الديموغرافيا يرافقه تحريف للتاريخ. ومع فقدان محور لبنان سوريا العراق القدرة على إدارة تنوعه الذى ما زال كبيرا، عروبيا ووطنيا. بل أضحى هذا التنوع بمثابة «الشذوذ» أمام «الواقع» و«النموذج» ودخل فى «هشاشة» مستدامة تتحمل مسئوليتها «النخب» المحلية والقوى النافذة الإقليمية والدولية.
كثرٌ نسوا اليوم لماذا أنشئت أصلا الجامعة العربية سنة 1944، فى وقت لم تكن فيه الحرب العالمية الثانية قد وضعت أوزارها ولم تكن الاحتلالات العسكرية الخارجية قد زالت؟ إذ كان وراء ذلك النشوء تخوّف من إعادة ترتيب المنطقة تبعا لإرادة القوى العظمى المنتصرة، ومن المشروع الصهيونى الذى كان يجرى العمل حثيثا على تأسيسه. موضوعان أساسيان كانا فى صلب نقاش تأسيس الجامعة: الدفاع المشترك... والاقتصاد المشترك. وكلاهما... ذهبا مع الرياح سريعا، لتنخرط بعض الدول العربية المستقلة حينها فى مؤتمر سان فرنسيسكو وتأسيس الأمم المتحدة.
• • •
بالطبع أضحت «إسرائيل» واقعا يفرض نفسه اليوم. وهذا الواقع هو دوما مركز اهتمام الإدارات الأمريكيّة والمشرّعين الأساسى، وكذلك هو أحد شروط التعاون بين الاتحاد الأوروبى – الذى أنتج اقتصادا ودفاعا مشتركين – وبين الدول العربية. ومهما كانت الانتقادات الأمريكية والأوروبية الخافتة للانتهاكات الإسرائيلية لم تؤدّ يوما إلى الإقرار الصريح ب«التمييز العنصرى»، الذى هو أيضا واقع، ولا إلى إدانة الاحتلال.
أمام هذا الواقع، تم الدفع بقوة نحو «التطبيع» وليس «السلام». والفرق شاسع بين هذا وذاك. فالسلام يعنى مرجعية قرارات الأمم المتحدة، ويعنى مبدأ «الأرض مقابل السلام» الذى تبنته القمة العربية فى بيروت عام 2002 بمبادرة أتت أصلا من المملكة العربية السعودية... أى عودة إسرائيل إلى حدود عام 1967. وفى حين أن اتفاقيات مصر والأردن مع إسرائيل لم تكن «تطبيعا» بل «اتفاقيات سلام»، استرجعت مصر مقابلها أرضها المحتلة فى سيناء وأبعَد الأردن محاولات تحويلها إلى وطن بديل للشعب الفلسطينى. أما «التطبيع» فهو فى شكله الرسمى علاقات دبلوماسية وإمكانية تنقل الأفراد والبضائع بين الدول، وفى شكله غير الرسمى هو تعاون خاصّة أمنى ضد مخاطر «مشتركة».
ويقوم «التطبيع» مبدئيّا على احترام ضمنى لسيادة ولسياسات الدولة التى يتم التطبيع معها وعلى عدم التدخل فى شئونها «الداخلية». أى ما يعنى القبول بالمستوطنات وبضم القدس الشرقية والجولان السورى وبغزة «السجن الكبير» وبسياسات «التمييز العنصرى»... ودون مقابل. وبما أن هذه القضايا تبقى جميعها شديدة الحساسية لدى شعوب البلدان العربية، يتم استخدام الرموز الآنية كى يتم تقبل «الواقع» تدريجيا، كالدفاع عن حلّ الدولتين الذى لم يعُد ممكنا عمليا أو المناداة بأولوية القضايا الوطنية على جميع القضايا «العربية». مثل نغمة «مصر أولا» و«الأردن أولا»... كما تقام مشاريع طموحة تغيّر الواقع الاقتصادى للمنطقة، من الهند وحتى... حيفا.
لم تكن القضية الفلسطينية يوما قضية دينية كى يكون نبى عنوانا لحل قضيتها... وللتطبيع. إنها فى الأساس قضية تهجير شعب من أرضه واستبداله بآخر. وعندما يصمد جزء من هذا الشعب على أرضه بكلفة بشرية وإنسانية كبيرة يجبَر على العيش فى ظل «تمييز عنصرى».
لا تأبه «لعبة الأمم» القوية بالتهجير القسرى للشعوب، بل تراها أحيانا حلولا لخلق وقائع تفرِض نفسها بنفسها وإن تطلب ذلك زمنا كى يتم نسيان التاريخ. بل تستخدم هذه الهجرات التى عملت عليها كأداة فى صراعات نفوذها الواحدة ضد الأخرى، وكى يتم الأخذ إلى صراعات إثنيّة ودينية أو مذهبية جديدة أو إلى صراعات بين المواطنين والمهجّرين كما شهدت ساحتا الأردن ولبنان.
• • •
يبقى أن العصر الحالى هو عصر تهجير كبير للسكان على المستوى العالمى من جراء الصراعات المفتوحة، حسب ما تذكره الأمم المتحدة. والقضية الإنسانية والسياسية الكبرى هى كيفية تعامل الدول والشعوب مع قضايا التهجير والهجرات والمهاجرين والمهاجرات. ليس أساسا لإغاثتهم و«تبرئة الضمير» ووضعهم فى خيم بانتظار أن ينسى الزمن تهجيرهم وأن يندمجوا، بل أن تعود الإنسانية إلى إنسانيتها عبر نبذ التمييز العرقى والدينى والمذهبى وعبر اعتبار المهجرين والمهاجرين بشرا مثل كل الآخرين. وأن القبول بتهجير الآخرين القسرى يفتح مجالا للقبول بتهجير من قَبِلَ به... يوما ما.
إن العالم يحتاج إلى خطوات عميقة وكثيرة كتلك التى قام بها بشجاعة بابا الفاتيكان فى مرسيليا لتذكير الأوروبيين بأنهم جميعا أحفاد هجرات تاريخية وأن البحر المتوسط وغيره من البحور.. ليسوا مقابر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.